أن نفاجأ بخروج عناصر من وحدات التدخل في مسيرات مطلبية هو أمر ليس فيه من الغرابة شيء. فمن الممكن تفسير ذلك بتطور حالة غليان بين عناصر الأمن، نتيجة لاستخدامهم المفرط من قبل السلطة في منع مسيرات يضمنها الدستور. وأيضا لضبط الشارع على إيقاعات معينة لا تهدد خلوة الحكام في عزلتهم. فهم يسيّرون البلد عن بعد، وبأوامر الصرف، لضمان استمرار تدفق الاستيراد. لكن ما هو عجيب، ألا يكون وزير الداخلية على علم بما يجري داخل دائرته. وألا يكون مدير الأمن على علم بأن رأسه هي على رأس مطالب المحتجين. فأين كان الوزير الأول، وأين الرئيس وأدواتهما التي تبلغهما بكل تفصيل له علاقة بالأمن القومي؟ العبرة التي لا يمكن تجاوزها هو أن منع قطاع ما من النشاط في العلن، وبشكل قانوني (في إطار نقابة مثلا) يدفع ويشجع على النشاط في السرية. لو كانت هناك نقابة للشرطة لأمكن قياس حجم الاختلالات والنقائص، ولما تفاجأت السلطات السياسية والأمنية بالحدث. لقد خلّفت عملية تيڤنتورين ارتدادات كانت لها انعكاسات على كيفية التكفل بسياسة الأمن القومي. فالعمل الإرهابي يتطور، ويتكيف بسرعة ما تملكه الجماعات من وسائل تكنولوجية ومالية. وكانت من نتائج تلك العملية قرار إعادة تنظيم العمل الاستخباراتي. لكن جاء خروج عناصر وحدات التدخل في مسيرات، وصلت بهم إلى قصر الرئاسة، لتذكر السياسي والأمني بأن الدرع الواقي غير كاف. وبه ثغرات لم تمكنه من تحسس أمر كان يجري بين أضلع النظام. فماذا لو كان الغضب مبرمجا لتنفيذ أمر غير عادي؟ يبدو أن جماعة الرئيس لم يعد يهمّها ما يجري في البلد، ما لم يصل إلى حدود المطالبة بانتخابات رئاسية مسبقة. فهي تعتمد على عصا الأمن لضبط الشارع. وقد تخدمها تلك الأشكال من المواجهات بين الأحياء، لأنها تساهم في توزيع الرعب بين الأحياء الشعبية. فلا يوجد أفضل من الرعب لتخذير تفكير وإرادة المواطن. فالخوف من العنف يديم عمر نظام يتهم كل من يقول له “لا” بأنه عميل، أو بكونه بيدقا بين أياد خارجية لا تريد الخير للجزائر، وتعمل على ضرب سيادتها ووحدتها. ولنا أمثلة من التاريخ القريب.. فكم من شريف مات بتهمة الخيانة؟ كان هامل آخر من يعلم بأن رأسه مطلوبة. وكان الوزير بلعيز آخر من يعلم بأن جزءا من قطاعه تجاوز مرحلة الغليان، ووصل مرحلة الانفجار. كان الوزير الأول آخر من يعلم بأن الغضب قادم إلى مكتبه. كان الرئيس آخر من يعلم بأن قصره سيحاصر لساعات. فماذا لو كان التحرك يضمر الشر وليست من أهدافه مطالب معيشية؟ كانت ستحدث كارثة بكل المعايير. الذين حضروا للغضب، ودوّنوا المطالب بعد جمعها، احتاجوا إلى وقت. وإن كان الاتفاق على مطالب اجتماعية من البسيط بلورته بسرعة. فالاتفاق على تأسيس نقابة، وعلى المطالبة برأس المدير العام للأمن الوطني، يتطلب مدة للتشاور لرصد المواقف، وضمان نجاح الاحتجاج، وإلا كانت الخطوة انتحارا. يجب الاستفادة من خبرة منظمي ومنشطي هذا الاحتجاج. وليس الانتقام منهم أو إبعادهم إلى مناطق معزولة وساخنة كعقاب لهم. يستحقون مكافأة لأنهم أثبتوا محدودية الذراع الأمنية، وحدود استخدام العصا لقمع المعارضة والمعارضين. هناك فراغات سياسية كبيرة وفجوات تغري على الفتن. ولن يأت الحل من قرارات ظرفية تحت ضغط الغضب. فالغضب شامل، ولا يفرغه غير الإصلاح العميق. اليوم مرت الأمور على خير، فمن يضمن غدا؟