تطرح العلاقة القائمة، بين الأدب المغاربي والأدب المشرقي، في نقاش فتحته “الخبر” على هامش الملتقى الدولي “مسارات الكتابة الأدبية، لدى واسيني الأعرج”، الذي احتضنته جامعة الدكتور محمد لمين دباغين بسطيف، علامات استفهام كثيرة حول طبيعتها، التي تظهر أحيانا في صورة عقد تفوّق يحملها المشرق تجاه المغربي، وتظهر أحيانا أخرى في صورة انبهار متبادل بين المدرستين، في حين يرى بعضهم بأن هذا الطرح وهمي والمشكلة موجودة في أدوات التسويق لدى الطرفين.
الروائي واسيني الأعرج “الحديث عن المشرق والمغرب مغلوط والمشكلة في الترويج”
حين احتدم النقاش بين الأساتذة حول إشكالية “الأدب المشرقي والمغاربي” تدخّل الروائي واسيني الأعرج بقامته الأدبية ودبلوماسية كبيرة، وافتك الكلمة افتكاكا، حيث أعرب واسيني عن رفضه المطلق لقضية الحديث عن المشرق والمغرب. اعتبر واسيني أن القضية مغلوطة، لأن الجميع، حسبه، يشتغل في حيز لغوي محدد، والمسألة، حسبه، مربوطة بالرهانات الفردية والقدرات الشخصية. وحاليا مهما كانت الفوارق فالفعل الثقافي كما يقول ينزلق، والأعمال الثقافية تصل إلى كل الجهات، فنحن في نفس المنطق وفي نفس الجو اللغوي. مضيفا أنه يجب أن تصبّ كل الدوائر الصغيرة في الدائرة الكبيرة التي هي اللغة العربية، أي أن التنافس الإيديولوجي والنقاش يجب أن يتحوّل إلى عوامل ثانوية. ويعتقد واسيني بأن المشكلة ليست في المشرق أو المغرب، بل المشكلة توجد في أدوات الترويج للكتاب، ملمحا لمآسي التوزيع في الجزائر، وثقل وتيرة وصول الكتاب للقارئ، فالكتاب مثلا في فرنسا يصل بسرعة فائقة، لأنهم يتحكمون في أدوات الإعلام والترويج، وهنا ضرب مثلا برواية “عمارة يعقوبيان” التي رافقتها قوة إعلامية جعلتها رواية خارقة للعادة رغم أنها رواية عادية، بل حوّلتها حسبه لنمط حياة، بحيث تجرك هذه الهالة الإعلامية جرا، لأن تقرأ الرواية، وإن لم تفعل تحس بشيء من النقص، فالترويج للكتب مهم ومهم جدا، كما استذكر معنا الروائي واسيني موقفا في هذا المجال، مع صاحبة “ذاكرة الجسد” أحلام مستغانمي، التي استضافها ذات مرة في حصته التي كانت تبث عبر التلفزيون العمومي، حيث عرفت الروائية أحلام كيف تسوق لنفسها، وبعد الحصة قال بأنه سار كعادته لبعض المكتبات بالعاصمة، وهنالك تفاجأ بأحدهم يسأله عن أحلام، وأكد له بأنه باع بعد الحصة مباشرة حوالي 400 نسخة، وهذا دليل قاطع، حسبه، على أهمية الترويج للكتاب، متأسفا في النهاية لغياب أدوات تسويق الكتاب في الوطن العربي بصفة عامة.
الدكتورة رزان من جامعة البترا بالأردن “الكثير من الكتّاب المشارقة لا يعرفون كاتب ياسين “ استنتجت الدكتورة رزان محمود إبراهيم من جامعة البترا بالأردن، من خلال علاقاتها الشخصية مع باحثين مشارقة، بأن الكثير من الأدباء المغاربة غير معروفين بشكل جيد في المشرق العربي، مستدلة بدراسة نقدية أجرتها على كتابات الجزائري “كاتب ياسين”، الذي كان محل تساؤلات كثيرة من طرف زملائها، واتضح حسبها بأن الكثير منهم لا يعرف تماما الكاتب. هذا المشهد يلخص وضعية الأدب المغاربي بالمشرق العربي، وطبعا هذا له أسباب ودوافع حسب الدكتورة رزان، التي عددت مجموعة منها على غرار مشكلة التسويق، حيث قالت بأن الروايات المغاربية غير موجودة في المشرق العربي، وهذا حسبها من مهام دور النشر التي لا تسوّق الأدب المغاربي بشكل جيد، ثم تحدثت عن الإعلام الذي يلعب، حسبها، دورا كبيرا في الموضوع، فالترويج مثلا كان حاضرا بقوة في أعمال أحلام مستغانمي، في حين لم يكن بالشكل المطلوب في أعمال كثيرة أخرى، وأكدت هنا بأن الصحف الأردنية مثلا لا تتحدث إلا نادرا عن الأعمال المغاربية، وقلّ ما تنشر دراسات مغاربية عبر صفحاتها، وحملت الدكتورة للأساتذة الأكاديميين جزء من المسؤولية، كما أن الكثير من المغاربة يكتبون باللغة الفرنسية، وهو ما جعلهم مجهولين لدى المشارقة، مستغربة غياب واحدة كآسيا جبار عن المشهد الأدبي في المشرق، وكذا ياسمينة خضرة وغيرهم من الأدباء الذين يكتبون عادة باللغة الفرنسية، وهنا أعابت قلة الترجمات للأعمال الأدبية التي نالت شهرة كبيرة أوروبيا، ومعرفة محدودة مشرقيا، قائلة “لا يصلنا شيء من أعمال آسيا جبار و«ياسمينة خضرة”. هذا وتضيف الدكتورة بأن المرجعيات النقدية المغاريبة في حد ذاتها تبدو معقّدة للمشارقة خاصة الطلبة منهم.
الدكتور مصطفى منصوري “من انبهار المغرب بالمشرق إلى انبهار المشرق بالمغرب” قسم الدكتور مصطفى منصوري، من جامعة الجيلالي اليابس بسيدي بلعباس، إشكالية العلاقة بين الأدب المشرقي والأدب المغاربي إلى مرحلتين، وسمى المرحلة الأولى بمرحلة انبهار المغرب بالمشرق، حيث كان، حسبه، كل ما ينشر في المشرق يقرأ في المغرب، حتى أن الكثير من الكتّاب محليا أصبحوا لا يعرفون بعضهم البعض. أما المرحلة الثانية فهي انبهار المشرق بالمغرب، حيث أصبح الواقع يستمع أكثر إلى الآراء النقدية المغاربية، وصار الحديث قائما عن الريادة للرواية الجزائرية. وحسب تقديره، فإن الكثير من دور النشر حاليا محليا وعربيا تبحث عن روائيين مغاربة لنشر أعمالهم، وهذا يعد تحولا عميقا في الفكر المشرقي. وأضاف الدكتور مصطفى منصوري بأنه في الجامعات الجزائرية مثلا أصبح الدارسين لا يقرؤون نقدا مشرقيا، لأنه حسب تقديره نقد قاصر في ترجمة ما يكتب في الضفة الأخرى، وبالتالي فقد صار يقدم كمادة للتصويب، متحدثا عن بعض الأحكام المسبقة لدى المشرق، مشيرا أنه في مصر كانوا يعتقدون بأن الجزائري لا يحسن اللغة العربية، كما أشار في الأخير إلى نقص التوزيع واعتبره هاجس للكاتب.
الدكتور الطاهر رواينية “المشارقة كانوا يعتقدون بأن الأدب المغاربي لا يقرأ” يرى الدكتور الطاهر رواينية من جامعة عنابة، بأن المشارقة كانوا يعتقدون بأن الأدب المغاربي لا يقرأ تماما، لكنهم أخذوا يتفتحون شيئا فشيئا عليه، حتى صاروا يأخذون منه، فهو يتذكر حينما كان طالبا جامعيا في مصر، طلب منه الناقد المصري جابر عصفور أن يحضر له رواية “اللاز”، مشيدا بدور هذا الأخير وسيد حامد النساج في التعريف بالرواية المغاربية مشرقيا. بالإضافة إلى دور المؤتمرات العلمية الخاصة بالنقد الأدبي باليرموك نهاية الثمانينات، قائلا بأنها ساهمت إلى حد بعيد في التعريف بالأدب المغاربي. مشيرا إلى أن الأردنيين كانوا أكثر تفتحا على الأدب المغاربي ومرحلة نقد ما بعد الحداثة الذي تعرّف عليه المشارقة مما كان يقدمه المغاربة. أما في سوريا فقد لعب اتحاد الكتّاب العرب دورا كبيرا في التعريف بالأدب المغاربي، وبدأت منذ سنة 2000 الجامعات في تنظيم مؤتمرات تتفتح على الدراسات المغاربية. ويعتقد الطاهر رواينية بأن دور النشر المغاربية لا تحسن تسويق الكتاب، كما تسوّق السلع الأخرى، لكنه أشاد بدور البعثات الطلابية إلى المشرق ومساهمتها في التعريف بالأدب المغاربي والجزائري تحديدا. وفي النهاية قال الدكتور بأن النهضة العربية كانت مشرقية، وبدأت الكفة تميل إلى المغاربة، بعد الحديث عن حركة الحداثة وما بعد الحداثة.
الأستاذ اليامين بن تومي “هناك تهويل غريب لثنائية “شرق-غرب” يرى الدكتور اليامين بن تومي من جامعة محمد لمين دباغين، سطيف2، بأن هناك تهويل غريب لثنائية “مشرق-مغرب”، قائلا بأنه لا يؤمن كثيرا بمبدأ الثنائية، بقدر إيمانه بمبدأ “النحن”، ويعتقد أن لا أسبقية لطرف على آخر، فالشرق حسبه هو ذلك المنحدر العميق الذي يمثل جهة معينة من تكويننا. وبالتالي يرى بأن أستاذية الشرق شرط تاريخي، اشتغل بقوة في التكوين الثقافي للمغاربة، لكن حصل فيما بعد تبادل للأدوار، ولكنه تبادل بَيْنِيُ حصل داخل ذات واحدة، فلا يجب التهويل لأسبقية الجغرافي على الهووي، هذا الاقتطاع ليس في مقدوره أن يعطينا ملمحا عاما للمسألة بشكل دقيق، فلا يجب أن نهمل الشروط التاريخية بمركزية المشرق على المغرب لسياقات معينة. إن المغرب العربي كان تحت ظرف قاهر وهو الاستعمار، لذلك وجد رجعا لصدى صوته في مستوى المشرق، هذا الأخير أخذ على عاتقه مساندة المغرب، غير أن المغرب وإن قرأ المشرق وتأثر به خصوصا مع جيل الكبار، سرعان ما بدأ يتخذ له دورا مهما من خلال ترجمة النظريات النقدية الحديثة لقربه من المغرب، أو نتيجة لأن المغرب ما يزال ناطقا باللغة الفرنسية، لذلك سهّل على المغرب ترجمة هذا المحصول الثقافي، وبالتالي ما تطرحه إشكالية المشرق والمغرب هو “إشكال وهمي، لأنهما يشتغلان على صعيد ثقافي واحد”.
الأديب محمد زتيلي “مصطلح المشرق العربي لم يعد له مضمون في الأدب والفكر “ للإجابة على هذا التساؤل، لا بد لي من العودة إلى حالة عاشتها الجغرافيا الثقافية في الثمانينيات، وذلك حين أثار الكاتب المصري حسن حنفي في أسبوعية الحرية “واقع الحوار بين المشرق والمغرب”، موجها الدعوة إلى المثقفين العرب للمساهمة في الإشكالية التي طرحها، ولم ترد مساهمة واحدة من الجزائر، رغم أن الحوار دام نصف عام أو يزيد، والسؤال لماذا؟ لا يطرح، لأن الجواب يتعلق بالمستوى لا غير. أردت أن أقول أنه ليس هناك أدب اسمه الأدب المغاربي وإنما توجد آداب مغاربية، كما أن مصطلح المشرق العربي اليوم، لم يعد له مضمون في مجال الأدب والفكر.. يعيش المشرق اليوم على ماض يتآكل معنويا لعدم تحقيق إبداع وإضافة، وعدم توفر مجال عام كسرته العولمة، ولم يعد هذا الإنسان مهتما لا بالإبداع ولا بالتكامل. وفي كل الدول العربية مشرقا ومغربا، يقوم المبدعون والكتّاب بطرق شتى لإيصال نصوصهم، وليس هناك من يطالب دولته بهذه المهمة سوى في الجزائر، التي تصرف كثيرا من الأموال والدعم، لكن الكاتب ظل محروما مبعدا عنها.