أمر اللّه عزّ وجلّ بالخوف منه، ونهى عن الخوف من غيره، فقال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ، فَلا تَخافوهُم وخَافونِي إنْ كنْتُم مؤمنين}. وعن أنس رضي اللّه عنه قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: “لو تعلمون ما أعلم لضحِكتُم قليلًا ولبكيتم كثيرًا”، فغطى أصحاب رسول اللّه وجوههم ولهم خَنِينٌ” )صوت البكاء). ويُراد بالخوف انزعاج القلب واضطرابه، وتوقّعه عقوبة اللّه على فعل محرَّم، أو ترك واجب، أو التّقصير في مستحب، والإشفاق أن لا يَقبَل اللّه العمل الصّالح، فتنزجر النّفس عن المحرّمات، وتسارع إلى الخيرات. والخشية والوَجل والرّهبة والهيبة ألفاظ متقاربة المعاني، وليست مرادفة للخوف من كلّ وجه، بل الخشية أخصّ من الخوف، وهي تعني الخوف من اللّه مع عِلمٍ بصفاته سبحانه، قال تعالى: {إنَّمَا يَخْشَى اللّه مِنْ عِبَادِه العُلماء}. وفي الصّحيح أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “أمَا إنّي أخشاكم للّه وأتقاكم له”. والوَجَل رجفان القلب وانصداعه لذِكْرِ مَن يخاف سلطانه وعقوبته، والرّهبة الهرب من المكروه، والهيبة خوف يقارنه تعظيم وإجلال. يقول ابن القيم رحمه اللّه: “فالخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمُحِبِّين، والإجلال للمقرَّبين، وعلى قدر العِلم والمعرفة يكون الخوف والخشية من اللّه تعالى”. وقد وعد اللّه مَن خاف منه أفضل أنواع الثّواب، وذلك لأنّ الخوف من الخالق يحجز عن الشّهوات، ويسوق إلى الطّاعات، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ ربِّه ونَهَى النّفسَ عَنْ الْهَوَى، فإنَّ الْجنَّةَ هِيَ الْمَأوَى}، فأخبر سبحانه أنّ مَن خافه نجَّاه من المكروهات، وكافأه بحسن العاقبة. لقد كان السّلف الصّالح يغلب عليهم الخوف من اللّه، ويحسنون العمل، ويرجون رحمة اللّه عزّ وجلّ، ولذلك صَلُحَت حالهم، وطاب مآلهم، وزكت أعمالهم. فقد كان عمر رضي اللّه عنه يعس ليْلًا، فسمع رجلًا يقرأ سورة الطور، فنزل عن حماره واستند إلى حائط ومرض شهرًا يعودونه لا يدرون ما مرضه. والخوف المحمود هو الّذي يحث على العمل الصّالح ويمنع من المحرّمات، فإذا زاد الخوف عن القدر المحمود صار يأسًا وقنوطًا من رحمة اللّه، وذلك من كبائر الذّنوب. فالواجب على المؤمن إذن: الجمع بين الخوف والرّجاء، وأكمل أحوال العبد محبّة اللّه تعالى، مع اعتدال الخوف والرّجاء، وهذه حال الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، قال تعالى: {إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين}، وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنْ الْمَضاجِع يَدْعُونَ رَبَّهُم خَوْفًا وَطَمَعًا وممّا رَزقْناهُم يُنْفِقون}. فإذا علم المسلم شمول رحمة اللّه وعظيم كرمه، وتجاوزه عن الذّنوب العظام، وسعة جنّته وجزيل ثوابه، انبسطت نفسه واسترسلت في الرّجاء والطّمع فيما عند اللّه من الخير العظيم، وإذا علم عظيم عقاب اللّه وشدّة بطشه وأخذه وعسير حسابه وأهوال القيامة وفظاعة النّار وأنواع العذاب في النّار، كفت نفسه وانقمعت وحذرت وخافت؛ ولهذا ورد في الصّحيح عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “لو يعلم المؤمن ما عند اللّه من العقوبة ما طمع بجنّته أحد، ولو يعلَم الكافر ما عند اللّه من الرّحمة ما قنط من جنّته أحد”. نقل حجّة الإسلام الغزالي رحمه اللّه عن مكحول الدمشقي قوله: “مَن عبد اللّه بالخوف وحده فهو حروري، ومَن عبده بالرّجاء فهو مُرِجِئِي، ومَن عبده بالمحبّة فهو زنديق، ومَن عبده بالخوف والرّجاء والمحبّة فهو موحِّد سنّي”.