ه- لماذا المجلس التأسيسي؟ إن التركيز بالنسبة لنا على المجلس التأسيسي ليس فقط الشروع في تحديد مشروع المجتمع، بل دعوة كافّة القوى الحيّة في البلاد إلى المساهمة في إعداد المشروع. لذا، فإن مقترحنا يختلف عن المساعي المقترحة لحدّ الساعة لتحقيق الاستقلال. إن الأمر لن يكون متعلقا بعد الآن بالاعتماد على النتيجة الانتخابية للحزب السياسي الذي يعتبر نفسه الحامل الوحيد لمشروع السيادة الجماعي. ولا يتعلق الأمر بعملية قانونية، حيث يكلّف المختصّون بصياغة دستور مع إعادة تسمية المؤسسات الموروثة عن السنوات الخمسين الماضية. ولا يتضمن الأمر أيضا تنظيم استفتاء يتوقف نجاحه على حملة دعائية ترمي إلى التصديق على مشروع جرى إعداده في دائرة مغلقة. إن الكلام عن مجلس تأسيسي بالنسبة لنا ليس وضع طريق جديد بصفة غامضة نحو سيادة الجزائر. إنه اقتراح بإجراء نقاش بالصفة الأكثر ديمقراطية ممكنة والأوسع حول آليات أساسية تضمن الدفاع عن التراث المشترك وتنظيم الصراعات السياسية والمطالب الاجتماعية. ولكي تنجز الجزائر القطيعة مع النظام الراهن وتختار الاستقلال، يتعيّن على الجزائريين أن يتأملّوا في البلد الذين يرغبون في بنائه وأن يحلموا به. وعليهم أن يحدّدوا بأنفسهم المؤسسات الديمقراطية والأدوات السياسية اللازمة لتحيين السيادة الشعبية. وفي رأينا، فإنّ هذا العمل الواسع سيمنح الفرصة للمواطنات وللمواطنين لاكتشاف الأسباب الفردية والجماعية للاستقلال. وحيث إنهم عبّروا هكذا عن نظرتهم عن البلاد، فإنه سيكون بوسعهم أن يقاوموا بشكل أفضل فيما بعد الأعمال الانتقامية المتوقعة من الزمرة التي تمسك بالبلاد كرهينة. إن القناعات التي ستتشكّل خلال العمل الطويل للمجلس التأسيسي، ستكون أكثر قوة من تلك الناتجة عن حملة دعائية. وفي الحقيقة، فإن قيام مجلس تأسيسي منتخَب وديمقراطي، سيكون هو بالذات عملا من أعمال السيادة الشعبية، وسيكون بمثابة قطيعة مع ‘'المؤسسات'' المفروضة من قِبل النظام القائم، وسيعلن النهاية بالنسبة للقبول بحكم مركزي وبهيمنته على البلاد. وباختصار، فإن المجلس التأسيسي سيؤكد ما يعمل هذا النظام على إنكاره: وجود أمّة جزائرية. وسيمكّن عمله الناس من التخلّص من جمودٍ دستوري نزل بهم إلى مستوى شعب من الأقلية وشعب معوّق. لذا فنحن نقترح أن يتوّج مشروع الدستور مسعى المجلس التأسيسي لا أن يكون نقطة انطلاق. و- الخلاصة أمام التهديدات المؤكدّة من قِبل الحكم أو بسبب الوضع الجيوسياسي والوضع الجيواستراتيجي والعولمة النيوليبرالية، فإن مشروع السيادة الوطنية يفرض نفسه أكثر ممّا مضى. غير أنّ نجاحه وشرعيته يتوقفان على الطابع الديمقراطي العميق للمسعى المتّبع في تحقيقه، لذا فنحن نقترح دعوة مجلس تأسيسي. إننا نقترح دعوة مواطنين من هنا وهناك لكي يفكّروا في البلد الذي يرغبون فيه ويحلمون به. إن الأمر يعود للشعب قاطبة لتحديد المؤسسات الديمقراطية والأدوات السياسية الضرورية لسيادة شعبية حقيقية. وبفضل عمل المجلس التأسيسي، ستكتشف المواطنات والمواطنون من الأسباب الشخصية والجماعية ما يهيب بهم لخلق 5 جويلية آخر. ولكن من الذي سيكون الضامن لورقة الطريق هذه؟ إنّ عقلنا يذهب إلى المؤسّسات الأمنية بمختلف هيئاتها، وعلى رأسها الجيش الوطني الشعبي. 4 مكانة الجيش في الأمّة: دعم المرحلة الانتقالية كان من نتيجة الإرهاب المهيمن وأثره الكارثي على النسيج الاجتماعي بأكمله، أن دفع بالجيش إلى مقدّمة المشهد. وقد نُظر إلى دور المطافئ هذا الذي فرضه عليه واجبه من زاوية سلبية، لاستعماله العنف العقلاني والمشروع على غرار بقية جيوش العالم، وهو ما أصابه بالهشاشة. إن الهجومات التي يتعرّض لها جيشنا ليست في واقع الأمر سوى إستراتيجية مكيافيلية لإبعاد الجيش عن المجال السياسي لفائدة المافيا السياسية - المالية. ونحن لا نفهم لماذا يريدون إبعاد الجيش ووضعه في الظلّ، حيث لا يظهر إلا وقت الخطر. إنهم يسعون من وراء هذا الهجومات المباشرة إلى التأثير في الرأي العام الوطني والدولي، حيث لا يعود يعترف بالجيش إلاّ كملجأ أخير، وهي تأثيرات دفعت للأسف ببعض المثقفين والمواطنين البسطاء وحتى ببعض ‘'الشخصيات'' إلى طريق السلبية ونكران واقع الجيش والعداوة الخفية. ونحن لا ننكر في مقابل ذلك أنه من خلال هذه الهجومات ذات الانتشار الإعلامي الواسع والمخطّط لها، وجد جيشنا نفسه محاصرا، بل واقعا في الفخّ. في البلدان التي تحترم نفسها والمتقدّمة اقتصاديا في أوروبا وأمريكا الشمالية، فإن المكانة المرموقة للجيش ولدوره في التنمية الاجتماعية السياسية والاقتصادية لا لبس عليها وليست مدعاة لأيّ غموض. أما في بلدنا فإن الغموض يلفّ كلّ شيء: عوض تجريم المؤسّسة العسكرية وعوض تهميشها واعتبارها جسما دخيلا على العالم السياسي، ينبغي بالعكس النظر إلى هذه المؤسّسة من زاوية أخرى. ولنطرح على أنفسنا الأسئلة التالية: هل العنف المسلّح هو خاصّ بالجيش أو هو الطابع الخصوصي للدولة؟ هل من المعقول تحيين هدف اجتماعي مهما كانت أهميّته خارج العمل بالعنف المنظّم والعقلاني، أي حفظ الأمن؟ سنكون مخطئين لو قلنا إننا نستطيع الردّ على هذه الأسئلة. سنترك الأمر للشعب لكي يقرّر وأن يفتح نقاشا حول هذه الإشكالية التي لا تطرح في بلدان أخرى. إنّ الكلام الذي جاء على لسان المسؤول الأول عن المؤسّسة العسكرية فيما يخصّ الانتخابات الرئاسية، يكشف لنا عن تردّد هذه المؤسّسة في انخراطها مباشرة في الحقل السياسي. وحسب رأينا فإنه قد يكون من الصواب أن يظهر هذا المسؤول الصراحة والحزم، بل والشدّة تجاه كافّة المؤسسات المسؤولة عن الانتخابات. ويتعيّن أن تدرك هذه الأخيرة أنّ المؤسّسة العسكرية موجودة والويل لمن يدوس على قوانين الجمهورية. إن الشعب يشكّ ويبقى متوجّسا من الجيش. ويعود إلى المؤسّسة العسكرية أن تكون أكثر إقناعا بحيادها وأكثر ردعا وشدّة تجاه المؤسسات المسؤولة عن تنظيم الانتخابات. كما يعود إلى المؤسّسة العسكرية أن تحذّر الجميع خلال ندوة صحفية تحضرها الصحافة الوطنية والعالمية وليس بواسطة بيان، لأنّ الأمر يتعلق بمصداقيتها إبّان هذه المرحلة من الشكوك ومن الجدال. وفي الوقت الذي يحتدم جدال مسيء للبلاد حول دور قوات الأمن في الجزائر، تشهد المنطقة الأورو-متوسطية والأورو-إفريقية تغيّرات جيوإستراتيجية مع نشوب نزاعات عند أبواب الجزائر. إن الأمن الأساسي للتنمية في الجزائر موضوع وينبغي أن يتجاوز صراعات الأشخاص حول توزيع الريع وأن يركّز فقط على المصالح العليا للبلاد، لأنّ التهديدات التي تواجه الشعوب ودولهم والتحديات الجماعية الموجّهة إليهم، ينبغي أن تدفع الجزائر إلى تبنّي سياسة دفاعية وسياسة خارجية وسياسة اجتماعية-اقتصادية شاملة لكي تواجه الرهانات الجديدة. في كلّ جهاز دولةٍ، يكون الجيش هو المؤسّسة التي تنتمي دراستها وفهمها بكلّ جدارة للتحليل الجيوسياسي، أي للمسعى الذي يسمح بفهم أفضل للمنافسات بين الدول على الأراضي. إنّ الدول في واقع الأمر تلجأ أساسا إلى جيوشها لكي تتنازل عن الأراضي أو تمارس هيمنتها خارج حدودها. أمّا بالنسبة للأمّة، فهي فكرة جيوسياسية بالأساس. وهذه الفكرة تتحوّل حسب التغيّرات الجيوسياسية، ونفس الشيء بالنسبة للعلاقات بين الجيش وبين الأمّة. إنّ الجزائر تجد نفسها محاطة من كلّ جانب وتعيش توتّرا جيوسياسيا كبيرا على حدودها، حيث تنمو حركات متشدّدة إسلاموية ومافيات المخدّرات والتهريب من كلّ نوعٍ، وهي حركات ترنو إلى فرض سيطرتها ومطامعها الجيوسياسية على كامل دول شمال إفريقيا وفي الساحل بالرضا أو بالقوّة. ويستتبع ذلك أن المغرب الكبير، وبصفة خاصّة الجزائر، سيجد نفسه في مواجهة مخاطر جسيمة. ومسائل الدفاع تطرح قطعيا بمصطلحات جديدة، حيث يتعلق الأمر بمحاربة شبكات إرهابية تتسلّل بمكر عبر حدودنا لتفجير بلداننا. إنّ تطوّر الوضع الأمني على حدودنا والوضع السائد في الداخل، قد يدفع بالجيش إلى التورّط أكثر في الانتخابات وأن يواجه وحده قوّة متشدّدة والمافيا السياسية-المالية وخاصّة الجيش المغربي الذي قد يبسط في أيّ وقت سيطرته على الجنوب وعلى الواجهة الغربية والجنوبية الغربية. وعندها ستكون الجزائر معرّضة أكثر للخطر، ولن تكون متيقّنة من أنها يمكن أن تعوّل على انسجامها الداخلي ولا على شركائها. ومع الأزمة الاقتصادية العالمية، فإن أيّ مساعدة لن تكون ممكنة، ولا ينبغي عندها سوى الاتكال على النفس. الخلاصة: واليوم، وأمام هذا الخطر الخارجي وهذا الموعد الحاسم بالنسبة لمستقبل الأمة، أي الرئاسيات، فإن الجيش يبقى رغما عنه الحكمَ الأخيرَ. الصّامتة الكبرى، كما يحلو لنا أن نصفها، وأمام الخطر الكبير الذي تواجهه الجزائر، لا يمكن أن تبقى من الآن صامتة، فهي التي ينبغي أن تحسم. لماذا؟ لكي تتجنّب أن تصاب بعدوى الغرغرينة التي تنخر دواليب الدولة. ينبغي أن يبقى الجيش فوق العراك وأن يفرض الخيار الوحيد الصحيح لبقاء الأمّة: طريق الديمقراطية وليس استمرار النظام الذي هو بصدد دفع البلاد إلى الخسران. إنّ الجيش هو الذي جاء بالرئيس بوتفليقة. واليوم وأمام تعنّته وتعنّت مجموعته ال''7'' في التشبّث بولاية رئاسية رابعة خلافا لكلّ حسّ سليم، فإنه يعود إلى الجيش أن يضمن بطريقة مباشرة السيرَ الحسن للانتخابات وأن يضمنَ شفافية وحيادَ كافّة المؤسسات قبل الانتخابات وخلالها وبعدها. على الجيش والشعب أن ينتصرا في هذا الموعد، والنصر للأفضل. للعلم تبدأ هذه المرحلة الانتقالية ما بعد 17 أفريل، في حال مرور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة بالقوة والتزوير. انتهى E-mail : [email protected]