إنّ المقصود من الاحتفال بمولد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هو تعظيم لنبيّنا والأنبياء، مصداقًا لقول اللّه تعالى: {ذلكَ ومَنْ يُعَظِّم شعائِرَ اللّه فإنّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوب} الحجّ:32. والاحتفال بمولده صلّى اللّه عليه وسلّم يشتمل على ذِكر مولده الكريم ومعجزاته وسيرته والتّعريف به صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، إضافة إلى اجتماع النّاس على تلاوة القرآن الكريم وقراءة الأحاديث والسِّيَر وإطعام الفقراء والمساكين، فقد قال الحافظ السيوطي في الحاوي للفتاوى: ”إنّ أصل عمل المولد الّذي هو اجتماع النّاس وقراءة ما تيسَّر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وما وقع في مولده من الآيات.. هو من البدع الّتي يُثاب عليها صاحبها لمَا فيه من تعظيم قدر النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشّريف”. وقد استحسن الاحتفال بمولد المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم وأجازه جمهور الأمّة الإسلامية وجُلّ علمائها، من أمثال: الحافظ بن حجر العسقلاني، وتلميذه الحافظ السّخاوي، والحافظ السيوطي، والإمام النّووي، والحافظ ابن كثير، وإمام القُرّاء الحافظ شمس الدّين بن الجزري، والحافظ شمس الدّين بن ناصر الدّين الدمشقي، والحافظ العراقي، والكمال الأدفوي، والحافظ ابن حجر الهيثمي، والحافظ المجتهد الإمام مُلاّ عليّ القاري، والحافظ ابن الدبيع، وابن طغر بك وغيرهم. إلاّ أنّ هناك من المسلمين مَن يعتبرون أيّ احتفاء بالذّكريات الإسلامية أو بالهجرة النّبويّة أو بالإسراء والمعراج، أو بمولد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، أو بغزوة بدر الكبرى، أو بفتح مكّة، أو بأيّ حدث من أحداث سيرة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، يعتبرونه بدعة في الدّين، وأنّ كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار، وهذا ليس بصحيح على إطلاقه، إنّما الّذي ننكره الاحتفالات الّتي تخالطها المحرّمات والمنكرات. قال العلامة ابن الحاج المالكي رحمه اللّه تعالى: ”فكان يجب أن نزداد يوم الاثنين الثاني عشر في ربيع الأوّل من العبادات والخير شكرًا للمَوْلى على ما أولانا من هذه النِّعم العظيمة وأعظمها ميلاد المصطفى صلّى اللّه عليه وآله وسلّم”، وأضاف: ”ومن تعظيمه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الفرح بليلة ولادته وقراءة المولد”. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه تعالى: ”فتعظيم المولد واتّخاذه موسمًا قد يفعله بعض النّاس، ويكون لهم فيه أجر عظيم لحُسن قصدهم وتعظيمهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم”، الفتاوى ج23 ص134. وقال الإمام الحافظ ابن الجوزي في المولد الشّريف: ”إنّه أمان في ذلك العام، وبُشْرَى عاجلة بنيل البُغية والمَرام” )انظر: المواهب اللدنية ج1 ص27، تاريخ الخميس ج1 ص223، روح البيان في تفسير القرآن ج9 ص2، والسِّيرة الحلبية ج1 ص83-84). واعلم رحمك اللّه أنّ معرفة سيرةِ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فرضُ عينٍ كالصّلاة، قال اللّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللّه وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللّه كَثِيرًا} الأحزاب:21. فكيف يكون النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم أسوةً حسنةً إن لم نعرف