تتزايد المخاوف الفرنسية من احتمال فرض الولاياتالمتحدةالأمريكية غرامة مالية على أكبر البنوك الفرنسية وأكثرها صمودا في وجه الأزمة الاقتصادية التي تعصف بدول الاتحاد الأوروبي، فيما يبدو أن قضية بنك ”بي أن بي باريبا” في طريقها لأن تتحول إلى خلاف دبلوماسي بين فرنساوالولاياتالمتحدة. كشفت تصريحات الرسميين الفرنسيين، وفي مقدمتهم الرئيس فرانسوا هولاند، ومعه وزير خارجيته، لوران فابيوس، ووزير المالية، ميشال سابان، أن الخلفية الحقيقية لهذه القضية سياسية، مجمعين على ضرورة تدخل إدارة الرئيس باراك أوباما من أجل حث القضاء الأمريكي على إعادة النظر في الغرامة المحتمل فرضها على البنك الفرنسي، وما زاد من احتمالات تفاقم التوتر بين البلدين، الرد الذي قدمه باراك أوباما لنظيره الفرنسي على هامش الاحتفالات بذكرى انتصار الحلفاء على النازيين بقوله إنه ”على الرغم من تفهمه لمدى أهمية المسألة بالنسبة للفرنسيين، إلا أنه لا يمكنه التدخل في سير القضاء الأمريكي”. وتشير المعلومات المتعلقة بهذا الملف إلى أن التهم الموجهة للبنك الفرنسي متعلقة باستعمال بنك ”بي أن بي باريبا” الدولار الأمريكي في تعاملات مالية مع كل من إيران، السودان وكوبا ما بين سنوات 2001 إلى 2009، متجاهلين بذلك الحظر الأمريكي المفروض على هذه الدول والعقوبات الاقتصادية المسلطة من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتي تمنع بموجبها التعامل بالدولار الأمريكي، فيما يرى الخبراء الاقتصاديون أن البنك وضع في حساباته ميزانية خاصة لمواجهة مثل هذه العقوبات لإدراكه نتائج تجاوزه للحظر الأمريكي، غير أن الإشكال أن الميزانية المخصصة للغرامة بحسب تقديرات البنك الفرنسي لم تتجاوز المليارين على أقصى تقدير، في حين أن تقديرات الأوساط المالية الأمريكية، بحسب ما أوردته صحيفة ”الفاينانشال تايمز” تتراوح ما بين 10 إلى 16 مليار دولار. وعلى الرغم من أن هذه التقديرات تظل تقريبية في ظل غياب تقدير رسمي من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلا أن احتمال دفع البنك الفرنسي غرامة بالملايير هز الحكومة الفرنسية لإدراكها أن الأمر من شأنه إرباك الاقتصاد الفرنسي والميزانية العمومية، بالنظر لإمكانية حرمان الخزينة العمومية الفرنسية من عائدات ضرائب البنك، والتي تقدر عادة بحوالي مليارين خلال السنة، ما يشكل ضربة قاسية للرئيس فرانسوا هولاند الذي يراهن على تحسين مستوى الاقتصاد الفرنسي في ظل الأزمة الخانقة التي يعرفها. ويرى المراقبون أن أي انتكاسة مالية لأكبر بنك فرنسي تعني تراجع قدرته على توفير القروض، وبالتالي قدرته على المساهمة في بعث الاقتصاد في فرنسا، الأمر الذي يخشاه الرئيس الفرنسي الذي يحاول الضغط على إدارة البيت الأبيض الأمريكي من أجل تخفيف الغرامة، فيما تشير التقارير حول الموضوع أن مديري البنك يسعون خلال مفاوضاتهم مع الأمريكيين لتقليص الغرامة في حدود ثلاثة مليار، وتجنب المزيد من التعقيدات في الملف الذي أوشك أن يتحول من أزمة اقتصادية إلى أزمة دبلوماسية، يتهم فيها الفرنسيون حلفاءهم الأمريكيين بمحاولة تقديم العبرة لكل من يحاول تجاوز الحظر الأمريكي على حساب الاقتصاد الفرنسي، ما دفعهم للتهديد بإمكانية عرقلة المفاوضات بشأن اتفاقية مستقبلية للتبادل الحر بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي.