أكد السيد موسى أبو مرزوق، الرجل الثاني في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن انتصار حزب الله في لبنان هو انتصار للمقاومة الفلسطينية. وأوضح في حوار خص به "الشروق اليومي " أن المشروع الأمريكي الإسرائيلي في الشرق الأوسط سجل فشله في جنوب لبنان وأن مصير المنطقة سيتحدد مستقبلا بإرادة أبنائها وشعوبها. وتحدث نائب رئيس المكتب السياسي لحماس في الحوار ذاته عن الحركية التي تشهدها الساحة السياسية الفلسطينية، وشدد على أهمية توافق الفصائل الفلسطينية حول حكومة وحدة وطنية ولكن بشرط أن تضغط السلطة الفلسطينية من أجل الإفراج عن الوزراء والنواب المعتقلين لدى إسرائيل .. حاورته: ليلى لعلالي * الشروق اليومي: في أي إطار تدخل زيارتكم إلى الجزائر، وهل استقبلتم من طرف المسؤولين الرسميين ؟ - موسى أبو مرزوق: جئت إلى الجزائر بدعوة من حركة مجتمع السلم لحضور مؤتمرها السنوي للجامعة الصيفية. والجزائر بلد عظيم وليس هناك من حواجز تفصل بين هذا البلد وأبناء فلسطين بدليل أن فلسطين مغروسة في قلب كل جزائري وبالتالي نحن نعتقد أن هذه الزيارة طبيعية وليس هناك ما يثار حولها. وبالنسبة للشطر الثاني من السؤال، فأنا هنا ليوم واحد (الحوار أجري يوم الخميس)، وهي زيارة شعبية في طابعها، ولكن ليس هناك ما يمنع من لقاء المسؤولين وقد طلبنا لقاء السيد رئيس الوزراء عبد العزيز بلخادم وإن شاء الله سنلتقي به. ماذا يمكن أن تقدم الجزائر لكم؟ أنت تعلمين تماما أن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب، والجزائر حاضنة في السابق وفي اللاحق للقضية الفلسطينية بشكل أساسي، وهي أول دولة عربية احتضنت حركة التحرير الوطني الفلسطينية، ونحن نعتقد أن الجزائر لها دور كبير في مساعدة القضية الفلسطينية مع بقية الدول العربية لأن عمقنا العربي والإسلامي هو الذي يجب أن يدعمنا سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا.. * ما هي قراءة حركة حماس لتداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان، على مستوى منطقة الشرق الأوسط عموما وعلى القضية الفلسطينية خصوصا؟ العدوان الإسرائيلي على لبنان ليس شيئا جديدا؛ فإسرائيل في المنطقة وقد اعتدت وما تزال على الشعب الفلسطيني وحتى اللحظة خاضت إسرائيل ست حروب شاملة في أقل من خمسين سنة، وبالتالي ما يحدث الآن هو استمرار في العدوان على شعوب المنطقة. ولكن الأخير يختلف عن سابقيه، باعتبار أن إسرائيل كانت أداة بيد الولاياتالمتحدة في العدوان الأخير. وكانت دولة قامت بالعدوان من أجل إعادة ترتيب المنطقة. الولاياتالمتحدة أرادت من خلال بوابة حزب الله والعدوان على لبنان أن تعيد ترتيب منطقة الشرق الأوسط وقد حاولت من قبل تحقيق ذلك تحت اسم الشرق الأوسط الكبير وإن كان العنوان الحالي هو الشرق الأوسط الجديد بالمحتوى نفسه والعنوان نفسه، حيث تريد إدماج إسرائيل في المنطقة وجعلها في الريادة فيما يتعلق بالمجال الأمني والعسكري والاقتصادي وتطبيع العلاقات معها وإنشاء من الأحلاف ما تراه مناسبا لسياستها. وإسرائيل التي لم تستطع الانتصار في أرض المعركة على حزب الله لا تستطيع أن تفرض هيمنتها على دول المنطقة. والولاياتالمتحدة التي أعطت لإسرائيل الفرصة الكاملة 33 يوما من حرب مدمرة على الشعب اللبناني لم تستطع أن تهزم حزب الله فهي إذن غير مؤهلة لترتيب أوضاع منطقة بكاملها. ويمكن القول أن الحرب الأخيرة على المستوى الاستراتيجي كانت هزيمة للولايات المتحدة وهزيمة لإسرائيل بكل معنى الكلمة. وها هي المقاومة باتت هي الأداة عند مجموع الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية أكثر ثقة بنصر قادم ومعزز بهذه التجربة الكبيرة، بحيث أن إسرائيل التي هزمت جيوشا ودولا عربية لم تستطع أن تنتصر على قوة شعبية مقاومة في لبنان. وهذا يعزز من قدرة المقاومة في فلسطين على إحداث تطور حقيقي واستراتيجي في المنطقة، وبالتالي فهذا النصر هو نصر للأمة وللشعب الفلسطيني ونصر للبنان وإسرائيل في هزيمتها الاستراتيجية أصبحت أقل ثقة في حروب مستقبلية.. * ولكن هناك محاولات أمريكية وأوروبية وإسرائيلية للضغط على المقاومة ونزع سلاح حزب الله بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701 ؟ الذي خاض حربا من أجل نزع سلاح حزب الله وفشل بالقوة في أن ينزع هذا السلاح هو أضعف من أن يحقق هذا الهدف بقرار دولي أو إقليمي. والذي لم يستطع أن يزيح حزب الله من منطقة جنوب لبنان هو أعجز من أن يزيح حزب الله من المنطقة. وأيضا هذه الأطروحات غير معقولة من الناحية العملية، لان رجال حزب الله هم بين أهلهم وفي قراهم ومدنهم ولم يستوردوا من أوروبا أو من غيرها ليكونوا في هذه المنطقة، ولذلك لا يعقل على الإطلاق أن يجبر أي قرار دولي، هؤلاء على الخروج من قراهم إلى ما بعد الليطاني. أعتقد أن هذا الأمر هو ضرب من الخيال .. * ما هي استراتيجية حماس للتعامل مع إسرائيل في ضوء الاعتقالات التي تستهدف وزراء ونواب الحكومة؟ استراتيجية حماس واضحة وهي مقاومة الاحتلال حتى تحقيق الحق الفلسطيني وفي برنامجها الذي قدمته للشعب الفلسطيني في جانفي الماضي ركزت على ثوابتها المتمثلة في: إقامة دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة ومحاولة دعم صمود الشعب الفلسطيني وتثبيت خياره في مقاومة الاحتلال. وهي مستمرة على هذا النحو على الرغم من إدارتها للشأن الفلسطيني. وبالنسبة للاعتقالات، فالشعب الفلسطيني كله معتقل والوزراء والنواب لم يكن باستطاعتهم التحرك قبل الاعتقال لانهم مقيدون والحكومة في النهاية لا تتمتع بالسيادة والاستقلالية لأنها تحت الاحتلال. الوزراء والنواب اختُطِفوا برغم تمتعهم بالحصانة ولذلك نحن نطالب بالإفراج عنهم. وإن بقوا في السجون، فأنت تعلمين أن الرئيس الراحل ياسر عرفات بقي معتقلا في المقاطعة لأكثر من ثلاث سنوات ولم يخرج منها إلا شهيدا، وبالتالي لب القضية أننا نقاوم ونجاهد لنيل حريتنا بكل الوسائل والأشكال.. * هناك أسير إسرائيلي لدى المقاومة الفلسطينية، وهناك وزراء ونواب من حماس معتقلون لدى إسرائيل. هل يمكن أن تكون هناك صفقة بهذا الخصوص؟ الجندي الإسرائيلي أسر من داخل دبابة وهو يطلق النار في معركة بين المقاومة والعدو، واولئك اختُطِفوا من بيوتهم وهم يحملون حصانة سياسية ودبلوماسية بضمانة المجتمع الدولي وفق الاتفاقيات المتعلقة بالسلطة الفلسطينية وبالتالي لن يكون الوزراء والنواب داخل أي صفقة متعلقة بالجندي الإسرائيلي. نحن نطالب في مقابل الجندي الإسرائيلي الإفراج عن الأسرى الموجودين في السجون الإسرائيلية وقد قدمنا طلبنا للاحتلال ولكنه ما يزال يماطل.. * هل هناك تحرك عربي للإفراج عن وزراء ونواب الحكومة الفلسطينية ؟ في الواقع الدول العربية سلمت منذ فترة طويلة أوراقها للولايات المتحدة بما فيها أوراق القضية الفلسطينية، وأمريكا لم تبذل أي جهد لحل القضية بل بالعكس يتم حصار الشعب الفلسطيني بقرار أمريكي. ولذلك أقول حاولنا كثيرا بكل الطرق سواء عبر التفاهمات والاتفاقات أو عبر وقف إطلاق النار والهدنة التي اخترقتها إسرائيل عدة مرات، ولكن إسرائيل لم تفرج عن أسرانا الموجودين في سجونها، ولذلك لا يمكن الإفراج عن هؤلاء الأسرى إلا بوسيلة مشابهة لتلك التي قام بها أبطال المقاومة ووسائلنا لن تكون إلا بالمقاومة .. * يدور النقاش حاليا في الساحة السياسية الفلسطينية حول حكومة وحدة وطنية، لماذا هذه الحكومة الآن؟ هناك اتفاق وطني توافقت حوله الفصائل الفلسطينية ووقعته. واعتقد أن رؤية حماس منذ البداية كانت حكومة وفاق وطني وفتحت منذ اللحظة الأولى حوارا مع مختلف الكتل داخل المجلس التشريعي والأحزاب السياسية الموجودة لتشكيل حكومة ائتلاف وطني، ولكن كان يعتقد أن حكومة حماس لن تستمر سوى شهر أو شهرين على اقل تقدير ثم بعد ذلك سينقلب الوضع ولهذا لن يركبوا في مركبا غارقا، وبالتالي لم يدخل أي طرف في هذه الحكومة وكانت الذرائع متعددة والأسباب متنوعة، وحينما زادت شعبية حماس ولم يغرق هذا المركب رغم استمرار الحصار. وزادت في الوقت نفسه معاناة الشعب الفلسطيني ووجهت أصابع الاتهام بالتقصير أيضا إلى حركة فتح وغيرها، وبالتالي كان لا بد من حراك في الساحة الوطنية الفلسطينية وهو الذي نتجت عنه وثيقة الوفاق الوطني بروحها الموضوعية التي كانت مرافقة لجولة الحوارات السابقة. وفيها حماس هي صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي ستدير بنفسها موضوع التشكيل الحكومي. وشكلت لجنة لهذا الآمر. وبالتالي رئاسة الوزارة هي من الكتلة النيابية الرئيسية في المجلس التشريعي وتقسيم الوزارات السيادية أو غيرها هو خاضع للتوافقات والحوارات بين الفصائل. ونحن نرجو أن يتم الخروج من هذه التوافقات بحكومة تجمع عليها كل الكتل البرلمانية ثم نخوض جميعا معركة فك الحصار ورفعه ولملمة الشأن الفلسطيني. * ما هي شروط حماس لتشكيل مثل هذه الحكومة؟ شروط حماس التي حددها رئيس الوزراء بالتأكيد بعضها ليست له علاقة بفتح، ولكن فتح بما لديها من علاقات وخاصة من موقعها في السلطة الفلسطينية تستطيع أن تمارس الضغط خاصة في الإفراج عن الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي لانه ليس من المعقول لا سياسيا ولا أخلاقيا أن تتغير الوزارة بوجود هذا العدد الكبير من الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي داخل السجون الإسرائيلية، وعليه لا بد من إخراج هؤلاء حتى يكون هناك تحييد للقرار الإسرائيلي عن الشأن الفلسطيني وعن تشكيلة الحكومة الفلسطينية، والأمر الثاني حتى لا تتكرر مثل هذه المسألة، وتقوم إسرائيل باعتقال وزراء لا يعجبونها. فهذا المطلب هو المطلب الأخلاقي الذي يجب أن تطالب به فتح.. * فتح جددت مطالبتها لحماس الاعتراف بإسرائيل، ما هو موقفكم ؟ اعتقد انه لا يمكن لأي فصيل فلسطينيي أن يضع نفسه في موقع إسرائيل ليطلب الاعتراف بها. نعم نحن سمعنا أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل والغرب عموما مطالب بثلاثة شروط لفك الحصار عن الفلسطينيين وهي: الاعتراف بإسرائيل والموافقة على التعهدات السابقة ووقف أعمال المقاومة تحت عنوان نبذ العنف، ولكن آنا اعتقد انه ليس من العدالة أن يحمل أي فصيل فلسطيني هذه الشروط الإسرائيلية. * هناك محاولات أمريكية وأوروبية لعزل سوريا عن خط المقاومة في الوطن العربي والإسلامي، ما احتمال نجاح هذه المساعي في رأيكم ؟ قبل حرب جنوب لبنان كانت هناك أحاديث كثيرة عن عزل سوريا عن إيران. وبدأ الحديث أولا في محور إيران، سوريا، حزب الله وحماس، ولا بد من ضرب حزب الله لتقليم أظافر وبعثرة أوراق إيران، عزل سوريا وجذبها إلى المحور العربي، وعزل حماس في الداخل والخارج، وكانت البوابة حرب جنوب لبنان. لكن تبين أن من ينتمون للمقاومة ليس فقط هذه القوة التي ذكرت وإنما الأمة الإسلامية كلها بشعوب وهيئات وأحزاب .. وقفت كلها وراء حزب الله بعدما انتصر على إسرائيل. لقد خرجت سوريا بانتصار حزب الله منتصرة ومستفيدة استفادة كبيرة من نتائج العدوان على لبنان. * هل تعتبرون أن انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان هو انتصار للحركات الإسلامية في الوطن العربي؟ الإسلام ليس هو الحركات الإسلامية وأنا اعتقد أن الأمة كلها في المنطقة هي أمة مسلمة، ولأي باحث ممعن النظر في حركة المجتمعات العربية والإسلامية أن يجد أن الإسلام يتقدم رغم كل هذه الحرب الضروس على الإسلام السياسي أو الحركات الإسلامية أو على أي تجمعات إسلامية، ولكن في النهاية هذه شعوب مسلمة وحركتها في اتجاه الإسلام شيء طبيعي. واعتقد أن المقاومة في المنطقة كون ان الحركات الإسلامية هي التي تقودها سواء في لبنان أو العراق أو في فلسطين تثبت كل يوم أن منطلقاتها وانتماءاتها صحيحة .. * كيف ترون ملامح المرحلة القادمة في المنطقة؟ في اعتقادي الوضع المستقبلي هو لصالح الأمة الموجودة والمغروسة في المنطقة، مصالحها هي التي يجب أن تأخذ في الاعتبار، وفي اعتقادي أن ما يسمى الشرق الأوسط الجديد سيكون بإرادة أبنائه وليس بإرادة الغير .. شرق أوسط"العزة والكرامة مليء بمزيد من الكره والبغض للولايات المتحدة بسبب أن حجم القتل والدمار الذي لحق بأطفالنا في كل مكان يتم بسلاح أمريكي.. شعوبا أصبحت أكثر وعيا من الماضي وأكثر حرصا من الماضي، وبالتالي أنا أعتقد أن المستقبل سيكون لشعوب المنطقة ولن يكون للأجنبي مكان في المستقبل، ونحن كشعب فلسطيني أصبحنا أكثر قناعة بأنه لا مستقبل للكيان الصهيوني على أرض فلسطين، الذي لم يستطع أن يصنع الأمن مع جيرانه ومع الشعب الفلسطيني لا يمكن على الإطلاق أن يكون له مستقبل في منطقة، هو غريب عنها بقوة السلاح وبالتفوق التكنولوجي وبالتأييد الغربي، وإرادة الشعوب هي التي ستنتصر ومصلحة هذه الأمة هي التي ستعلو إن شاء الله ..