ضيعت الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية منذ الاستقلال، ما لا يقلّ عن 1200 كلم من خطوط السكك الحديدية بسبب الإهمال وما خلّفته فترة التوتر الأمني في تسعينيات القرن الماضي، واستهدف الإرهاب قطارات بضائع ومسافرين بحوالي 500 عملية تخريبية. ستخضع الشبكة الجديدة للسكة الحديدية، الجاري إنجازها من قبل الوكالة الوطنية لدراسة ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكة الحديدية ”أنسريف”، لمقاييس عالمية حديثة تمنح نقل البضائع والمسافرين حركية وديناميكية عالية، بعد أن تقرر زيادة سرعة القطارات بين 220 كلم إلى 350 كلم في الساعة وتجهيزها باتصالات سلكية ولاسلكية. وإن كُتب لهذا المشروع النجاح، فإن تطوير قطاع النقل بالسكك الحديدية الذي خصصت له الحكومة 40 مليار دولار، 30 مليار دولار منها لتطوير وعصرنة الشبكة، سيمدد طول هذه الأخيرة إلى حدود 12500 كلم، لتحتل بذلك الجزائر المرتبة التاسعة عالميا من حيث تطور القطاع السككي. وأكد مسؤول الوكالة الوطنية لدراسة ومتابعة إنجاز الاستثمارات في تصريح ل«الخبر”، أن وتيرة أشغال المشاريع والدراسات محترمة في الوقت الحاضر من قبل المؤسسات ومكاتب الدراسات الوطنية والأجنبية، بإنجاز 6561 كلم من خطوط السكك الحديدية، وذلك للوصول إلى 10500 كلم منتصف العام الجاري، في وقت لا تتجاوز الشبكة السككية الحالية 3500 كلم. وتصر وزارة النقل على التطوير النوعي لقطاع السكك الحديدية في الجزائر، بربط جهات الجزائر الأربعة، مع التركيز على خطوط المدن الشمالية وولايات الهضاب، إلى جانب كهربة الخطوط وازدواجيتها واستحداث آليات ونظم تأمين الشبكة. وشدد المسؤول على أن تنفيذ هذه المشاريع سيسمح برفع قدرة نقل البضائع من 6 مليون طن حاليا إلى 18 مليون طن، عند استكمالها، كما يكتسب أهمية اقتصادية من خلال تقليص مدة السفر بين المدن الكبرى، مؤكدا على أن هذا المشروع سيكون له دور مهم في تجسيد مشروع المغرب العربي الكبير، باستعمال سكان المنطقة لهذا القطار للتنقل من المغرب إلى تونس عبر الجزائر. وحسب متتبعين لشؤون النقل في الجزائر، فإن الحكومة مجبرة أكثر من أي وقت مضى على تطوير سكك الحديد، لتفادي أخطار ناجمة عن تدهور وضعية الطرق ومحدودية شبكة النقل البري وعيوب الطريق السيّار، في وقت دقت فيه وزارة النقل ناقوس الخطر بسبب تصاعد عدد السيارات المهول، بعد أن تجاوز ال 08 ملايين مركبة، 4 ملايين سيارة منها في الجزائر العاصمة وحدها، وفي وقت تشير فيه توقعات إلى الوصول ل20 مليون سيارة في الحظيرة الوطنية في أفق 2025. وفي المقابل، يتساءل مراقبون عن مشروعين لقطارات السرعة العالية ”تي جي في” (350 كلم في الساعة) بمحوري شمال جنوب وشرق-غرب، وجرى إسناد ذلك للوكالة الوطنية لمتابعة الدراسات ومتابعة استثمارات السكك الحديدية قبل حوالي 16 شهرا. 7 محاور لإنجاز البرنامج الوطني للسكك الحديدية ينتظر أن يبلغ طول الشبكة 6000 كلم، مع استكمال البرنامج الوطني لتطوير السكة الحديدية، خاصة مع مشروع ربط جميع مناطق شمال سيصل طول خط السكك الحديدية على المستوى الوطني 12.000 في أفق 2020. ويتضمن البرنامج الوطني لتطوير النقل السكك الحديدية 7 محاور. 01 خط الشمال يبلغ 1.200 ويربط معظم مدن الشمال من الحدود الشرقية إلى الحدود الغربية، وقد مست أشغال عصرنة وتوسيع هذا الخط حاليا 1.050. كما ينتظر الكهربة الكلية لهذا الخط الذي يمتد على مسافة 300 كلم، بما فيها العاصمة وضواحيها. 02 خط الهضاب العليا ويهدف المشروع إلى فك العزلة عن الهضاب العليا وتحسين الاستغلال الاقتصادي للمنطقة، حيث سيكون هذا الخط موازيا لنظيره في الشمال. كما سيتم ربط المشروعين بخطوط حديدية أخرى، ويبلغ طول هذا المشروع 1.160 كلم ويمتد من تبسة إلى الغرب. ومست إنجاز الأشغال 412 كلم، في حين تم الشروع في إنجاز 748 كلم المتبقية. 03 خط المنجمي سيربط هذا الخط الحيوي ما بين مناجم جبل العنق بالجنوب الشرقي ومدينة عنابة عبر مينائها التجاري، حيث سيبلغ هذا الخط 388 كلم وتجري حاليا عصرنته، في حين ينتظر أن يتم الشروع قريبا في عصرنته، كما سيتم توسيع هذا الخط إلى غاية الجنوب باتجاه وادي سوف وتڤرت. 04 الخط الاختراقي للغرب ويتمثل الخط الذي يربط طابية بولاية بشار بطول 574 كلم وعلى طول الحدود الغربية، حيث سيتم استلامه في 2016 وتبلغ سرعة القطارات بها إلى 160 كلم في الساعة. 05 خط شمال جنوب هذا الربط يبلغ طوله 417 من شأنه أن يفك العزلة عن المدن والواحات، كما يربط القطب النفطي للمدينة الجديدة بحاسي مسعود بسرعة تبلغ 220 كلم في الساعة، ويهدف هذا الخط إلى تحسين ربط المنطقة النفطية لحاسي مسعود أين يشتغل ويسكن آلاف العمال، بالإضافة إلى تخفيف الضغط عن النقل الجوي الذي وصل حالة متقدمة من التشبع. 06 حلقة الجنوب الشرقي وينتظر أن يربط الشطر الأول من المشروع بين الخميس الشمال والجلفة على طول 275 كلم. أما الشطر الثاني بطول 110 كلم، فسيربط بين مدن الجلفةوالأغواط وسيتم الشروع في تنفيذه قريبا. أما الشطر الثالث بطول 425 كلم، سيمتد من الأغواط إلى حاسي مسعود مرورا بورڤلة للمساهمة في فك العزلة عن المدن المحاذية لحقول النفط والغاز، وسيمثل النقل بالسكك الحديدية للأشخاص والسلع جرعة أكسيجين لهذه المناطق التي عانت طويلا من تبعيتها للطرق البرية. 07 حلقة الجنوب الغربي ويتعلق الأمر بخط يبلغ 1.500 كلم من السكك الحديدية الذي ينتظر إنجازها على مستوى الجنوب الغربي، حيث سيربط المدن المحيطة بوهران وستمتد إلى غرداية وصولا إلى بشار، كما سيعبر هذا المشروع مدن منيعة تيميمون وأدرار وبني عباس، ويربط هذا الخط مدينة عين صالح بولاية تمنراست. تجدر الإشارة إلى أن عقود الدراسات الخاصة بهذه الحلقة التي ستبلغ سرعة القطارات بها 220 كلم هي حاليا قيد الاستكمال. ما هي أنسريف تم إنشاء الوكالة الوطنية لدراسة ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية في 20 جويلية 2005، وكلفت هذه الوكالة بتسيير ميزانية معتبرة خصصتها السلطات العمومية لتطوير شبكة النقل بالسكك، مع السهر على احترام معايير ونظم تصميم والإنشاء والتهيئة الخاصة بمنشآت السكك الحديدية، كما تقوم الوكالة بتطوير هندسة السكك الحديدية، إلى جانب تنفيذ برامج الحكومة فيما يخص الدراسات وتقوم أيضا بضمان متابعة الاستثمارات في هذا المجال. المدير العام للوكالة الوطنية لمتابعة مشاريع السكك الحديدية ل”الخبر” 50 في المائة في الحاويات تنقل عبر السكك الحديدية يعتقد المدير العام للوكالة الوطنية لدراسة ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية، عز الدين فريدي، في حوار مع ”الخبر” بأن ربط المدن الكبرى بالمناطق الصناعية عبر خطوط السكة الحديدية سيسهّل نقل البضائع ويخلص الطريق السيّار والطرق السريعة من الحاويات وأصحاب الشاحنات بنسبة 50 في المائة. ما هي القيمة التي ستضيفها مشاريع السكك الحديدية، وهل سيغير ذلك وجه الجزائر اقتصاديا؟ يعتبر النقل بالسكك الحديدية شريان الاقتصاد، حيث سطرنا برنامجا هاما لربط الموانئ بالمناطق الصناعية ومناطق النشاطات والمدن الكبرى، مما يحتم على المتعاملين الاقتصاديين استعمال السكة الحديدية نظرا لسرعتها واستيعابها كما كبيرا من الحمولة، كالمعادن والمواد الخام وغيرها، كما تساهم في تخفيف الضغط عن الطريق، وذلك بتفضيل المسافرين التنقل باستعمال القطار نظرا لما يوفره من الراحة والأمن والسرعة. ما هي الولايات المعنية أكثر بهذه المشاريع؟ جميع ولايات القطر الجزائري معنية بمشاريع النقل بالسكك الحديدية، ومنها من سيستفيد من أكثر من مشروع، ويتضمن البرنامج إنشاء خطوط عصرية مكهربة ومزدوجة، لنقل المسافرين والبضائع، وستصل سرعة القطارات التي تقل المسافرين 220 كلم في الساعة، أما الناقلة للبضائع فستبلغ 120 كلم في الساعة. نذكر على سبيل المثال الجزائر العاصمة وضواحيها (بومرداس والبليدة، البويرة وتيزي وزو) شرق البلاد (عنابة وقسنطينة وتبسة وسوق اهراس..)، الهضاب العليا (الجلفةوالأغواط والبيض والمسيلة وتيسمسيلت، وتيارت وسعيدة،)، الجنوبالجزائري (بشار وورڤلة وغرداية والواد وأدرار). هل 32 مليار دولار كافية في نظركم لإنجاز 1200 كلم؟ 33مليار دولار هو الغلاف المالي للمشاريع التي هي قيد الإنجاز فقط، فقد خصصت الدولة ميزانية ضخمة لتطوير وعصرنة مشاريع السكة الحديدية، وتحتل الجزائر المركز السابع عالميا من حيث الميزانية المخصصة لهذا القطاع. متى تصبح السكة الحديدية بديلا للطريق أو مكملة له؟ نحيطكم علما بأن طول السكة كان 1900 كلم نهاية 1999، فقمنا بتحديث وإنشاء خطوط جديدة، بحيث أصبح الطول الحالي 4 آلاف كلم وهناك أكثر من 2200 كلم قيد الانجاز، وأكثر من 7 آلاف كلم قيد الدراسة. وعند انتهاء المشاريع يصبح طول السكة الحديدية أكثر من 12 ألف كلم، هنا نستطيع القول إن لدينا شبكة متجانسة وبنفس السرعة وتغطي كل القطر الوطني، هذا ما يسمح بتسهيل حركة تنقل الأشخاص والبضائع، وبالتالي تصبح السكة مكملة للطريق أو التعويض عنه نظرا لما توفره من ظروف وخدمات ملائمة للسفر. ما هي الصعوبات والعراقيل التي تعيق انجاز المشاريع وتسليمها في أوقاتها المحددة؟ استطعنا في الآونة الأخيرة إطلاق جميع المشاريع المسجلة ضمن مخططات التنمية، بمختلف الصيغ والأشغال تسير بوتيرة جد عالية. وفي هذا الإطار، قمنا بإطلاق خط الهضاب العليا في نهاية 2011 وبداية 2012 ونسبة الأشغال تفوق 50 في المائة، حيث شرعنا في وضع السكة. كما أطلقنا مؤخرا مشاريع على مسافة 300 كلم من ولاية المدية إلى الأغواط وكذا المشرية والبيض وتڤرت وحاسي مسعود... أما عن المشاكل والعراقيل التي نواجهها فهي. - نزع الملكية للصالح العام، خاصة ما يتعلق بملكية الخواص، إذ في الكثير من الأحيان يرفض المواطنون التنازل عن أراضيهم، وذلك ما يعرقل سير الأشغال ويؤخرها. إلى جانب مراكز وضع الردوم، خاصة في المدن الكبرى. - وتعتبر مشاريع انجاز خطوط السكة الحديدية من المشاريع التي تتطلب الدقة ووقتا كبيرا في الدراسات وتقنية عالية في وضع السكة وتسويتها، على سبيل المثال فإن زاوية ميلان خط السكة الحديدية هو 1.6، ما يتطلب مناطق تسطيح كبيرة، وبالتالي تزداد نسبة الحفر والردوم، وكذلك تتطلب منشآت فنية كبيرة كالأنفاق والجسور وغيرها. - مشكل التضاريس الوعرة خاصة في المناطق الداخلية والصحراوية، ما يستلزم العودة إلى تجارب الغرب والدول المتقدمة في هذا المجال، وذلك عن طريق تكوين المهندسين في الخارج. ماذا عن مناصب الشغل التي يوفرها القطاع وعن الحمولة التي ستنقل عبر السكة مقارنة بنقلها عبر الطريق؟ مشاريع السكة الحديدية من شأنها أن توفر مناصب شغل كثيرة بصفة مباشرة، وذلك أثناء عملية الانجاز، وأخرى غير مباشرة بعد تسليمها من خلال الفضاءات التي تحويها الخطوط من محطات ومحلات وغيرها، فالسكة الحديدية تعطي المنطقة التي تصلها نفسا جديدا ودفعا اقتصاديا كبيرا. أما بالنسبة لنقل البضائع، فإن استكمال المشاريع قيد الانجاز سيساهم في القضاء على الاختناق المروري ونقل مختلف السلع والبضائع بكثافة وبكميات كبيرة في قطار واحد بكل أمن وأمان، ما يسمح بربح الوقت والمال، وبالتالي يصبح للسكة الحديدية دورا مهما في نقل البضائع بكميات كبيرة من الموانئ إلى المناطق الصناعية، لاسيما المتواجدة منها بالمناطق الداخلية، وكذا التي يتواجد فيها مصانع لتحويل المادة الأولية، ومحطات تكرير المواد البترولية والمناجم. الجزائر: حاوره كريم كالي