الأحاديث النّبويّة في الصّبر كثيرة؛ عن خباب بن الأرث رضي اللّه عنه قال في حديث أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي: “شكوْنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو متوسّد بُردَة في ظلّ الكعبة، فقلنا: ألَا تنتصر لنا؟ ألَا تدعو لنا؟ فقال: “قد كان من قبلكم يُؤْخَذ الرّجل فيحفر له في الأرض، فيَجعل فيها، ثمّ يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصدُّه ذلك عن دينه، واللّه لَيُتِمَنَّ اللّه تعالى هذا الأمر حتّى يَسيرَ الرَّاكِب مِن صنعاء إلى حضرموت فلا يَخاف إلّا اللّه والذِّئب على غنمه، ولكنّكم تَستعجلون”. وفي حديث أخرجه الشّيخان عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: “كأني أنظُر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يَحكي نبيًّا من الأنبياء عليهم السّلام: “ضربه قومه فأدموه وهو يَمسح الدم عن وجهه وهو يقول: “اللّهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون”، وروى الترمذي عن يحي بن وثاب عن شيخ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “المسلم الّذي يُخالط النّاس ويَصبر على آذاهم خيرٌ من الّذي لا يُخالطهم ولا يَصبر على آذاهم”. ولابدّ من تربية النّفوس بالبَلاء، ومن امتحان التّصميم على معركة الحقّ بالمَخاوف والشّدائد وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثّمرات. لابدّ من هذا البلاء ليؤدّي المؤمنون تكاليف العقيدة كي تعزّ على نفوسهم بمِقدار ما أدّو في سبيلها من تكاليف. والعقائد الرّخيصة الّتي لا يؤدّي أصحابها تكاليفها لا يعزّ عليهم التخلّي عنها عند الصّدمة الأولى. فالتّكاليف هنا هي الثّمن النّفسي الّذي تعزّ به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعزّ في نفوس الآخرين. وكلّما تألّموا في سبيلها وكلّما بذلوا من أجلها، كانت أعزّ عليهم وكانوا أضنّ بها. كذلك ولا يدرك الآخرون قيمتها إلّا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها.. إنّهم عندئذ سيقولون في أنفسهم: “لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرًا ممّا يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء ولا صبروا عليه”.. وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها، مقدّرين لها، مندفعين إليها، وعندئذ يجيء نصر اللّه والفتح ويدخل النّاس في دين اللّه أفواجًا ولابدّ من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويَقوى. فالشّدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطّاقة، وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلّا تحت مطارق الشّدائد.