بعد استقالة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد في 11 جانفي 1992، بدأ القائمون على تسيير شؤون البلاد آنذاك يبحثون عن رئيس يحل مكانه، فوقع الاختيار على محمد بوضياف، الذي كان قد ابتعد عن السياسة منذ زمن بعيد ليتفرغ كلية لأعماله الخاصة وأسرته. وكان مسؤولو البلاد، آنذاك، يعوّلون على صديق قديم لصاحب مقولة “الجزائر قبل كل شيء”، لإبلاغه بالأمر، فوافق “سي الطيب الوطني” الذي كان عمره آنذاك 72 عاما، وأّعلن بذلك الخبر للجزائريين، لتبدأ التحضيرات استعدادا لاستقباله بالجزائر بعد حوالي 30 سنة من الغياب، ليرأس ما سُمِي بالمجلس الأعلى للدولة الذي خلف الرئيس بن جديد. بدأ سيناريو عملية اغتيال الرئيس بوضياف عندما قرر هذا الأخير القيام بزيارة عمل وتفقد لولاية عنابة يوم 29 جوان 1992، أي بعد ستة أشهر تقريبا من إلغاء نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية لسنة 1991، التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة. وحلّ “سيد الطيب الوطني”، صباح ذلك اليوم بعنابة، مرفوقا بوفد من أعضاء الحكومة، وكان في استقباله والي الولاية آنذاك أوصديق محمد لحسن، حيث بدأت الزيارة مثل ما كان مبرمجا لها بتفقد عدد من المشاريع والنقاط، من بينها معرض لإبداعات الشباب تم تنظيمه بقصر الثقافة، ومركّب الحجار. وتوجّه بعدها الرئيس إلى دار الثقافة، وسط مدينة عنابة، وهو فوق المنصة يلقي خطابا، أمام قاعة مليئة بإطارات الدولة وممثلي المجتمع المدني، وكاميرات التلفزيون الجزائري، كان محاطا في الجهة الخلفية من وراء الستار بعدد من عناصر الحراسة الشخصية، الذين يرتدي معظمهم لباسا أزرق. وفي لحظة من عمر ذلك اللقاء، وبالضبط عندما بلغ الرئيس في خطابه عبارة “... الدول التي سبقتنا.. بماذا سبقتنا.. بالعلم.. والإسلام...”، فإذا بصوت قنبلة يدوية ينبعث من الجهة الشمالية للمنصة، تلتها طلقات رشاش خرجت من سلاح الملازم الأول لمبارك بومعرافي، وكانت موجهة لرأس الرئيس بوضياف الذي لفظ أنفاسه الأخيرة وهو على متن طائرة هليكوبتر اتجهت به إلى مستشفى عين النعجة العسكري في العاصمة. حينها لاذ الجاني بالفرار، تاركا الضحية مسجى على الأرض، والعلم الوطني يغطيه، وسط دهشة كبيرة لدى الجزائريين الذين كانوا شهودا على اغتيال رئيسهم، وتباينت الروايات آنذاك حول ظروف مقتله بعد إعلان القبض على أحد حراسه، الملازم الأول لمبارك بومعرافي الذي ينتمي لفرقة التدخل الخاص “جيس”.. ولكم أن تتصوروا ما حدث في تلك الفترة من خلال الشهادات التي نقلتها “الخبر”.. الباحث عبد الناصر خلاف بين ذاكرة المكان وهيمنة هاجس الاغتيال يقول الباحث عبد الناصر خلاف “هذا المكان الحيوي الذي تظلله أشجار الثقافة والفنون والعلوم بني في مكان استراتيجي وهام ومدروس، فهو قريب من مقر الولاية والبريد المركزي والأحياء الشعبية “لا كولون”، ويحيط به قطبان جامعيان هما: معهد القانون والعلوم الإدارية ومعهد العلوم الاجتماعية والاقتصادية (الآن لم يعودا موجودين) التحقت به في خريف 1989 كملحق ثقافي ومسؤول الورشات الفنية، وكان يشاركني هذه المهنة الفنان عازف آلة القيثارة وأستاذ التصوير الفوتوغرافي كمال عمراني، هذه الورشات التي تقع فوق القاعة المتعددة الخدمات رقم 2 التي استعمرتها منذ سنوات مديرية الثقافة، وتحولت إلى مجرد مكاتب إدارية بعدما كانت تخرج المئات من عشاق وهواة الخط العربي والموسيقى الكلاسيكية والتصوير الفوتوغرافي والتصوير بالفيديو (ولا أحد تكلم في الموضوع)، وأضاف “دفعني مهرجان المسرح المحترف ومهرجان سينما البحر الأبيض المتوسط لألتحق بهذه المؤسسة بإلحاح من مديرها الأستاذ المحامي محمد ياسي الذي لقنني أصول العمل الثقافي وعلاقته بالمجتمع، تلك الفترة الذهبية أي قبل حدوث الكارثة واغتيال الرئيس محمد بوضياف، جعلت فعلا من دار الثقافة مركبا ثقافيا وفنيا ومحور استقطاب لكافة طبقات المجتمع، خاصة فئة الأطفال من خلال الورشات التكوينية أو من خلال فئة الشباب التي كانت تجد متنفسها في المكتبة، أو من خلال ورشات علمية كالإعلام الآلي مثلا وغيره، وكانت القاعة الكبرى التي شهدت بعدها حادثة الاغتيال تعج بالأنشطة والحفلات الفنية في مختلف الطبوع، وكذا العروض المسرحية والأفلام سينمائية والمحاضرات العلمية المتخصصة والندوات والمهرجانات، بالإضافة إلى احتضانها للقاءات السياسية حيث مر فيها الكثير من الأسماء التاريخية على غرار كل من بن بلة، علي كافي، حمروش، الشيخ نحناح، وأسماء أخرى لها وزنها في الساحة الوطنية، إلى أن اغتيل فيها على المباشر الرئيس محمد بوضياف”. وتحيلنا العودة إلى الفترة الذهبية لمجموعة النشاطات التي كانت تشهدها تلك القاعة، إلى كيفية تحول المكان قبل وبعد حادثة الاغتيال من مؤسسة تتنفس الحياة والإبداع والأحلام إلى متحف كل زواره يسألون عن الجريمة، فنسي الجميع ذاكرة المكان الثقافي وهيمن هاجس الموت والدخان. يقول عبد الناصر “وفي سنة 1991 قمت بتشجيع من محمد ياسي وبمشاركة أهم الأسماء الأدبية (رضا ديداني، نور الدين سويسي، توفيق بوقرة، نوار عبيدي، سكة سيف الملوك، حسين زبرطعي، فهيمة بلقاسمي، أحمد الهامل وآخرون) بتأسيس نادي الإبداع الأدبي الذي كان رئة أخرى لهذه المؤسسة، وقمت برئاسته طيلة سنوات عدة، هذا النادي هو ظاهرة ثقافية بحد ذاتها، مؤسسة داخل مؤسسة، ولكن في نطاق واحد هو دعم الإبداع والمبدعين الشباب، وبعد انتهاء فترة المدير ياسي محمد الذي خلفه الأستاذ عسال الهادي تم ترقيتي إلى رئيس قسم البرمجة والعلاقات العامة مكان صديقنا الساسي براهيمي، وأكملت نفس المسيرة، لأن المؤسسة كانت تتحرك بهياكلها وليس بأشخاصها”، مضيفا “استمر الوضع الثقافي إلى غاية اغتيال الرئيس، حيث تم غلق القاعة الكبرى والمعارض، وأيضا مكتبي الذي كان يمثل كذلك مقرا لنادي الإبداع الأدبي، وتحولت المؤسسة إلى متحف، الكل يسأل عن الجريمة”. ويختم خلاف شهادته “لكن رغم صعوبة المهمة، حولنا كافة النشاطات إلى القاعة المتعددة الخدمات، نشاطات سيطر عليها برنامج النادي وجمعية علم الاجتماع نقد، إضافة إلى فتح رواق الجليل للفنان التشكيلي الكبير بشير بلونيس، كما كانت نشاطات مجموعة المسرح الجديد”. عنابة: ع. زهيرة قاضي التحقيق في قضية الاغتيال، الهادي لخضر، ل “الخبر” “بومعرافي قال لي.. قتلت الرئيس حتى لا يلطخوه” كشف قاضي التحقيق المتقاعد، الهادي لخضر، المكلف بالتحقيق في قضية اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف، في هذا الحوار “المقتضب”، أن بومعرافي كان على درجة كبيرة من الذكاء، حيث رد بكل برودة أعصاب وارتياح على أسئلته، وصرح له في أول لقاء به “قتلت بوضياف حتى لا يلطخوه”. ما هي الذكريات التي تحتفظ بها كقاضي تحقيق في قضية اغتيال الرئيس بوضياف؟ قضية اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف كلها ذكرى.. وأي ذكرى، فالقضية حزينة جدا، كنت آنذاك قاضي تحقيق بالغرفة الأولى لمحكمة عنابة، وعندما كلفت بتسخيرة من رئيس الجمهورية آنذاك علي كافي للتحقيق فيها، وقبل مباشرة العمل بعد حوالي أسبوع من حادث الاغتيال، عاهدت نفسي أن لا أخون هذا الرجل، وأن أقوم بواجبي. كيف كانت حالتك النفسية وأنت تمسك بملف كهذا؟ بصراحة، لم أكن في حالتي الطبيعية، كنت قلقا، لدرجة أنني لم أتوقف عن التدخين. لماذا؟ لأن الشخص المغتال ليس شخصا عاديا، فهو رئيس جمهورية، وهذه مسألة وطنية، ولي شرف التحقيق في القضية؟ كيف تم اختيارك؟ لا أعرف على أي أساس تم اختياري. لو نعود بك الى الوراء وبالضبط إلى أول لقاء جمعك بالمتهم بومعرافي، كيف كان يبدو لك؟ استجوبت بومعرافي مرة واحدة، قبل أن يحول الملف إلى مجلس قضاء العاصمة، وكان يبدو شخصا ذكيا جدا. هل تتذكر سؤالا لم يجبك عنه بومعرافي؟ بالعكس كان يجيب وبكل ارتياح عن كل أسئلتي، وأتذكر جيدا كيف رد ببرودة أعصاب على سؤال وأنا أطلب منه مشاهدة فيديو اغتيال الرئيس: كيف تتجرأ وتقتل الرئيس؟ فأجاب: “قتلته حتى لا يلطخوه” . ماذا كان يعني ب”يلطخوه”؟ ..“طلب الإعفاء عن الجواب”. هل مورست عليك ضغوط في هذه القضية؟ أنا لست من القضاة الذين يقبل أن تمارس عليهم ضغوط، بحكم انتمائي فأنا ابن مجاهد، من مواليد 1950، عايشت الثورة، وضميري هو كل شيء، حيث لم تمارس عليا أي ضغوط في هذه القضية، ولا ننسى أنه في تلك الفترة كان صراع قانوني حولها، إثر صدور أمر بعدم الاختصاص، كون القضية يحكمها القضاء العسكري، وهنا ثارت الثائرة وتم إلغاء الأمر من قبل غرفة الاتهام لدى مجلس قضاء عنابة. وماذا كان شعورك؟ أنا ملتزم بتطبيق القرارات، وقد تم تكليفي مباشرة من طرف المرحوم علي كافي بناء على تسخيرة خاصة لمواصلة التحقيق. وماذا عن إحالة الملف على الجزائر العاصمة؟ لم أبخل بأي شيء وقمت بأكثر من واجبي في هذا الملف الذي كان على مستوى محكمة عنابة، وبعد تحويله إلى مجلس قضاء الجزائر لم أتابعه، فبالنسبة إلي الملف طوي، وهذه الأمور لا أناقشها. هل جمعك لقاء بعائلة المرحوم بوضياف؟ لم يحصل لي شرف أن أرى زوجته أو أولاده، لم يكن لي الوقت الكافي، ولم يتصلوا بي. ما هي قراءتك للملف كقاضي تحقيق؟ الملف لا يضم إلا هوية إطارات، الذين عندما تم استجوابهم في القضية كشهود، قالوا إنهم لم يروا شيئا ماعدا سماعهم طلقات نارية. لو كلفت بالتحقيق في قضية مماثلة هل تقبل؟ لا أتمنى أن تحدث جريمة من هذا النوع. هل تخفي القضية سرا لم يظهر أثناء المحاكمة؟ .. “طلب الإعفاء عن الجواب”. الجزائر: حاورته رزيقة أدرغال من هو الرئيس محمد بوضياف؟ وُلد الرئيس الخامس للجزائر محمد بوضياف في 23 جوان 1919 باولاد ماضي بولاية المسيلة، لقب بالسي الطيب الوطني، وهو اللقب الذي أطلق عليه خلال الثورة الجزائرية. درس محمد بوضياف تعليمه الابتدائي في مدرسة “شالون” ببوسعادة، ثم اشتغل بمصالح تحصيل الضرائب بمدينة جيجل، وخلال الحرب العالمية الثانية قاتل في صفوف القوات الفرنسية. انضم إلى صفوف حزب الشعب الجزائري، وبعدها أصبح عضوا في المنظمة السرية، وفي أواخر عام 1947 كلف بتكوين خلية تابعة للمنظمة الخاصة في قسنطينة. وفي 1950 حوكم غيابيا مرتين وصدر عليه حكم بثماني سنوات سجنا، وسُجن في فرنسا مع عدد من رفاقه. وفي عام 1953 أصبح عضوا في حركة انتصار الحريات الديمقراطية. وبعد عودته إلى الجزائر، ساهم محمد بوضياف في تنظيم اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي ترأسها وكانت تضم 22 عضوا، وهي التي قامت بتفجير ثورة التحرير الجزائرية. وبعد حصول الجزائر على استقلالها، انتُخب في سبتمبر 1962 في انتخابات المجلس التأسيسي عن دائرة سطيف، وفي نفس السنة، أسس محمد بوضياف حزب الثورة الاشتراكية. وفي جويلية 1963، تم توقيفه وحُكم عليه بالإعدام بتهمة التآمر على أمن الدولة، ولكن لم ينفذ فيه الحكم نظراً لتدخل عدد من الوسطاء ونظرا لسجله الوطني، فتم إطلاق سراحه بعد 3 شهور قضاها في أحد السجون بجنوب الجزائر، انتقل بعد ذلك إلى باريس وسويسرا، ومنها إلى المغرب. ومنذ عام 1972 عاش متنقلا بين فرنسا والمغرب في إطار نشاطه السياسي، إضافة إلى تنشيط مجلة الجريدة. وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين سنة 1979، قام بحل حزب الثورة الاشتراكية، وتفرغ لأعماله الصناعية، إذ كان يدير مصنعا للآجر بمدينة القنيطرة في المملكة المغربية. وبعد إيقاف المسار الانتخابي وإجبار الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة في جانفي 1992، استدعي إلى الجزائر، ليعود بعد 27 عاما من الغياب عن الساحة الجزائرية، ثم وقع تنصيبه رئيسا للمجلس الأعلى للدولة في 16 جانفي 1992. من هو لمبارك بومعرافي؟ لمبارك بومعرافي ملازم في قوات التدخل السريع بالجيش الوطني الشعبي الجزائري، ولد عام 1966 بولاية أم البواقي، اتهم باغتيال الرئيس الجزائري السابق محمد بوضياف بعنابة يوم 29 جوان 1992. في مسكيانة حلم عودة “ياسين” يراود العائلة الكثير من الجزائريين يكونون قد نسوا بؤرة فقيرة في بلادنا لا يزال يعيش فيها سي أحمد الذي تجاوز الثمانين من العمر، وحيدا لا يؤنسه سوى أمل خفي بأن يرى ابنه لمبارك أو “ياسين”، كما يحب أن يسميه حرا طليقا قبل آن يغيبه الموت. آخر مرة زارت فيها “الخبر” مدينة مسكيانة شرق ولاية أم البواقي، لم نتمكن فيها من الحديث ولو قليلا إلى أهل ياسين بومعرافي الذين يقطنون بحي “لاندولين”، وهو أقدم وأفقر حي بمدينة مسكيانة، حيث كان الوالد أحمد يحدث نفسه وليس له جملة يرددها آنذاك سوى أن ياسين بريء وسيراه قريبا خارج أسوار السجن. والآن وبعد مدة عن آخر زيارة، تداول بعض الأشخاص خبر انتقال عائلة لمبارك إلى مدينة عين البيضاء، غير أن الخبر غير صحيح على الإطلاق، باعتبار أن الوالد أحمد لا يزال لحد الساعة يعيش وحيدا ببيته القديم على ذكريات ابنه الأصغر ياسين، وعلى أمل عناقه قبل أن تتوفاه المنية، خاصة أن ابنه الأكبر قد انتقل منذ مدة إلى العيش بالجزائر العاصمة، في حين تزوج ابنه الآخر واتخذ له منزلا مستقلا للعيش فيه. أحد أصدقاء ياسين والذي رفض ذكر اسمه، أكد أن ياسين كان يتحلى بأخلاق جد عالية، خاصة أنهم كانوا يلعبون كرة القدم معا، حيث لعب في الفريق المحلي لمسكيانة، وقد كان إنسانا بسيطا وهادئا ومحبا للعزلة في كثير من الأحيان نتيجة عيشه يتيم الأم منذ كان في الثانية من عمره، غير أنه كان يتمتع بأخلاق عالية. حادثة الاغتيال حولت الحياة الحلوة على الرغم من بساطتها وفقرها إلى جحيم حقيقي، بعد أن أصبحت عائلة بومعرافي منبوذة عند الجميع، لتبدأ المأساة الحقيقية لهذه العائلة خاصة الوالد أحمد الذي كان يعول كثيرا على ابنه ياسين من أجل تحسين ظروفه، غير أنه ولحد الساعة حسب عدد من المقربين يحمد الله كثيرا على حياته الصعبة من منطلق واحد هو إيمانه بأن شيئا ما سيتغير، وأن ابنه بريء من لعبة الاغتيال التي راح ضحيتها مثله في ذلك مثل الرئيس محمد بوضياف. أم البواقي: س. مونيا محامي بومعرافي الأستاذ بشير مشري “محاكمة بومعرافي مسرحية سخيفة ومملة” يتحدث محامي لمبارك بومعرافي، الدكتور بشير مشري، في هذا الحوار، عن تجربته في قضية اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف، واصفا محاكمة المتهم بومعرافي بالمسرحية السخيفة والمملة نظرا لإغفال قواعد جوهرية في الإجراءات. كما عاد إلى أدق تفاصيل لقائه بهذا الأخير في السجن العسكري للبليدة وسركاجي. الجزائر: حاورته رزيقة أدرغال هل تم اختيارك للدفاع عن بوعرافي أم أنت من اخترت ذلك؟ أنا لم أتأسس تلقائيا في حق بومعرافي، وإن كنت أرغب في ذلك منذ تحويل قضيته من مجلس قضاء عنابة إلى مجلس قضاء الجزائر. فتعييني لم يكن من أي جهة كانت، بل الذي سعى إلى تأسيسي في القضية هو المحامي مصطفى بوشاشي، لأنه عندما أحيل بومعرافي أمام محكمة جنايات العاصمة عينت له نقابة المحامين الوطنية أربعة محامين، وهو نقيب منظمة المحامين بباتنة آنذاك، والمحامي فاروق قسنطيني من البليدة، والأستاذ برغل خالد، من منظمة الجزائر، والأستاذ عضامو بلقاسم رحمه الله. وكان المتهم بومعرافي قد اتفق مع محاميه على خطة للدفاع، وعند افتتاح المحاكمة، كنت والمحامي بغدادي محمد أحد الفضوليين الذين كانوا يرغبون في حضورها، وهناك وقع خلاف بين بومعرافي وهيئة دفاعه. حول ماذا؟ طلب المتهم من الدفاع التمسك بعرضه على طبيب جراح، لانتزاع رصاصة كانت في رجله أصيب بها أثناء تنفيذه عملية اغتيال الرئيس، وأظن أن ذلك كان مناورة من المتهم لتأجيل القضية. ولأن دفاعه تخلى عن هذه النقطة، قرر بومعرافي عزل هيئة دفاعه ورفضها، حيث أعلن في المحكمة أنه يرفضهم بشدة، وأن أي محامٍ من هذه المجموعة يتولى الدفاع عنه، سيتأسس طرفا مدنيا ضدها، حينها انسحب المحامون بعد أن برروا ذلك بعدم رغبتهم في الوصول إلى الحقيقة، فكانت مرافعتهم ضد بومعرافي، باستثناء المحامي فاروق قسنطيني الذي قال إن المتهم له الحق في رفض هيئة الدفاع عنه، لأنه ببساطة لم يؤسسهم ولم يخترهم، بل تم تعيينهم تلقائيا، ومن الطبيعي أن لا يثق فيهم، مضيفا أن المتهم وبعد تحويله من السجن العسكري بالبليدة إلى المؤسسة العقابية لسركاجي، قال إنه يرغب في تأسيس المحامي مصطفى بوشاشي. حينها أخبر رئيس محكمة الجنايات العاصمة آنذاك القاضي سعيد بوحلاس، بومعرافي بأنه يؤجل المحاكمة ويمنحه أجلا لاختيار محامٍ يتولى الدفاع عنه، وفي نفس الوقت، قال له “إنك لن تجد رجلا واحدا يقبل الدفاع عنك”. وحسب ما علمته وقت ذاك، طلب بومعرافي من أحد حراس السجن أن يناولوه ورقة وقلما، ليكتب رسالة إلى المحامي بوشاشي يطلب منه التأسس في حقه، وهي الرسالة التي بلغت للنائب العام، آنذاك، عبد المالك السايح الذي بلغها بدوره للأستاذ بوشاشي. ويوم تاريخ استئناف المحاكمة، ذهبت إلى مجلس قضاء الجزائر بدافع الفضول ليس أكثر، حيث علمت أن بومعرافي أسس في حقه المحامي بوشاشي، وبينما كنت جالسا مع زميلي المحامي بن وارث شاذلي، فإذا بمحامي بومعرافي يقترب منا منهكا نفسيا، وبمجرد أن سألته عن صحة خبر تأسيسه، أراد معرفة رأيي: هل يوافق أو يرفض، فكان جوابي بسيطا، وهو أن رئيس الجلسة قال لبومعرافي لن تجد رجلا واحدا في الجزائر يدافع عنك، فإذا رفضت قل له بأنك أخطأت في اختيار الرجل، وابحث عن رجل آخر، ليعرض علي مساعدته في القضية، قبل أن يطلب من نقيب محامي العاصمة آنذاك، “أحمد عبش”، إبلاغ بومعرافي قبل بداية المحاكمة بأن المحامي بوشاشي وافق على الدفاع عنك شريطة أن يكون معه الأستاذان مشري، وبن وارث، فوافق بومعرافي دون تردد. كيف كان أول لقاء جمعك ببومعرافي؟ لم أكن ألتقي ببومعرافي بمفردي، فبعد أن تأسست وزميلي بوشاشي وبن وارث في حقه، طلبنا من المحكمة تأجيل القضية لتمكيننا من الاطلاع على الملف، حيث أجلت لمدة ثلاثة أيام، رغم أن قانون الإجراءات الجزائية يقتضي وضع الملف تحت تصرف الدفاع خمسة أيام قبل الجلسة، واتفقنا على أن لا نقابل بومعرافي منفردين، حتى لا يّتوقع أنه أفشى سرا لواحد منا، وأتذكر أننا قلنا له “يا بومعرافي عليك أن تسقط ما حدث بدار الثقافة بعنابة من قاموس اللغة، ولا نتحدث عنها إلا بعد المحاكمة، ونقض الحكم أمام المحكمة العليا”. ماذا تقصد؟ كنا على قناعة كدفاع، أن المحكمة سترفض طلباتنا بتأجيل القضية إلى دورة جنائية مقبله، ولا يمكن الاستمرار في القضية ونحن لا علم لنا بمضمون هذا الملف الكبير، وإذا رفضت المحكمة طلباتنا ننسحب من المحاكمة. كما كنا نتوقع أن المحكمة ستواصل محاكمة المتهم، وستصدر أقصى عقوبة في حقه، وسنطعن في الحكم الذي ستصدره محكمة الجنايات ويحال على المحكمة العليا التي توقعنا أنها ستنقضه. وبناء على ذلك، اتفقنا على التمسك بتأجيل القضية إلى دورة جنائية مقبلة. هل تتذكر الكلام الذي قاله بومعرافي لهيئة الدفاع؟ لم يقل لنا أي كلام فاجأنا به، لأن بومعرافي كان على درجة كبيرة من الذكاء، كان يستمع بتمعن لنا، ويجيب على أسئلتنا، ولكني أتذكر أني قلت له: كنت معجبا بك كثيرا، ولكني صدمت بك. فرد علي: ماذا فعلت؟ فأجبته: كنت أتمنى بعدما رأيتك في الجلسة، لو تأنيت قليلا قبل تنفيذ فعلتك، وأنت بهذا الذكاء، حبذا لو انتظرت حتى تترقى إلى رتبة رائد أو عقيد، لتحرك المؤسسة العسكرية وتخلص البلد من هذا النظام الفاسد. كيف كان جواب بومعرافي؟ ابتسم، ثم قال: يا أستاذ، نسيت أن إبليس بالمرصاد، وأن النفس عندما تتحكم في الإنسان، تجعله يختار بين المنفعة الآنية والآخرة.. “خير البر عاجله” فلا ضغينة بيني وبين الرئيس بوضياف، فأنا لم أقصد شخصه، ولكني أوقفت برنامجا خطيرا كان سيدمر البلاد؟ ما ذا كان يقصد بالبرنامج الخطير؟ كان يتوقع كما كنت أنا أتوقع أيضا، أن هناك قوة خفية داخل البلاد على علاقة بقوة خارجية، هدفها تقسيم الجزائر إلى ثلاث دويلات، وكنت أعلم أن هناك برنامجا لجر البلاد إلى حرب أهلية يكون الجيش طرفا فيها، وهذا الذي قلته أيضا لقادة “الفيس” في السجن العسكري بالبليدة، إنهم يظنون أن الصراع بينهم وبين الجيش من أجل حكم، ولكنه صراع بين حضارة غربية وشرقية، وأن النظام العالمي الجديد لا يسمح بقيام حكم وطني، فما بالهم بحكم إسلامي راديكالي، وخطته إزالة ثلاث دول من الخارطة، وهي الجزائر، يوغسلافيا والعراق. كيف اطلعت على تفاصيل القضية؟ هل عن طريق صور تلفزيون دون مقص أو بالاستناد إلى شهادات الذين كانوا حاضرين بمركز الثقافة؟ لا أحد يعرف تفاصيل هذه القضية إلا بومعرافي، والنائب العام سلمنا نسخة من الملف، ولكن المحكمة لم تمنحنا الأجل القانوني لدراسة الملف ما أجبرنا على الانسحاب، لأننا رفضنا أن نمثل دورا في مسرحية سخيفة. هل شعرت أن بومعرافي كان نادما؟ لم يشعرني بومعرافي لا في حديثه معي أثناء زيارته، ولا من خلال رسائله أنه نادم، فقد كان مقتنعا، كما سبق وقلت، أنه لم يقتل بوضياف، وإنما أوقف برنامجا كان سيدمر الجزائر، حيث أفهمني أنه ضابط وفيّ ليمينه الذي أداه عند تخرجه من الكلية العسكرية، وأنه سيدافع عن الوطن بالنفس والنفيس. ذكرت رسائل، هل كان يكتبها المتهم لك، وماذا كان مضمونها؟ نعم، كتب لي شخصيا حوالي عشر رسائل، عبّر فيها عن أفكاره، حول ما نسب إليه من تهم، وحول نظام الحكم. هل هذه الرسائل سر لم يكشف عنه في المحاكمة؟ سبق أن قلت إن بومعرافي رجل ذكي جدا، وفي هذه الحالة لا يمكن لرجل ذكي أن يودعني سره، فأسراره يمكن إن أستخلصها من كتاباته. وما هي الأسرار التي استخلصتها إذن؟ ❊ يمكن أن نستخلص من رسائله حقائق بعد 10 و20 سنة، مازلت أحتفظ بها وسوف أكشف عنها للرأي العام سواء عن طريق الصحافة أو في كتاب. كيف ترى محاكمة بومعرافي؟ كانت مسرحية سخيفة ومملة، فالمحاكمة تمت دون أن يتكلم المتهم كلمة واحدة، بل كان يتعمد القيام بحركات لجلب انتباه الحاضرين بالقاعة بسبب إصابتهم بالضجر والملل. هل تعرضتم لضغوط كدفاع؟ لم نتلق أي ضغوط أو تهديدات، بالعكس كنا كدفاع نشعر بأننا نؤدي مهمة نبيلة، ولم نشارك في المسرحية، ولم نضلل العدالة، ولم نبخس موكلنا حقه. هل ندمت بعد انسحابك من القضية؟ لم نندم كدفاع، كنا على قناعة أن بقاءنا في المحكمة، هو وصمة عار للعدالة وتضليل للرأي العام، وتزكية لهذه المسرحية السخيفة. هل ترى أنه بالحكم المؤبد على بومعرافي طويت القضية؟ أثناء المحاكمة، لم نظن أن القضية طويت، كنا نتوقع أن المحكمة العليا سترفض الحكم بعد الطعن فيه، لأنه مشوب بخرق لحقوق الدفاع، وبخرق للقانون، وبإغفال قواعد جوهرية للإجراءات، فالحكم كان غير سليم من الناحية القانونية. هل يوجد سر في هذه القضية لم يظهر في المحاكمة، وتريد الكشف عنه؟ لم أدرك جيدا مقصودك من وجود سر في هذه القضية، فإن كنت تقصدين لماذا أقدم بومعرافي على هذا الفعل، سوف أجيبك. فبالنسبة لي، ليس في القضية سر، لأني كنت أتوقع عن قناعة أن بوضياف سيغتال بعد عودته إلى الجزائر، وهذه القناعة تكونت لدي خلال 10 أيام الأولى من شهر مارس 1992. كنا نعلم أن الرئيس الراحل بوضياف لا يسمع ولا يعمل ولا ينفذ إلا ما يشير إليه به زميله المحامي علي هارون الذي أقنعه بالإمضاء على مرسوم فتح مراكز الاحتشاد في الصحراء، ويظهر أن بوضياف اقتنع بأن كل شيء في الجزائر فاسد، ولا يوجد في جهاز الحكم والشعب أكثر من 70 رجلا صادقا، فهو تكلم في افتتاح السنة القضائية كلاما يوحي بأنه سوف يصفي حسابات عندما طلب من السلطة القضائية التي بقيت الوحيدة بعد غياب شرعية السلطة التنفيذية والتشريعية، أن تبحث معه عن خلق جهاز قضائي جديد له مصداقية يمكن أن تسند له ملفات الفساد، وهذا يعني أنه لم تعد لديه ثقة في السلطة القضائية. وجدير بالإشارة، أنه ظهرت في هذه الفترة قضية القضاة المزيفين. وقناعتي أن بومعرافي لم يشر إليه أي طرف للقيام بهذا العمل، ولم يكن ينسق مع أشخاص آخرين، بل كان على قناعة بالخطر الذي يهدد الوطن، وهذا التوقع أستخلصه من وقائع حدثت شهر مارس، وهي إلقاء القبض على عدد كبير جدا من أحسن الضباط تدريبا وولاء للدولة، تأسست في حق البعض منهم، ويؤخذ عليهم اتجاههم الإسلامي، فاتهموا بالتخطيط لانقلاب لصالح “الفيس”. على سبيل المثال، ضابط اسمه “أحمد شوشان” الذي عندما ألقي عليه القبض، كان يجادل الذين استنطقوه بعلاقته الطيبة بضباط سامين عمل معهم، وبثقة هؤلاء الضباط فيه، فكيف يمكن له أن ينظم عملية انقلاب، من بينهم الجنرال نزار، الجنرال محمد العماري، الجنرال توفيق، حينها أجابه المستنطق له: نحن نتلقى الأوامر مباشرة من بوضياف، تعالى ندون هذا الكلام في محضر وبعد ساعة يكون الضباط الثلاثة على الطاولة بجانبك. هل أنت كدفاع على اتصال ببومعرافي وعائلته؟ لسنا على اتصال به أو عائلته، فابتداء من يوم صدور قرار المحكمة العليا برفض الطعن، لم يعد لنا الحق في زيارته، ولا نعرف أحدا من عائلته منذ بداية القضية. وما علمته من المتهم، أن أحد إخوته زار المحامي بوشاشي، ولم يكن لديه مبلغ سفر العودة إلى ولايته، فتفضل زميلي بوشاشي بمنحه مبلغا من المال. هل زادتك القضية شهرة؟ لا أعلم إن زادت أو أنقصت من شهرتي، بعبارة أخرى هل أساءت إلي او أفادتني.. المهم أنني كنت راضيا عن ما قمت به. ماذا استفدت من هذه القضية؟ خسرت ماديا، واستفدت معنويا وعرفت حقيقة العدالة وشعار القانون فوق الجميع، وأدركت كذبة دولة القانون. كم كانت أتعابك في هذه القضية؟ لم أتقاض وزميلي المحامي بن وارث مليما واحدا، كما أن المحامي بوشاشي كان يدفع من جيبه، لدرجة أنه اشترى جهاز تلفزيون للمتهم بومعرافي في السجن، وساعد حتى شقيقه ماديا من باب المساعدة الإنسانية. قصر الثقافة بعنابة يحكي.. هنا مات الرئيس رغم مرور أكثر من 22 سنة على حادثة مقتل الرئيس محمد بوضياف، ما زالت ذكريات رائحة الرصاص والموت تنبعث من بين جنبات قصر الثقافة والفنون بعنابة لدى الكثير من أبناء المدينة وزوارها، خاصة ممن كانوا شهود عيان على ما وقع بالقاعة الكبرى صبيحة 29 جوان 1992. في هذا الموضوع، تعود “الخبر” إلى قصر الثقافة والفنون بمدينة عنابة الذي سيظل شاهدا عبر الزمن على مقتل الرئيس محمد بوضياف في حادثة مروعة لم يسبق لها مثيل، وسيتم التطرق فيه إلى شهادتين: الأولى لصحفي يومية المجاهد سعيد العماري كشاهد عيان من داخل القاعة، والثانية للباحث في الفنون المسرحية عبد الناصر خلاف الذي شغل حينها منصب رئيس دائرة النشاطات الثقافية بقصر الثقافة، للحديث عن تفاصيل المكان قبل وبعد مرور العاصفة التي هزت أركان الدار. شاهد عيان الواقعة يتذكرها الصحفي سعيد العماري الذي كان متواجدا في مسرح الجريمة رفقة بعثة كبيرة من الصحافيين وإطارات الإدارة المحلية والمركزية ومسيرين لمؤسسات اقتصادية، وكذا ممثلين عن الحركة الجمعوية. يقول العماري “إن اغتيال الرئيس بوضياف من الأحداث التي ستظل راسخة في الأذهان ولن تمحى إلى الأبد، فالجزائري الذي اعتاد على العيش في السلم منذ استقلال وطنه عاش حينئذ بشاعة الجريمة على المباشر في حق رئيس اعتزل السياسة وفضل الغربة، ثم عاد إلى بلاده ليسقط شهيدا بضعة أشهر فقط بعد أن استعاد الجزائريون الأمل بمجيئه على رأس الدولة”. وأضاف “إن اغتيال الرئيس محمد بوضياف حدث بأتم معنى الكلمة بالمفهوم المهني، حدث يضع الصحفي مهما كانت خبرته أمام تجربة جديدة، يملؤه الخوف أمام الصفحة البيضاء، الحدث كبير والصدمة أكبر، من كان يخطر بباله أن يُغتال بوضياف في بلده؟ وبقاعة المحاضرات لقصر الثقافة بعنابة الذي يحمل اليوم اسم المرحوم، هذا بعد تفقد الرئيس لمعرض الشباب، وكان ينتظر منه استرجاع العلاقة المفقودة بين الحكام والشباب، حينها كان وضع البلد سيئا للغاية، حيث كان الجميع يترقب خطابا قويا وحاسما في أمور الدولة والأمة، وشاء القدر غير ذلك”. تنفس زميلنا الصعداء ثم واصل شهادته “لم يكمل المرحوم خطابه واستشهد بعد أن نطق آخر كلمة له وهي: الإسلام، شاء القدر أن يغتال الرئيس على يد رجل خرج من وراء الستار، أتذكر كأن الفاجعة وقعت البارحة”، يضيف الصحفي “حالة الرعب التي خيمت على القاعة الملعونة التي عايشت فيها أحداثا كثيرة احتضنتها مدينة عنابة، أتذكر حالة الفوضى العارمة التي فرضت نفسها بعد طلقات الرصاص التي تلت صوت رشقات نارية من رشاش بومعرافي، أتذكر حين قادتني خطواتي عن غير وعي نحو المنصة وأنا تحت الصدمة، رأيت جثمان الفقيد المغتال بالرصاص ولم أفهم، قال لي الزميل رشيد صماد “قتلوه”، ولم أفهم، رأيت صديقي عمار صافي يزحف على بطنه كما لو كان يتدرب أثناء أدائه لواجبه الوطني، ولم أفهم”. وواصل العماري سرد شهادته بالقول “غادرت المكان بحيلة كبيرة على عكس زملائي والحضور الذين أجبروا حينها على البقاء طيلة اليوم الرهيب داخل قصر الثقافة، كان همي الوحيد أن أطمئن عائلتي الصغيرة ووالدي قبل انتشار خبر الفاجعة، فباءت جميع محاولاتي بالفشل، بسبب قطع الاتصالات في المدينة وبين الولايات”، ليضيف “بدأ بعدها الصراع الداخلي الكبير بين نفسية الرجل المصدوم وضرورة أداء الواجب الصحفي الذي تفرضه المهنية”. عنابة: ع. زهيرة الحقوقي بوجمعة غشير “اعتبار قتل بوضياف مجرد فعل إجرامي أمر غير مستساغ” قال الحقوقي والمحامي بوجمعة غشير إن قضية المتهم بومعرافي ليست مجرد عمل إجرامي عادي، لأن الأمر يتعلق بمقتل رئيس جمهورية علنا وأمام كاميرات التلفزيون، مضيفا “الأمر خطير من كل جوانبه، وكان من المفروض أن تأخذ القضية أبعادا أخرى، مع التركيز أكثر على كل الجوانب المتعلقة بضمان أمن الرئيس”. وذكر المتحدث في اتصال مع “الخبر”، أن لجنة محايدة مستقلة لتحديد المسؤوليات قامت بعملها آنذاك واستمعت إلى كل المسؤولين، ولكن لم تتم معاقبة أي مسؤول ارتبط اسمه بتنظيم زيارة الرئيس وأمنه، رغم أنهم يتحملون قدرا كبيرا من المسؤولية، مشيرا إلى أن اعتبار مقتل بوضياف مجرد فعل إجرامي معزول ارتكبه شخص بدوافع ذاتيه أمر غير مستساغ، والرأي العام لم يتقبله إلى يومنا هذا، فحتى بعض أفراد عائلة الرئيس لا يزالون يطالبون بحقائق أكثر. وأبرز الحقوقي غشير في السياق أن الدولة جعلت من القضية بسيطة جدا بإلقاء القبض على الفاعل ومحاكمته وإدانته بالإعدام. الجزائر: ر. أدرغال