ارتفعت درجة حرارة الشارع بشكل غير مسبوق في ظرف قياسي، وكانت السلطة وراء جمع الغاضبين في مفترق طرق واحد، وجد نفسه يتخندق في نفس ساحة الرفض، حتى وإن لم تكن منطلقاتها واحدة، مما يفهم منه أن السلطة كانت السباقة إلى استفزاز ليس فقط خصومها، ولكن حتى الذين كانوا إلى وقت قريب يصنفون في خانة ”الأغلبية الصامتة”، خرجوا من تحفظهم، بعدما لاحظوا أن هناك محاولات لاحتقار ذكائهم والتعدي على مشاعرهم، وهو ما جسّدته مسيرات شعبية غاضبة في ولايات الشرق ألقت بثورتها الداخلية في الشارع كرسالة إلى السلطة، تزامنت مع رسالة تحذير للرئيس السابق اليمين زروال نبّهت إلى أنه لا يمكن بناء منظومة حكم بوأد التداول على السلطة وتغييب السلطة المضادة، وفي ذلك دليل على أن السلطة سارت عكس عجلة التاريخ. احتقار غير مسبوق لذكاء الجزائريين ودوس على الدستور والقوانين ”الرابعة” تدخل السلطة في عين الإعصار يثير إصرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الترشح لعهدة رابعة، مقاومة من أطراف سياسية وفئات في المجتمع لم تشهدها الاستحقاقات الرئاسية المقبلة. والسبب أن قطاعا واسعا من الجزائريين، يعتقد بأن رغبة الخلود في الحكم مهما كلف ذلك من ثمن، يجرَ البلاد رأسا إلى ما لا يحمد عقباه. يصمَ الرئيس المترشح وجماعته المسيطرة على الحكم، آذانهم عن كل الانتقادات الموجهة لهم والنداءات الداعية إلى وقف الانحدار نحو الكارثة. ويعرف الشارع الجزائري غليانا غير مسبوق، أثاره بالدرجة الأولى الدوس على الأخلاق والمنطق من طرف رئيس مصرَ على اختزال بلد بكامله في شخصه، وعلى إخضاعه لنزوة مرضية تسمى ”هوس الكرسي”. فالعالم بأسره يعرف بأن بوتفليقة مريض وعاجز عن أداء وظيفة رئيس جمهورية، ويعرف بأنه رئيس منسحب من الحياة العامة منذ عامين تقريبا. والأدهى أن جماعة الرئيس تعترف بأنه مريض ولا يملك القدرة البدنية على الوفاء بأعباء الحكم، وتحتقر ذكاء الجزائريين بالقول إن ”عقله يشتغل أفضل من كافة العقول”، وأن ”حكمته كرجل ملهم هي من جنَّبتنا الوقوع في الربيع العربي”، وأن ”تجربته وحنكته في الحكم هي الضامن الوحيد للاستقرار”. وشكلت هذه التصريحات المبنية على ذهنية الاحتقار، استفزاز ملايين الجزائريين وتركت لديهم شعورا عميقا بأنهم لا يساوون شيئا دون بوتفليقة. ف”هو من وفّر لهم الظروف التي سمحت بارتشاف فنجان قهوة في الفضاءات العمومية، دون الخوف من التعرض للاعتداء”، على حد تعبير متزلفة تلهث منذ سنوات وراء منصب حكومي. وهو ”الرجل الذي أعطاه الله الملك، فلماذا تريدون حرمانه من هدية من السماء؟!”، كما قال ”شيات آخر دقيقة”، يتوق إلى التفاتة من أحد أفراد حاشية السعيد بوتفليقة. وبلغ ”الهبل” الذي يسكن جماعة الرئيس، بأحد الوزراء إلى سبّ كل الذين يرفضون فترة رئاسية رابعة لبوتفليقة بالقول في تجمع عمومي ”ينعل بو اللي ما يحبّناش”!. نفس الوزير يصرَح بأنه غير ملزم بالاستقاله من منصبه في الطاقم الحكومي، عندما يخوض الحملة لصالح الرئيس، ودعا من ينتقدونه إلى التوقف عن الاهتمام بكونه وزيرا يخلط بين مهامه في الحكومة وتزلفه لأحد المترشحين للانتخابات، ”إلا إذا رأيتموني أستعمل وسائل الدولة لصالح مرشحي”، والجميع يعلم أن كل أجهزة الدولة والموظفين فيها مجنّدون لخدمة الرئيس المترشح. وبلغ جنون جماعة الرئيس، وبمرشحها بوتفليقة إلى إبعاء الوزير الاول مؤقتا من وظيفته الدستورية كرجل ثان في السلطة التنفيذية، وصرفه إلى شأن خاص به كمترشح للانتخابات. وبذلك أكد بوتفليقة مجددا مدى احتقاره للدستور والمؤسسات على ما هي عليه من ضعف وهوان، إذ يتصرف فيها كما لو كانت تركة عائلية. ومن آخر ابتكارات جماعة الرئيس في مجال إهانة الدولة وقوانينها، إصدار مرسوم سري يقضي بصرف تعويضات من الخزينة العمومية، لفائدة أعضاء اللجنة الوطنية واللجان السياسية والبلدية لمراقبة الانتخابات، مع أن قانون الانتخابات يمنعها بشكل صريح. وأمام هذا الاعتداء الصارخ على المنطق والأخلاق، بدأت تتشكل جبهة رفض لنظام بوتفليقة تتكون من أشخاص عاديين لا يملكون أي تجذّر سياسي ولا برنامجا للتغيير، ولكن تحذوهم إرادة قوية في ترجمة شعورهم بالإهانة في الشارع. الجزائر: حميد يس غليان الشارع يغطي على الحملة الانتخابية رئاسيات في مواجهة العزوف والمقاطعة لم يسبق وأن عرفت المواعيد الرئاسية السابقة نفس درجة الغضب والاحتقان الذي يرافق موعد 17 أفريل المقبل، بعدما انتقل الحراك من داخل هيئات أركان أحزاب المعارضة الى الشارع، وامتد ليشمل فعاليات من المجتمع المدنى ظلت تلتزم الصمت وغير معنية بالسجالات السياسية، قبل أن تجد نفسها في الواجهة بسبب العهدة الرابعة. ارتفعت درجة حرارة الشارع بفعل المسيرات والاحتجاجات الغاضبة باتجاه السلطة، بالشكل الذي غطى بصورة كلية عن الحملة الانتخابية للمترشحين للرئاسيات التي ستنطلق غدا الأحد، حيث توجّهت الأنظار أكثر الى هذا الحراك السياسي الدائر في الشارع وفي الجامعات وفي ردود الفعل المصاحبة له، وكان آخرها رسالة الرئيس السابق اليمين زروال التي أشارت الى ”الانحرافات” الممارسة من قبل السلطة وفي مقدمتها وأد مبدأ التداول على السلطة في التعديل الدستوري لسنة 2008، وهو سبب الأزمة التي تغذي احتقان الشارع. ولم تهدأ أعمال العنف في غرداية التي أظهرت حالة العجز الذي تعاني منه السلطة جراء عدم قدرتها على القراءة الجيدة لأسبابها والحلول المقترحة لها، حتى التهب الشارع الشاوي بشكل غير مسبوق بسبب زلّة لسان للوزير الأول ومدير حملة الرئيس بوتفليقة، لم ينفع معها لا الاعتذار ولا الزيارات المكوكية لوزراء لاحتواء ما خلّفته من احتقان، بحيث تجاوز حجم الغضب ضد سلال الى رفض العهدة الرابعة والمطالبة برحيل النظام، مثلما عكسته المسيرة الحاشدة في شوارع باتنة، وهو شرخ في المجتمع له تداعياته المباشرة على الحملة الانتخابية وعلى الاقتراع ويجعل السلطة تسقط في شر أعمالها وأقرب الى المثل ”انقلب السحر على الساحر”، بعدما اعتقد مساندو الرابعة أنهم عبّدوا الطريق ولا يوجد من يقف ضد غلق اللعبة السياسية . وتؤشر الرسالة التي أخرجت زروال من صمته، وهو الملتزم بواجب التحفظ، أن الأمور وصلت الى مفترق الطرق وحجم الاحتقان داخل المجتمع ينذر بالانفجار في أي لحظة، بعدما لاحظ الرئيس السابق، أن السلطة القائمة لم تحسن قراءة الرسائل التي تولد من رحم الاحتجاجات واعتمدت مقولة ”من ليس معي ضدي”، وهو ما تجسّد في العنف اللفظي الممارس من قبل مساندي الرئيس المرشح، وما خلّفه من ردود فعل أخذ بعضها طريق مقاضاة سلال وبن يونس من قبل أحزاب وتنظيمات، على غرار ما هددت به جبهة العدالة والتنمية وجمعية (أوراس الكاهنة) وبعضها خرج للشارع للتنديد بمسؤولي الدولة. وسترمي هذه الأجواء المتكهربة بضلالها في مجريات ليس فقط الحملة الانتخابية، ولكن أكثر في محتوى الاقتراع الذي كانت تتهدده من قبل جبهة للعزوف بسبب نداءات المقاطعة، قبل أن تضاف إليها شحنة جديدة من الاحتقان الشعبي في عدة ولايات لم ترفض الرابعة فحسب، بل طالبت برحيل النظام برمته، وهو ما يجعل موعد 17 أفريل يقف على صفيح ساخن. الجزائر: ح.سليمان حوار السعيد بوحجة المكلف بالإعلام في الأفالان ل ”الخبر” ”الأيام أثبتت أن المقاطعين ورافضي ترشح الرئيس أقلية” السلطة تواجه غضبا كبيرا من الشارع، أنتم الحزب الحاكم في البلاد ألا يؤثر هذا في خطاب الحزب في حملة الرئاسيات؟ أظن أن ما يجري من حراك أمر طبيعي سيما ونحن على أبواب انتخابات رئاسية فيها العديد من الآراء، أي من يريد المقاطعة أو من يريد المشاركة وحتى إلغاء هذا الموعد نهائيا ومن يرفض ترشح الرئيس لعهدة رابعة، إننا أمام تباين في المواقف والآراء وهو شيء مبرر في موعد رئاسيات، صحيح أن بعض تلك المواقف تلتقي في شيء معين وهو رفض ترشّح الرئيس لولاية جديدة، سيما بين أحزاب المقاطعة وحركة بركات الذين يلتقون في فكرة عدم القبول بترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. لكن كثيرا من القراءات تشير إلى تأثّر صورة الرئيس المترشح جراء هذه الاحتجاجات التي قمعت بشدة في البداية؟ أبدا لن تؤثر هذه الاحتجاجات على الرئيس بوتفليقة، فمن يرفض ترشحه، ذلك موقفه ومن يقاطع فله ذلك، لكن التقديرات كلها تؤكد أن أصحاب الطرحين مجتمعين يمثلان أقلية، بل إن تلك الاحتجاجات والمظاهرات في الشارع أثّرت تأثيرا عكسيا على المقاطعين كما على رافضي الترشح أصلا، لماذا؟ لأن المواطن الجزائري يريد أن يعيش في استقرار وأمن وأي عمل يحل محل هذه العوامل لا يخدم أصحابه، لأنها تعطي انطباعا للمواطن الجزائري أن هذا الحراك لا يخدم الجزائر وبالتالي لا يخدم دعاة المقاطعة ولا دعاة رفض ترشح الرئيس، ونحن كمساندين للسيد بوتفليقة سنذهب إلى الجزائريين في الأحياء والمداشر في عمل جواري حقيقي، سنشرع في عمل كبير للاحتكاك بالشباب والجزائريين وكل شرائح المجتمع لحثهم على ضرورة الحفاظ على الاستقرار والحفاظ على الحيوية التي تعرفها البلاد في مجال التنمية والاستقرار في تأمين البلاد من أي عمل مباشر أو غير مباشر قد يعكّر صفو حياة الجزائريين، لذلك لا يجب إهانة الجزائريين ولعب دور الوصاية عليهم، سواء كان الرئيس مريضا أو غيرها من الحجج التي يرفعونها، اتركوا الشعب ليقرر، سنعرض على الجزائريين ما أنجزه الرئيس وسنكشف لهم عن برنامج العهدة الرابعة لأنها مسألة تتعلق ببرامج وليس بأشخاص. ما رأي جبهة التحرير الوطني في الكلام المطالب بعهدة انتقالية من قبل الرئيس السابق اليمين زروال وحتى من قبل حركة بركات التي حثت على مرحلة انتقالية؟ هي أمر غير صحي للجزائر في هذه الفترة، هل نحن في مرحلة انسداد سياسي لنطالب بها، هل نحن نعيش ثورة أو حربا، هل يوجد رصاص في الشارع، بل العكس، الأمور عادية وإلا لما ترشّح العشرات للانتخابات الرئاسية المقبلة. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة القيادي في حركة مجتمع السلم عبد الرحمن سعيدي ل ”الخبر” ”مربع الاضطراب يتوقف على سلوك النظام بعد الرئاسيات” هل ترى أن احتجاجات الشارع سيكون لها تأثير في صناعة الرئيس المقبل؟ حتى يؤثر الاحتجاج في الشارع على مسار أي مستقبل سياسي، لا بد أن يكون نتيجة مخاض سياسي طويل المدى زمنيا ومتسع من حيث الرقعة الجغرافية. ما نلاحظه عمليا في الجزائر أن هذا الاحتجاج مازال محصورا في الجزائر العاصمة، إلى جانب قصر عمقه الذي لا يتعدى أسابيع قليلة، ومن ثم يُستبعد أن يكون له تأثير على الرئاسيات المقبلة. وهناك نقطة يجب الإشارة إليها أيضا، هي موقع الاحتجاج السياسي الذي ينزل إلى الشارع في الضمير الجمعي للجزائريين، فالملاحظ أن الاحتجاجات الاجتماعية والمهنية باتت مقبولة وتمارس من قبل كل الفئات في المجتمع، لكن عند ذكر الاحتجاج السياسي مازالت تحضر دائما تجربة الفيس، وهذا ما جعل أي حراك في الشارع يرتبط مباشرة بالمأساة الوطنية، وبالتالي لا يستقطب كثيرا من المنضمين، حتى إن كانت مطالبه مشروعة ويتقاسمهما عدد كبير من الجزائريين. البعض يرى في هذا الحراك علامة صحوة والبعض الآخر يصنفه في خانة تهديد الاستقرار الاحتجاج في الشارع بطبيعته ذو حدين، أي أنه قد يؤدي إلى تحقيق نتائج سريعة المفعول وقد يؤدي في نفس الوقت إلى الفوضى والانزلاق. طبيعة العمل السياسي أن يكون من خلال الأوعية الحزبية التي تقوم بالحراك وتتفاعل فيما بينها لبلورة الأفكار وإيجاد الحلول للأزمات، لكن الاحتجاج في الشارع حتى وإن كان منشؤه مطالب مشروعة، يحمل نوعا من الخطورة. المشكلة في الشارع أنه لا يمكن التحكم فيه، وقد ينزلق الاحتجاج إلى مخاطر وتنفلت الأمور، إذ لا يمكن إجبار المحتجين على رفع شعارات موحدة، ولا يمكن لهم منع المخربين من الاندساس في صفوفهم. ويحضرنا جميعا إضراب الفيس في التسعينات الذي كان في البداية حول إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، ثم تحول في النهاية إلى اقتلاع مسمار جحا أي إسقاط النظام. في ظل كل هذه التحديات المرفوعة والحراك الذي يميز الشارع، كيف ترى سيناريو ما بعد 17 أفريل؟ مع المخاوف المحيطة بالجزائر، أعتقد أن محطة 17 أفريل لن تكون نقطة نهاية وإنما بداية لمرحلة تكون فيها المسؤولية الوطنية في حالة استيعابية لكل التحديات التي عرفناها، وستقتضي الضرورة محاولة إيجاد توافق وطني بعيدا عن كل إقصاء، من خلال تجميع كل القوى الوطنية والحد من التجاذبات التي تهدد بإدخال الجزائر إلى مربع الاضطراب، وبناء الجزائر برؤية إصلاحية فيها تجميع للقوى الوطنية. وهذا في النهاية يتوقف على سلوك النظام بعد الرئاسيات، ومدى قدرته على استيعاب حقيقة الوضع في الجزائر، ومدى الغضب الشعبي من السياسات المنتهجة. الجزائر: حاوره محمد سيدمو