أوضح عمر بوساحة، رئيس الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، أن العداء الذي لقيه محمد أركون وفكره، لم يبرز في الجزائر وفي العالم الإسلامي فقط، حيث أن وسائل الإعلام الغربية نصبت له العداء عقب نشره لمقال ضد سلمان رشدي صاحب ”الآيات الشيطانية”، دافع فيه عن حرية العقيدة، ووقف ضد الروائي الباكستاني. وتعاظم العداء نفسه، حسب ما جاء في كلمة بوساحة أول أمس، خلال ندوة نظمتها الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية بجمعية الجاحظية، بمناسبة الذكرى الرابعة لرحيل محمد أركون، عندما اعتبر أن غزو العراق يندرج ضمن محاولات الغرب ”لإدخال الآخر قصرا في تصورات لا يتفق معها”. كما لقي العداء نفسه من قبل المؤسسات الأكاديمية الغربية، بسبب مواقفه النقدية من الاستشراق والعلمانية، الذي فككه وقرأه قراءة نقدية. ومن جهته، أوضح محمد نور الدين جباب، أن أركون ”كان مفكرا متحررا، ومن سوء حظه أنه جاء في فترة سياسية لا تتفق مع تفكيره. واتسمت تلك الفترة بالإدانة أو التمجيد، فاعتبره العلمانيون عدوا لهم، لأنه بحث في الإسلاميات، بينما اعتبره الأصوليون ملحدا، وقد فعلوا ذلك دون تمحيص ولا احتكام للنصوص”، وأوضح جباب أن الذين حاكموا أركون وهاجموه، لم يقرؤوا فكره، فاتخذوا مواقف ”تنعدم فيها الرؤى”، وفي المقابل اتسمت ردود فعله بالهدوء والاتزان. ويعتقد جباب أن أركون لم يكن صاحب مشروع فكري، بدليل أنه كان يتوجس من المشروع الشامل، وكان على وعي بالتجارب والمشاريع العربية، من حسين مروة إلى الجابري وحسن حنفي، وكان يرى أنهم ”سرعان ما ينغلقون وينتهون إلى أصولية معينة”، وأضاف جباب: ”من قرأ أركون منذ البدايات الأولى، يدرك أنه رسم لنفسه مسارا مفتوحا، ورفض التموقع ضمن تيار فكري معين، وقد عاش في الغرب وكان ملما بكل التيارات الفلسفية الغربية، وكان على دراية بأزمة الفكر العربي”. وبحسب جباب، فإن أركون وظف كل المناهج الفكرية لقراءة الفكر العربي، ورفض الانغلاق في منهج معين، وقال: ”كأنه أراد أن ينبه الباحثين العرب إلى أهمية ما أنجزته العلوم الاجتماعية، فطرح أفكاره وفق هذا التصور، وكلفنا بمواصلة مجهوده الفكري”. وبخصوص مواقفه من الاستشراق، ذكر جباب أن أركون قرأ الفكر الإستشراقي قراءة نقدية، وقام بتعريته، وأبرز نواياه غير العلمية التي تخدم التوسع الإمبريالي والإمبراطورية الغربية، كما قام بتعرية العلمانية التي تحولت في الغرب إلى عداء للدين، وإلى ما يشبه التحريض ضد القناعات الدينية، وقال: ”أركون كان صاحب فكر عميق أراد أن يلفت الانتباه للتطبيق الخاطئ للعلمانية في العالم الإسلامي، بعد أن انتقد التجربة اللبنانية والتركية في عهد أتاتورك”. وخلص المحاضر إلى ”أن أركون لم يشكك أبدا في الوحي، وكان يعنيه فقط كيف تلقى المسلم الوحي، واعتبر أننا قرأنا الوحي بشروطنا الاجتماعية وفهمنا القرآن بفهمنا للغة، وعليه فهمنا النص ليس كما جاء، بل وفق شروطه الاجتماعية”.