بعد مرور 19 سنة على اتهام ابنها وإدانته باغتيال رئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد بوضياف، لاتزال عائلة الملازم لمبارك بومعرافي، لم تفقد الأمل في رؤيته خارج السجن، حيث ناشدت رئيس الجمهورية والسلطات العليا في البلاد “بدراسة حالته وجعله يستفيد من تدابير المصالحة الوطنية، مثله مثل عناصر الحزب المحل وزعماء الجماعات المسلحة”، حسب تصريح مقربين من العائلة، التقتهم “الفجر” وبعيدا عن ملابسات وخبايا تورط الابن لمبارك بومعرافي في عملية اغتيال السي الطيّب الوطني، التي لاتزال محل استفهام وغموض، تعيش عائلة بومعرافي المتواضعة حياة انقلبت رأسا على عقب ذات 29 جوان 1992. اللعنة التي حطّت بمسكيانة عائلة بومعرافي، المشكلة فقط، بعد وفاة الوالدة، من الأب أحمد، البالغ من العمر حاليا 78 سنة، وزوجته الثانية، والإخوة والأخوات، يامنة 61 سنة، ومحمد العربي، 60 سنة وخضر، 49 سنة، تحولت بين عشية وضحاها من عائلة تحظى باحترام ومحبة أهل بلدية مسكيانة المحافظة بأم البواقي، إلى عائلة منبوذة من طرف الجميع، تعيش في عزلة تامة تلاحقها الشبهات، وكأن لعنة حلت عليها، بعد أن كانت تعيش في ود ووئام مع كل سكان مسكيانة، حين كان لمبارك بومعرافي، أصغر الأبناء، وهو من مواليد 1966، محل فخر واعتزاز للعائلة ولوالده أحمد منذ التحاقه بصفوف الجيش الوطني الشعبي ، حيث كانت كل الآمال معلقة عليه لمساعدة والده والأسرة الفقيرة على مواجهة ظروف الحياة الصعبة، خاصة وأن دخل الوالد أحمد، الذي يشتغل عون نظافة ببلدية مسكيانة، كان المعيل الوحيد لكل الأسرة براتب لا يتجاوز 8 آلاف دينار جزائري. وقبل يوم 29 جوان 1992، لم يكن أحمد بومعرافي، الوالد البسيط المتواضع، يتوقع أن يأتي يوم في حياته، ليرى ويسمع في كل وسائل الإعلام الوطنية والعالمية، اسم ابنه لمبارك مرتبطا بأكبر وأفجع حدث عرفته الجزائر منذ الاستقلال، وأن يكون ابنه الأصغر متورطا في اغتيال رئيس دولة وعلى المباشر. كانت الصدمة قوية جدا على الأب أحمد والأسرة كلها، حسب أقارب العائلة، الذين لم يصدق أحد منهم ما يسمع ويقال، وأصيبوا كلهم بالذهول، إلى غاية مجيء مجموعة من الضباط السامين في الجيش إلى بيت عائلة بومعرافي المتواضع بقرية مسكيانة الصغيرة، لإخبار الوالد أحمد بأن كل ما يحدث في الجزائر وتتداوله وسائل الإعلام العالمية، هو بسبب ما قام به ابنه لمبارك، وأن عليه مرافقتهم إلى عنابة، أين حدثت واقعة الاغتيال للتعرف عليه، والاطلاع على الإجراءات التي اتخذت لاعتقاله ووضعه رهن التحقيق، بتهمة “القتل العمدي للرئيس محمد بوضياف”. وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة.. وببلدية مسكيانة الصغيرة، نزل خبر اغتيال محمد بوضياف على السكان كالصاعقة، زادها ألما وحيرة وذهولا فاجعة ذكر اسم لمبارك بومعرافي، أحد أبناء القرية المعروفين، بأنه “الفاعل أو قاتل رئيس الدولة”، لتتحول بعدها حياة الوالد أحمد وكل العائلة إلى جحيم. ولم يجد الوالد أحمد بعد فقدانه لمنصب عمله كعون نظافة ببلدية مسكيانة، الذي طرد منه مباشرة بعد الحادثة، أي عون أو مساعدة من سكان قرية مسكيانة والمسؤولين المحليين، الذين نبذوا كلهم العائلة واتهموها بإلحاق العار بالقرية وسكانها. ولم تتوقف معاناة الوالد أحمد والإخوة عند حد سماع الشتائم والإهانات، بل تجاوزتها إلى اتهام الوالد أحمد شخصيا بأنه “حركي، عميل لفرنسا وأنه هو من قام بتحريض ابنه لمبارك وتشجيعه على قتل المجاهد محمد بوضياف رئيس الدولة”.. السيد أحمد.. من والد “الراجل” إلى والد “القاتل” وعن الزيارات التي قام بها الوالد أحمد لابنه في السجن بعد إدانته بالاغتيال، كشف أفراد من العائلة ل “الفجر”، أن والده وشقيقه لخضر لا يتمكنان من زيارته إلا بشق الأنفس بسبب وضعيتهما المادية الصعبة، خاصة وأن التنقل من مسكيانة إلى السجن العسكري بالبليدة يتطلب مصاريف باهظة لا تستطيع العائلة توفيرها إلا بالاستدانة وطلب العون من بعض أقارب العائلة القليلين جدا، الذين لم يقطعوا بعد كل صلة لهم بعائلة بومعرافي، التي نبذها وهجرها الجميع من الأصدقاء وحتى الأقرباء. وعما يقوله لمبارك بومعرافي في السجن عند لقائه بوالده حول ما حدث يوم 29 جوان 1992 بعنابة، أكد أقارب العائلة أن “لمبارك يطلب من والده ومن الجميع عدم سؤاله عن هذا الموضوع وعن القضية، مكتفيا بالقول “إن الله وحده يعلم ما حدث”، في حين يصر والده أحمد على أن “ابنه بريء وضحية مؤامرة كبيرة، وأن هناك من ورطه في هذه القضية الأكبر منه”، مشيرا في كل أقواله إلى “أن من ورطوا ابنه في هذه القضية هم أصحاب الملفات السوداء الذين كانوا يخشون أن يقضي عليهم المرحوم محمد بوضياف، فدبروا المكيدة للتخلص منه واغتياله”. وأضاف المقربون من العائلة أن الوالد أحمد حزن كثيرا للمعاناة التي تحملتها العائلة، من عزلة وحرمان وفقر، ولايزال يؤمن ببراءة ابنه من الواقعة، ولا يفوت مناسبة للذهاب لزيارته في السجن والمطالبة باستفادته من المصالحة الوطنية مثل الذين مستهم المأساة الوطنية خلال العشرية الماضية.