ذكرى هذا العام، ونقيض سابقاتها، تحمل الجديد بالنسبة لمن يريد استكمال “تقنين المصالحة”، كمصطلح لم يعد حبيس حدود الجزائر، وإنما تعداها إلى محاولة “تصديرها” إلى ليبيا ومالي، موازاة مع مساعي ترقية “المصالحة” إلى “ثابت دستوري”، بعد أن ضمنت مسودة مراجعة الدستور التي أعدتها لجنة عزوز كردون، مادة تقضي بدسترة المصالحة الوطنية، بنقلها من مجرد شعور مجتمعي إلى قانون دستوري إلزامي. قبل ذلك، استنسخت الذكرى التاسعة مشهدا من محطات الذكرى السابقة، بين مدافعين عن مبادرة الرئيس بوتفليقة، الذين يقولون إنها حققت كل شيء، وبين منتقديها الذين يقولون إنها لم تحقق الأهم، والفاصل بين الموقفين، ملفان رئيسيان، أحدهما أثير حوله جدال منذ الربيع الماضي، ويتعلق بالمصالحة مع “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” المحظورة، بإعادتها إلى المسرح السياسي، وآخر لم يتوقف بشأنه الجدل منذ استفتاء المصالحة، 29 سبتمبر 2005، ويتعلق الأمر بملف المفقودين. بالنسبة ل”الفيس” المحل، فقد ظهرت بوادر مصالحته مع النظام في أذهان جزائريين، بمجرد ما سمعوا أن الهاشمي سحنوني، ومدني مزراڤ التحقا بمشاورات تعديل الدستور التي أدارها أحمد أويحيى، لكن الوزير الأول، عبد المالك سلال، نسف، بمجرد تصريح، ما جال بمخيلات متتبعين، غذوا احتمالهم بوثيقة الدستور التي تنص على “دسترة المصالحة”. أما المفقودون فمازال أهاليهم، بعد تسع سنوات، يقارعون أرصفة الطرقات قبالة مقر اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، وأمام البريد المركزي، مثلما فعلوا البارحة بمناسبة الذكرى، وقالوا في بيان لهم وقعته، فطيمة يوس، رئيس جمعية “أس.أو.أس. مفقودون”، أن نص ميثاق السلم “بمثابة تعذيب معنوي لعائلات المفقودين”، وانتقدت إجراء “منح شهادة الوفاة لذوي المفقود، دون إجراء أي تحقيق”، ودعت العائلات الحكومة إلى “احترام حقوق الضحايا بفتح تحقيقات وتسليط الضوء على مصير كل مفقود، ومعاقبة المسؤولين عن العنف”. وفي الوقت الذي كانت عائلات المفقودين، تحتج قرب البريد المركزي، كان رئيس خلية المتابعة لتنفيذ المصالحة، مروان عزي، يعرض، ب«فوروم المجاهد” إنجازات المصالحة بلغة الأرقام، وقال إنها تحققت بنسبة 95 بالمائة، واستفاد منها إلى غاية شهر ديسمبر من سنة 2013 تسعة آلاف شخص. بينما “مازالت اللجان الولائية تخوض في النسبة المتبقية، المقدرة بخمسة بالمائة”. ووصف ملف المفقودين ب«طابو محل ابتزاز الكثير من الجهات”، وذكر أن الحكومة، عوضت 7100 عائلة مفقود من جملة 7144، والبقية إما رفضت التعويض وإما تأخرت بالإجراءات. وبحساب الأشخاص المستفيدين من الوئام المدني، الذي أقره الرئيس منذ 99، فإن عدد المستفيدين من المصالحة، بلغ 15 ألف شخص. وعوض من عائلات الإرهابيين أكثر من 11 ألف عائلة محرومة، أما عدد الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم، فبلغ 17 ألف إرهابي، وأن أكثر من 4300 شخص أعيدوا إلى مناصب عملهم بعد تسريحهم. ويؤمن عزي بنظرية المؤامرة “التي تريد توريط الجزائر في حرب عالمية ضد تنظيم داعش”، عندما قال إن “قتل الرعية الفرنسي هيرفيه غوردال لم يكن سوى سيناريو أعد بإحكام من أجل كسر الجزائر وتوريطها في حرب عالمية ضمن حركة داعش الوهمية”. على أن هناك مؤامرة “تحاك ضد الجزائر لدفعها إلى الهاوية”. وبعيدا عن لغة الأرقام، والجدال السياسي، الجديد الذي أفرزته المصالحة، كشأن يهم الداخل المجتمعي للجزائريين، فإن الأهم في تقييم المصالحة، حسب الحقوقيين، يكمن في طرح السؤال: هل حققت المصالحة رضا كل من مستهم المأساة الوطنية؟ والإجابة لدى الحقوقي بوجمعة غشير هي: لا. أما فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها، يقول إنها حققت الأهم. ويفصل الموقفين، قضية “العدالة”، فالمعارضة الحقوقية والسياسية، تقول إن “المصالحة كرست اللاعقاب”، وتجابه السلطة بفقرها لحصيلة معنوية للمصالحة، أما السلطة فتجابه المعارضة بحصيلة “تقنية”، وتقول إن “كل واحد أخذ حقه”، في محصلة تجاذب، خلاصتها تفيد أن “المصالحة افتقرت لمصارحة”.