لماذا تم تغيير انتخاب الرئيس التركي من الشعب مباشرة بدل البرلمان رغم رمزية هذا المنصب في نظام برلماني؟ في 10 أوت الجاري (غدا الأحد) سيتم انتخاب رئيس الجمهورية التركي، وهذه أول مرة ينتخب الشعب التركي رئيسه مباشرة، وقبل استفتاء 2007 الذي صوت 54 بالمئة من الشعب التركي ب«نعم” لصالح انتخاب رئيس الجمهورية من طرف الشعب لمدة خمس سنوات، كان رئيس الجمهورية ينتخبه نواب البرلمان، المشكل من غرفتين (مجلس الشعب ومجلس الأمة)، وبعد انقلاب 1980 ألغي مجلس الأمة، وأصبح مجلس الشعب ينتخب الرئيس لوحده، ولأن بعض القضاة أكدوا على أنه يجب انتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي النواب، أي 367 نائب على الأقل، وهذا أمر يصعب على أي حزب الحصول عليه، وحزب العدالة والتنمية الذي كان يحوز على الأغلبية في البرلمان أعلن عن انتخابات مبكرة وتعديل الدستور ، وفي هذه الانتخابات هناك ثلاثة مرشحين: الأول هو رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء، والثاني هو المرشح التوافقي (للمعارضة) والأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو والذي توافق على ترشيحه أكبر حزبين معارضين وهما حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، واللذان تحالفا في الانتخابات البلدية السابقة (مارس 2014) واستمروا في تحالفهم خلال الانتخابات الرئاسية الحالية، أما المرشح الثالث فحصل على تأييد حزب الشعب الديمقراطي الذي يتمركز في المناطق الجنوبية الشرقية لتركيا ذات الغالبية الكردية. ما الذي يميز هذه الرئاسيات مقارنة بانتخابات سابقة؟ هناك أمران بارزان، أولهما أن الحكم الطويل لحزب العدالة والتنمية (2003 – 2014) أجبر المعارضة على توحيد صفوفها في الانتخابات البلدية الأخيرة (مارس الماضي) وهذا التقارب حصل بين اليمين المتطرف واليسار، بدليل أن حزب الشعب الجمهوري قدم مرشحا من الحزب القومي (في العاصمة أنقرة) رغم أن شباب الحزبين كانوا يشتبكون فيما بينهم في الثمانينات، أما اليوم فهما لا يجدان حرجا في التحالف. ثانيا: أن الحزب الديمقراطي الكبير (حزب الشعب الديمقراطي) الكردي كانت سياسته محدودة في المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا، ولكنهم هذه المرة دخلوا الانتخابات الرئاسية بهدف الحصول على أصوات الناخبين الأتراك حتى غير الأكراد منهم، ولم يعد برنامجهم منحصرا على سكان جنوب شرق تركيا بل أصبح يشمل كل الأتراك، وجدير بالإشارة أن مدينة إسطنبول تضم أكبر تجمع للأكراد في العالم، فالأكراد انتقلوا في هذه الرئاسيات من الانفصال إلى النظر إلى تركيا كوطن. هل يملك مرشح المعارضة إحسان أغلو أي فرصة في هزيمة أردوغان الذي انتصر في جميع الانتخابات التي خاضها منذ 1993؟ أظهر آخر استطلاع للرأي أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان سيفوز بنسبة 57 بالمئة، مع العلم أن أي مرشح يفوز بأكثر من 50 بالمئة، فلن يكون مضطرا لدخول الدور الثاني للرئاسيات، أما أحزاب المعارضة فقد سبق وأن اختبرت قوتها في الانتخابات البلدية الأخيرة، وخاضت حملة انتخابية شرسة واستطاعت التلاعب بالعقول، لكن المعارضة تعاني من ضعف شعبيتها، فالحزب الجمهوري لم يحص سوى على 24 بالمئة والحزب القومي أقل من 15 بالمئة، والحزب الكردي على نحو 8 بالمئة، وهم مجتمعون لا يصلون 50 بالمئة من الأصوات، لأن الناخب التركي يرى بعينيه تطور تركيا في عهد رجب طيب أردوغان. في حالة فوز أردوغان بالرئاسة هل سيرضى بأن يبقى رئيس جمهورية شرفيا، أم أنه سيسعى لتغيير الدستور لزيادة صلاحيات الرئيس؟ ليس هناك أي تعديل للدستور، لكن من الممكن أن يستعمل صلاحياته كرئيس للجمهورية، لأن الشعب سينتخبه مباشرة، وقد يحتفظ بنفس الصلاحيات ولكن بنشاط أكبر، ومن صلاحيات الرئيس أنه يترأس مجلس الوزراء، ولكن قد تجري تعديلات دستورية تشمل زيادة صلاحيات الرئيس أو تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي. من سيخلف إذن أردوغان في رئاسة الوزراء؟ كل الاحتمالات مطروحة، وقد تكلمت مع شخصيات نافذة داخل حزب العدالة والتنمية ويقولون إن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو سيتم اختياره كرئيس للوزراء، كما أن نائب رئيس الوزراء بولنت أرينج مرشح هو الآخر لخلافة أردوغان، خاصة وأنه تدرج في مختلف مراحل السياسة وتولى مناصب وزارية كما ترأس البرلمان في وقت سابق.