وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً في كل عام، ومع بداية شهر ربيع الأول شهر ميلاد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وتزامنًا مع احتفال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى ميلاد نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله وسلم الذي صادف أمس السبت، نجد فريقًا من المحرومين لا هم لهم إلا نشر فتاوى متشددة تقضي بتبديع وتحريم الاحتفال وإظهار السرور بميلاد خير خلق الله، وخاتم الأنبياء والمرسلين، على الرغم من أن جمهور علماء المسلمين وأكابرهم قد أجمعوا على استحسان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار الفرح به. وقد أقر الفقهاء والحفاظ والمحدثين والمفسرين إقامة المولد النبوي الشريف واعتبروها سنُة حسنة يُثاب فاعلها، وأقنوا على عمل ملك إربِل الملك مظفر الدين أبو سعيد كوكبري الذي كان أول من احتفل بالمولد النبوي الشريف، وجمع له العلماء والعامة من المسلمين وقدّم لهم أطايب الطعام ومفاخر الشراب، وذلك في أوائل القرن السابع للهجرة. فالعلماء والفقهاء والمحدثون والحفاظ كالحافظ العسقلاني والحافظ السخاوي والحافظ السيوطي وغيرهم كثير، حتى علماء الأزهر كمفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ محمد بخيت المطيعي وكل من جاء بعده من المفتين، حتى علماء لبنان والشام كمفتي بيروت السابق الشيخ مصطفى نجا رحمه الله استحسنوا هذا الأمر واعتبروه من البدع الحسنة فلا وجه لإنكاره بل هو جدير بأن يسمى سنة حسنة لأنه من جملة ما شمله قول رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص من أجورهم شيء). وقد استخرج أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني لعمل المولد أصلاً من السنة النبوية المطهرة واستخرج الحافظ السيوطي أصلاً ثانياً. قال إمامنا مجدد القرن الثاني الهجري محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه : (المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً فهذه البدعة الضلالة، والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة). ومعنى كلام إمامنا الشافعي إن هناك أموراً أحدثت توافق الكتاب أو السنة أو الأثر أو الإجماع فهي بدعة حسنة، كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن جمع الناس على صلاة التراويح على إمام واحد: (نعمت البدعة هذه). وسبحان الله ألا يكفي دليلاً على جواز الاحتفال بمولدة صلَّى الله عليه وآله وسلم أنه هو نفسه احتفل به .. فقد روي أن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم سئل عن سبب حرصه على صيام يوم الإثنين فقال: (ذاك يوم ولدت فيه، وفيه بعثت) أو كما قال. فحبيبنا صام لله سبحانه وتعالى حمداً له وشكراً لأنه أرسله هادياً للناس احتفل بمولده على طريقته الخاصة. دليل آخر .. عندما جاء النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ووجد اليهود يصومون يوم عاشوراء احتفالا بنجاة سيدنا موسى ومن آمن معه من فرعون .. ماذا قال ؟!! قال: (نحن أولى بموسى منهم). وأمر بصيام يوم عاشوراء احتفالًا بنجاة سيدنا موسى. ألسنا أولى بالاحتفال بمولد حبيبنا وشفيعنا ورسولنا وسيدنا خير الخلق ؟!!! إن الذين يُحرمون الاحتفال بالمولد محرومون من حب سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، ومشكلتهم، أنهم يريدون من الناس العوام أن يتركوا كل ما يتعلق بحب النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم، كالاحتفال بمولده، وزيارته عليه الصلاة والسلام وعلى آله، ومدحه، فكل ذلك يشير إلى تعظيم النبي إلى القدر الذي يستحقه، و هذا ليس غلو ولا تفريط. ألم يقرأوا قول الله سبحانه و تعالى في سورة الفتح: بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}