استنكر الدكتور موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية الإسلامية حماس، تقاعس الموقف العربي حيال العدوان الصهيوني الجبان الذي ضرب غزة طوال 29 يوما، وأكد أنه لم يعد العدو الصهيوني يملك أن يفرض على غزة وضعا معينا، وأنه على المجتمع الدولي الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني سواء في معركة الإعمار أو التخلص من الحصار، بعد انكشاف جرائم العدو الإرهابية، كما تحدث القيادي في حماس عن نقاط ومحاور عدة تخص الشأن العربي والفلسطيني تحديدا، تابعوه في هذا الحوار... مفاوضات غير مباشرة بدأها الجانب الفلسطيني مع الوسيط المصري، في اعتقادك هل سيوافق الصهاينة على شروط المقاومة؟ لا أعلم ما الذي دار أو سيدور في المباحثات غير المباشرة التي يديرها الجانب المصري، ولكن قطعا المقاومة لديها مطالب، وهذه المطالب دفع الشعب الفلسطيني الدم في قطاع غزة، في سبيل تحقيقها، وتم تدمير أكثر من 20 ٪ من بيوت ومساكن القطاع، ولابد أن يدفع الاحتلال ثمن هذه المجزرة التي قام بها، والشعب الفلسطيني لن يرضى بأقل من رفع الحصار، ودفع الثمن لهذا العدوان. في حال رفض الجانب الإسرائيلي رفع الحصار نهائيا عن القطاع بعد انقضاء فترة الهدنة، كيف سيكون الحال في نظركم؟ لكل حادث حديث وخياراتنا مفتوحة ولن يستطيع العدو أن يفرض علينا وضعا معينا مهما كانت الظروف، كما أن المجتمع الدولي في الوقت الحاضر بعد الذي حصل وانكشاف الحقيقة، لا يمكنه إلا أن يكون إلى جانب الشعب الفلسطيني، سواء في معركة الإعمار أو في معركة التخلص من الحصار. ما هي الإستراتيجية الجديدة التي تم اعتمادها لتحقيق هذا الانتصار التاريخي؟ لا شك أن الاحتلال فوجئ بمقدرة وقوة كتائب القسام، خاصة المعركة الأرضية، ما جعله يتكبد خسائر عديدة، وإن لم تكن لدينا المقدرة على مواجهة القصف الجوي والطائرات التي ضربتنا، لكن عندما دخل الاحتلال بقواته البرية كان هناك رجال مشتاقون لهذه العملية، ما صنع ملحمة حقيقية وبطولية تحسب للقسام في هذا الوقت، وبالتأكيد أظهر كفاءة قتالية ومقدرة عالية وخططا عسكرية من طراز فريد، بحيث أنه أوقع المئات من القتلى والجرحى في صفوف العدو الصهيوني، ما جعله يفرض ويطالب أكثر من مرة بوقف إطلاق النار، وحينما تم وقف إطلاق النار كان هناك شرط ساحق، أن تنسحب القوات التي توغلت وقد انسحبت فعلا قبل قدوم الوفد الإسرائيلي إلى القاهرة. ألا تعتقد أن انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية راجع إلى تخوفها من سقوط المزيد من القتلى في صفوفها؟ المعروف عسكريا إذا تمركز الاحتلال في منطقة معينة، ولا يستطيع التحرك بسبب شروط هدنة ما، تصبح أهداف وشروط المقاومة من السهل تطبيقها والتعامل معها، وبالتالي سيخسرون الكثير إن فعلوا العكس، ولهذا قرروا سحب قواتهم قبل أن يتم إعلان وقف إطلاق النار. طالب الكيان الصهيوني في الفترة الماضية بإعادة غزة تحت إدارة أبو مازن، ما تعليقكم؟ نحن عندنا الآن حكومة توافق وطني، والسلطة الفلسطينية هي التي كانت قبل حكومة التوافق الوطني، وحماس عندما جاءت بالانتخاب كانت تمثل السلطة الوطنية طوال هذا الوقت، ولم تشطب كلمة السلطة الوطنية ولم نغيبها عن واقعنا المعاش في إدارة قطاع غزة، لكن حينما تم التوافق الوطني على حكومة، هذه الحكومة هي التي تمثل الآن الإدارة في قطاع غزةوالضفة الغربية. بعدها تراجعت إسرائيل عن مطلبها وطلبت أن تكون غزة تحت إدارة الأممالمتحدة، كيف ترون ذلك؟ هذا كلام لا أحد يستمع له، لأن غزة قادرة على إدارة نفسها، نحن نطالب بتحرير بلدنا وإخراج الاحتلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة، ونحن نستطيع أن ندير شؤوننا تماما ونحقق مطالب شعبنا، سواء أكان بالدولة أو بغيرها. وكيف استقبلتم خبر عزم الخارجية الفلسطينية التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، هل سيتم تفعيل هذه الخطوة ومحاكمة إسرائيل على جرائمها؟ هذا ما نرجوه.. وإن كان البعض يتذرع بأنه إذا ذهبت السلطة الوطنية إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن حماس سيطالها شيء من هذا، لكن أعتقد أن هذا سخف، لأن تقرير غولدستون على سبيل المثال، أدان فيه حماس في جزئية واحدة في كل الحرب، حينما أطلقت صورايخ مساحية، في حين لم يشر إلى الصواريخ الحديثة التي تصنعها أمريكا وتعطيها لبعض الدول كإسرائيل، وتعتبر هذه الصواريخ سلاحا ذكيا وموجها، وهذا السلاح الأمريكي الموجه لا يملكه إلا قليل من الدول، وإسرائيل واحدة منها وقتلت به النساء والأطفال والمدنيين، وقصفت به مدارس ومستشفيات ومساجد، ودمرت به محطات كهرباء واتصالات، وبالتالي إسرائيل دمرت الحياة المدنية وعاثت في الأرض فسادا، ويجب أن تقدم إلى محكمة الجنايات الدولية، أما من أطلق الصاروخ دفاعا عن نفسه، وهذا الصاروخ لم يقتل أحدا، في مقابل كل قتلانا كانوا مدنيين، وكل قتلاهم كانوا عسكريين، إلا القليل من هنا وهناك، لكن في النهاية واضح جدا أن الذين تم قتلهم من الإسرائيليين 100٪ عسكريون، أما من قتل من الفلسطينيين فأكثر من 90٪ منهم مدنيون. لكن أمريكا بررت العمليات الإرهابية وقالت إن إسرائيل بصدد الدفاع عن نفسها ومحاربة جماعة إرهابية؟ أمريكا شريك في قتل الفلسطينيين، والسلاح الذي يقتل به الفلسطينيون سلاح أمريكي، وبالتالي هم شركاء في قتلنا، وأي تبرير لقتل الفلسطينيين غير مقبول بالمطلق، ويجب أن يعلم الجميع أن أمريكا رأيها السياسي مصادر، كما أنها صادرت أيضا في هذا الإطار رأي بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، وأصبح وكأنه ممثل للخارجية الأمريكية، وصرح بأن حماس لديها أسير حسب دعاية نتنياهو، وبالتالي عليها أن تسلم هذا الجندي، ونسي أن هناك آلاف الأسرى الفلسطينيين ونسوا أن هؤلاء معتدون، وأن حماس حتى وإن أسرته، أسرته داخل قطاع غزة، ولم تأسره عند الكيان الصهيوني، وبالتالي الانحياز كان انحيازا أعمى ولم يدققوا حتى في الخبر، بل أخذوه من الداخل الإسرائيلي وأذاعوه، وهذا عين الظلم والانحياز، وبالتالي أعتقد أن دولة بحجم الولاياتالمتحدةالأمريكية ومسؤولياتها الدولية، يجب أن تصحح هذا المسار وألا تجعل حفنة من الصهاينة واليهود يتحكمون في قرارها، لأنه بالتالي لن يكون العالم في استقرار إذا كانت القوة العظمى فيه بهذا الشكل من الانحطاط والعزف والجور، خاصة في حق الشعب الفلسطيني. وماذا عن الموقف المصري الذي بدا فيه نوع من التراجع بعد موافقة القاهرة على إدخال مطالب الفصائل الفلسطينية على بنود مبادرتها؟ على كل حال الموقف والدور المصري لم يكن أحد يستطيع أن يغفل عنه، مصر دورها محوري من القضية الفلسطينية، وهي الدولة الوحيدة المطلة على قطاع غزة، والمشرق والمغرب العربي يعلم تماما بأنها القوة الأكثر فاعلية في العالم العربي وتقوده، وتاريخيا صد الجيش المصري كل الغزوات على المشرق العربي، ونحن نأمل خيرا وتغيرا في السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية، ونحن لا نرضى أن يكون مصري حيادي تجاه القضية الفلسطينية، وإن كانوا يشنون الكثير من الكلام على حماس، لكننا نراهن على المستقبل، ونراهن على أن هذه اللحظة سيتم تجاوزها وسيعلمون تماما بأن حماس حركة مقاومة وطنية فلسطينية، حركة تدافع عن شعبها وتضحي من أجل أمتها، حركة وفية لكل حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، وها هي اليوم تثبت للمرة الثالثة، وفي حروب متواصلة منذ 2006 وحتى اللحظة، حرب شاليط 2006، وحربي 2008 و2012، والآن هناك حرب جديدة استمرت ما يقارب 29 يوما، وثبت فيها دور المقاومة والمقاومين، وبلا شك هذا ينعكس على السياسة، وبات هناك وفد فلسطيني موحد يحمل القضية الفلسطينية كلها، وحماس جزء منه، وهي لا تقاتل من أجل نفسها، وإنما من أجل حقوق الشعب الفلسطيني الذي تجاوز الكثير من النقاط التي تم التقيد بها مبكرا في المبادرة الفلسطينية إلى أن تكون المبادرة دعوة ليست إلا لمقابلة ولقاء الفلسطينيين والتباحث غير المباشر مع الكيان الصهيوني... وهناك الكثير من التهم التي ألصقت بالحركة ظلما وبهتانا وزيفا، ولا شك أن هذا الذي يجري لا يستهدف الحركة كحركة، وإنما يستهدف القضية الفلسطينية، ولذلك نحن نرجو أن يتم تعديل الصورة وتغيير المسار، لأن هذا فعلا يؤدي إلى حالة من القطيعة بين الشعب الفلسطيني والشعب المصري، ويؤدي إلى إعادة القضية الفلسطينية، والمعروف أن هذا الكلام يضر بمصر قبل أن يضر بفلسطين. وهل فعلا طالبتم أثناء محادثاتكم مع الوسيط المصري بضمانات من المجتمع الدولي حتى لا يتكرر العدوان على غزة؟ لا، لم نطلب حتى اللحظة ضمانات من أي جهة، وإن كان هذا الموضوع مطروحا على طاولة بحث الوفد الفلسطيني وفصائل المقاومة الفلسطينية مجملة، لأنه لابد من ضمانات لعدم تكرار هذا العدوان، أنا في اعتقادي لا يمكن أن نحصل على ضمان من إسرائيل إلا بالقوة، فهؤلاء الناس لا يفهمون سوى لغة القوة، ولم يأخذوا كتابهم المقدس ”التوراة” المنزل على موسى من الله، إلا بالقوة، حينما رفع الله سبحانه وتعالى الجبل من فوقهم وهددهم بفنائهم بسقوط الجبل، هؤلاء لا يفهمون إلا بلغة القوة، كما أنهم لم يلتزموا بالضمانات المصرية فيما يتعلق بصفقة شاليط وتهدئة 2012، ولم تفعل مصر شيئا في هذا الموقف، والضمانات الأمريكية في كل التفاهمات الفلسطينية الإسرائيلية التي قام بها أبو مازن لم تضمن شيئا تجاه الإسرائيليين، وبالتالي هذه الضمانات مجرد قول، والضمانة الوحيدة أن تكون لدينا القوة التي نستطيع بها صد العدوان وتلقينه درسا حتى لا يتكرر. كان هناك تصريح استوقفني وأنا أتابع تطورات الأحداث في غزة، لداعش والنصرة، حينما قالوا إن عقيدتهم في القتال تمنعهم من محاربة الكيان الصهيوني، في حين أنهم يحاربون المسلمين في سوريا وغيرها، ما ردكم؟ هذا انحراف في الفهم أن يجيز محاربة المسلم وقتله ولا يجيز له الدفاع عن المظلومين وقتال الظالم، هذا سوء في التقدير وعدم وعي سياسي باللحظة الراهنة، على كل حال هذا ليس مجالا للحديث، لأن أهل غزة وناسها ناشدوا العالم كله لمساعدتهم في هذه المعركة، والوقوف بجوارهم، ولم يستجب أحد حتى المتواجد أقصر مسافة عن داعش، من الذي استجاب للمظلومين والمذبوحين في قطاع غزة المدمرة مساكنهم؟!!، لم يستجب أحد لنداءاتهم ولا صرخاتهم لا من قريب ولا من بعيد، وبالتالي نحن لا نريد أن نلقي اللوم على داعش، لأن المسألة أوسع من داعش، المسألة مستقبل أمة والتفاتة بعيدة عن هذا الواقع، والقطاع سيحدد مستقبله بنفسه، وغير ذلك كلام فيه الكثير من الغفلة التي يجب أن يعيها المسلمون، ويجب أن يقف إلى جوار نضال هؤلاء كل العرب والمسلمين، فإسرائيل خطر على كل الدول ولا يستثنى من ذلك أحد، نحن نقوم بصد هذا الخطر عن الأمة بأكملها، لذلك أنا أقول إن نداءات الاستغاثة ليس فقط داعش من وقف ضدها، ولكن الكثير من الناس سمعوها وسكتوا ولم يناصروا إخوانهم في غزة، وإطلاق اليد اليهودية بهذا الشكل سيجعلهم أكثر شراسة وغرورا وعداوة، بأن ينالوا من كل من يخالفونه، وأن يستهدفوا كل من يعارضهم، وقد يتمكنوا من فعل هذا اليوم، لكن غدا لن يرضوا إلا بالانحياز إليهم، وهذا بدأ اليوم حينما وقف نتانياهو وهو يتبجح ويقول: لقد نجحنا في تشكيل حلف ضد حركة حماس، أي حلف شرق أوسطي الذي كونه نتانياهو يقود حربا ضد حركة حماس، لكن على كل حال الحمد لله كان هناك رجال تصدوا لغزوات نتانياهو الجبانة، ودحروا جيش الظلام هذا، ولم يتبق جندي واحد على أرض قطاع غزة، وفشل في أن يزعزع حماس ولم ينجح أيضا في أن يؤثر على قدرات القسام ورجالاتها، الحمد لله على ذلك كثيرا، وشعبنا مهما ضحى وقدم سيبقى داعما لهذه المقاومة ومحتضنا لها، ونحن إن شاء الله سنعيد كل ما تم تدميره، وستكون غزة بإذن الله بالنصر أجمل. وما سبب هذا الصمت العربي في تصورك؟ @ هذا الذي نتج لأن العالم العربي كله مشغول بنفسه، والانقسامات على أشدها في معظم الدول العربية، بسبب غياب الاستقرار في الكثير من البلاد، وغياب التوافق الوطني وتحديد البوصلة الصحيحة التي يسيرون عليها، هذا جعل الخلافات بين الناس وبؤس العرب بينهم، وبالتالي تقاعسوا كدول وحكومات عن نصرة إخوانهم في غزة، لكن أعتقد أننا نمر بظروف استثنائية ستتجاوزها شعوبنا. وماذا عن موقف الجزائر؟ نحن دائما نعترف ونقول إن الجزائريين حينما يتكلمون عن القضية الفلسطينية لازال أبطال معارك التحرير بينهم، يزودونهم بذلك النبض الدافق والحب للحرية والاستقلال والعزة والكرامة والانتماء، وبالتالي تأييد الجزائريين دائما له طعم خاص في الوقوف إلى جوار إخوانهم، ولذلك نرى أن هناك حالة من العشق الحقيقي بين قطاع غزة والشعب الفلسطينيوالجزائريين، واسم فلسطين له رونق آخر في الجزائر، ولكن هذا الرونق تجده في قطاع غزة له شكل آخر وأجمل، ونحن دائما نطمع الكثير من الجزائر، ونطمع أيضا أن تقف الجزائر إلى جوارنا في المستقبل، بعدما تم ضرب وقصف غزة في كل شيء، في الكهرباء وشبكة المياه والاتصالات ودمرت مساجدها ومدارسها وبيوت أهلها، غزة في الحقيقة ضربها زلزال كالزلزال الذي ضرب الجزائر في الثمانينات و2003، لكن زلزال غزة جاء بطعم الصهاينة والأمريكان للأسف الشديد، لكن أملنا في الإخوة الجزائريين والأمة يبقى كبيرا. ما هي الرسالة التي توجهها إلى المجتمع الدولي وإسرائيل تحديدا التي باتت تخاف من رد فعل المقاومة الباسلة؟ في اعتقادي اليوم إسرائيل باتت تدرك جيدا أنه لم يعد لديها القدرة على إخراجنا من أرضنا ولا هزيمتنا في المعارك، هذه مرحلة وقد مضت، ولم تعد قائمة اليوم، وقد أنصفنا أنفسنا بمقدرات شعبنا القليلة وصمودنا الأسطوري في قطاع غزة، وقررنا أنه لا هجرة ولا انكسار بعد اليوم، فغدا إن شاء الله لن نتوقف عند هذا الصمود وسنتجاوز الحدود، وبلا شك أن معاركنا المستقبلية ستكون مبشرات خير. أما المجتمع الدولي.. أنا أعتقد أنه مهما بذل في أن يغمض عينيه ويسقط صوته للوقوف إلى جوار المظلومين، أعتقد أن هذه المرحلة تشكل عارا كبيرا على هؤلاء الناس الذين لم يتجاوبوا مع صرخات المظلومين، إما أن يقصفونا من بعد، فيقتلون النساء والأطفال ثم العالم كله يسكت، أنا أعتقد أن هذا إدانة للعالم ووصمة عار في جبين البشرية التي هي قاعدة تتوحد من أجل إنسانيتها، واليوم يغيب هذا التوحد في سبيل إنسانيتها في قطاع غزة، وعلى العالم أن يستيقظ الآن، وتستيقظ فيه إنسانيته من جديد في غزة.