نذر المواجهة بين الإسلاميين والعسكر تلوح في الأفق المصري! وموضوعات الخلاف هي نفسها التي كانت محل خلاف في التجربة الجزائرية قبل 20 سنة بين العسكر والفيس المحل.. خلافات حول قانون الانتخابات.. وخلافات حول الدستور وخلافات حول صلاحيات البرلمان والحكومة والرئاسة. أحد التوانسة قال لي: المصريون نقلوا عن تونس بنجاح ثورة الشباب عبر الفيسبوك.. ونقلوا أيضا عن التوانسة فكرة تحالف الجيش مع الشعب في الثورة للإطاحة برأس النظام! ولكن الجيش في مصر لم يلتزم بما التزم به الجيش في تونس عند بناء دولة ما بعد الثورة وقيادة المرحلة الانتقالية.. حيث نقل الجيش المصري بصورة شبه حرفية تجربة الجزائر في المرحلة الانتقالية (1992 1994) مع فارق عدم اللجوء للعنف في التجربة المصرية. حكومة الإنقاذ الوطني التي عينها الجيش المصري لقيادة مصر.. تشبه المجلس الأعلى للدولة في الجزائر سنة 1992 الذي له كل الصلاحيات في تسيير البلاد الإصلاحية مساءلة المؤسسة العسكرية وهو ما نقله المصريون عن الجزائريين بصورة شبه حرفية! ولم يحسنوا النقل لا عن تونس ولا عن الجزائر! حتى المجلس الاستشاري المصري هو نفسه الذي كان يشرع للمرحلة الانتقالية في الجزائر حتى التسمية في الجزائر كانت "المجلس الاستشاري"! ويتعجب المصريون من ظاهرة انتخاب مجلس شعب في مصر ثم تقوم المؤسسة العسكرية الممثلة في المجلس العسكري بإسناد مهمة التشريع أو جانب من هذه المهمة إلى مجلس استشاري معين من طرف قيادة الجيش ليحل محل النواب المنتخبين في وضع الدستور وسن قوانين المرحلة الانتقالية وحتى مراقبة أداء الحكومة! في تونس يجري الصراع السياسي بين الأجنحة الفائزة في الانتخابات التأسيسية حول موضوع تقاسم السلطة بين البرلمان والرئاسية والحكومة ويحتدم النقاش السياسي القانوني حول من له الحق في أن يكون حكما يلجأ إليه في اتخاذ القرارات ورسم السياسات الحاسمة. لكن في مصر يجري النقاش على مستوى آخر.. وهو أن الجيش المصري ينبغي أن يبقى هو المرجع الذي يرجع إليه في فض النزاعات بين المؤسسات الدستورية حين تصل الخلافات إلى حد الأزمة! ومعنى هذا الكلام أن الجيش في مصر يريد أن يكون بمثابة المؤسسة المالكة لمصر وليس الحاكمة لمصر.. أي يمارس الجيش المصري مبدأ الملكية الجماعية لمصر من طرف الجيش أي "رْوَا كوليكتيف"! وهو لون جديد من النظم السياسية لم يظهر في العالم.. وهي الملكية العسكرية وليست ملكية حكم العائلات كما هو حاصل في الملكيات العربية! المؤسف حقا هو أن الخلافات السياسية في البلدان الأخرى حين تحدث تلجأ الحكومات إلى الانتخابات لإنهاء هذه الخلافات.. لكن الانتخابات في الوطن العربي أصبحت حالة من حالات التأزم السياسي وليست وسيلة لحل سياسي لهذه الأزمات! ولهذا فإن الديمقراطية التي جاء بها الربيع العربي قد لا تنجح في العديد من البلدان لأن مبدأ سيادة الشعب وحقه في تعيين حكامه ما يزال يمارس بشروط في العديد من البلدان!