لا أؤمن بالعمل الجمعوي في الكتابة تميز من خلال عناوين روائية كثيرة على غرار “يوم رائع للموت”، “في عشق امرأة عاقر”.. إلا أنه يعتبر أن آخرها الموسومة “الحالم” انطلاقة جديدة على مستوى مشواره السردي، تؤلمه الخصومات المفتعلة الناتجة عن الحساسيات الشخصية غير المبررة كالتي جرت بينه وبعض روائيي بني جيله، إلى جانب المخضرمين منهم ك”بوجدرة”، وتشجعه الآراء الإيجابية مثل الصادرة مؤخرا عن “واسيني الأعرج” و”محمد مفلاح” للدفع بعجلة الأدب إلى مستقبل من الإبداع والتحديث.. إنه الروائي الشاب “سمير قسيمي” الذي لمع نجمه في سماء الكتابة، وأنهكته الممارسات الثقافية غير المسؤولة، تميز بطول النفس، حيث رفض الاستسلام للواقع بتوسمه خيرا في مستقبلها، وفي هذا الحديث المنشور على صفحات “السلام”، لحمل مسؤولي قطاع الثقافة، على إعادة النظر في الميكانيزمات المعتمدة لتنشيط المشهد وتفعيله وإعادة مياه سياسته إلى مجراها الطبيعي. حدثنا عن الأصداء التي حققتها روايتك الأخيرة “الحالم” خلال المعرض الدولي للكتاب؟ “الحالم” تجربة جديدة كتبت بطريقة وتقنية وفنية.. لم يسبق لرواية عربية أن ظهرت بها، بالنسبة لمشواري كروائي تعد انطلاقة جديدة، ومن حيث الموضوع واللغة والسرد تعتبر أكثر رواياتي رقيا وتطورا على الإطلاق تعرف رواجا نقديا بعد دخولها إلى السوق العربية ما أعطاها نفسا قويا، حققت خلال المعرض مع رواية بشير مفتي، نجاحا كبيرا حيث نفدت نسخها قبل اختتام فعاليات الصالون بأيام. ما سر هذا الإقبال على أعمالك رغم التهميش الذي تشكوه من بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية؟ لا شيء سوى قوة النص الذي فرض نفسه، فحتى بعض من همشني اقتنى “الحالم” وعبر عن إعجابه بها.. واعتراف الخصم قوة بالنسبة لي، كما أن هناك مجموعة من رواياتي ستترجم خلال الأيام المقبلة على غرار “هلابيل” و«يوم رائع للموت”، أما الاهتمام الأكبر في هذا المجال فسينصب على “الحالم” التي كتبت بطريقة تجعل من عملية ترجمتها يسيرة جدا. ماذا عن الأصداء الإعلامية لمشاركتك في الصالون؟ مباشرة بعد اختتام فعاليات الصالون الدولي للكتاب، ظهرت بعض المقالات والأعمدة وحتى التعليقات على الشبكة الاجتماعية وكأن الأمر مقصود للتهجم على بعض الأسماء التي حققت النجاح، من حيث المبيع وأصداء الكتابات، شخصيا استغربت العمود الذي كتبه الصحفي سليم بوفرزازة، متهجما على المؤلفين الذين يوقعون كتبهم التي تباع على مستوى الصالون، واصفا إياهم بغير المحترمين، وأعطى مثلا بماركيز الذي لا يوقع كتبه.. استنكرت هذا التصرف الذي أعتبره لا أخلاقيا وعبرت عن الأمر برسالة بعثت إليه بها، وإذا كان من باع كتبه بإهداء من الجزائريين غير محترم فأذكره بأن أكبر المؤلفين على المستوى العربي والعالمي، قد قاموا بمثل هذا الإجراء.. أجد في الأمر مبالغة كبيرة لم أفهم سببها.. وبعدها بمدة ليست بالطويلة، تنشر إحدى الجرائد الوطنية الكبيرة السحب حوارا لأحد النقاد ينكر فيه وجود الرواية الجديدة بشكل كلي، ورغم نكرانه للتصريح وتأكيده على تحوير كلامه عن مقاصده، إلا أنني أجده غريبا لا علاقة له بالبحث الأكاديمي أو الاطلاع الشخصي للعامة، وتستمر هذه التهجّمات. ما السر وراء هذه التهجمات والتهكمات على الرواية الجديدة حسب رأيك؟ أعتقد أن النجاح الذي تحصده قد سبب الكثير من الكلام غير المجدي، صحيح أن بعض الروايات لا ترقى للتصنيف ضمن هذا النوع الأدبي إلا أنني أؤكد على وجوب توخي الدقة في تعميم الحكم، على اعتبار أن النجاحات التي تحققها الرواية الجزائرية في الخارج جاءت على أيدي الجيل الحالي وليس من سبقه، كما أبارك ما قاله الروائي الدكتور واسيني الأعرج، في أحد حواراته حيث أشاد بالرواية الجديدة وذكر بعض الأسماء التي شكلت قطيعة في الأدب الجزائري، وكانت سببا في بلوغه مستوى عال الأمر الذي لا يعترف به كثيرون ممن أعتبرهم أقل مستوى وإدراكا من قامة روائية كبيرة وناقد متمرس وأستاذ في الأدب كواسيني. بماذا أشعرك هذا الاعتراف؟ أعتقد أن وجود مثل واسيني الأعرج في هذا الجانب جاء في صالح الروائيين الشباب، عكس الروائي رشيد بوجدرة، الذي نشعر في الفترة الأخيرة أنه قد أصيب بالخرف خاصة بعد اتهاماته السابقة لكل من واسيني الأعرج وياسمينة خضرة، إضافة إلى حكمه على المشهد الروائي الجديد بالخلو من أقلام مميزة.. وأنا شخصيا متأكد من انه لا يقرأ شيئا من الجديد، أعتقد أن أفول نجمه منذ عشرين سنة ورفض دور النشر الفرنسية تبني رواياته منذ أزيد من عشرية، هو السبب الذي جعله يصاب بمرض النرجسية المفرطة التي أوصلته إلى الغرور فجرعة مفرطة منها كالتي يتمتع بها ستكون مضرة لا محالة رغم نفع بعضها أحيانا. أيقطع أمثال بوجدرة من الكتاب الكبار الطريق على مجايليك من الروائيين الشباب؟ لا أومن بكلمة الروائي الكبير، بل أجد أن وصف الكاتب أو الروائي يكفي للتدليل على المبدع في هذا النوع الأدبي، كتابات بوجدرة الحالية ليست بنفس العمق أو التجريد الذي عرفته أعماله السابقة، أعتقد أن هناك من يريد أن يفتعل صراعا بين أجيال السرد الجزائري المختلفة لأنني أجريت حديثا مع الروائي محمد مفلاح، واستنتجت أنه يستمتع بالقراءة للجيل الجديد كما يحب أن يقرأ له هؤلاء، ومن يفتعله يرغب في أن يتوقف الجيل عن التجديد والاهتمام بصراعات ثانوية لا علاقة لها بالمنافسة الإبداعية. هل تسببت مثل هذه الممارسات في تراجعنا على مستوى هذا المجال؟ أكيد، حتى في الترشيحات للجوائز والاستحقاقات الروائية العربية والغربية لا نجد دعم الناقد الجزائري أو الكاتب لمواطنه، وأعطيك مثالا عن الأمر بروايتي الأخيرة “الحالم” التي تهافتت الكتابات العربية والمشرقية عليها، بينما أجد إعراضا وطنيا عنها، وقد سرتني كثيرا القراءة الانطباعية، التي أنجزها المفكر محمد شوقي الزين، إلى جانب الدراسة المعمقة التي كتبها الناقد الأكاديمي اليمين بن تومي.. هناك دوما استثناءات تجعلنا نتفاءل خيرا بمستقبل الرواية الجزائريةالجديدة. هل يعاني المبدع الجزائري من عقدة “الأنا” التي تمنعه من رؤية الآخر والاعتراف بتميزه؟ أكيد أن عقدة الأنا موجودة ليس فقط في الجيل السابق، أو من نسميهم بالروائيين الكبار ولكن حتى بالنسبة لجيل الروائيين الذين بدأوا حديثا في كتابة هذا الجنس الأدبي، أعتقد أنهم عند مصادفتهم نصا جميلا يعانون ألما يعيقهم عن الاعتراف بجماليته، حتى بالنسبة لمجايليّ ممن افتعلوا الكثير من الخصومات ليس بسبب طريقة تفكيري أو قناعاتي.. بل بسبب حساسيات شخصية غير مبررة، وهي حال مؤلمة فقد اعتقدت أن عثوري على نص جميل يكتبه أحد روائيي جيلي سيمتعني ويدفعني لمحاولة توظيف ما أسميه بالغيرة الإيجابية لكتابة ما هو أفضل، والاستمرار في خوض تجربتي بطرائق أخرى، غير أن الجزائر تشهد حدوث الأمر بشكل عكسي للأسف. يشكو مثقفونا تهميشا قاتلا، وبمجرد رحيلهم يبزغ فجر أمجادهم المنسية، متى سنتخلص من هذه الشعارات والروايات التقليدية البالية؟ لن نتخلص منها أبدا لعلاقتها بالسياسة الثقافية، للأسف منذ تولي الإدارة الجديدة زمام الأمور على مستوى وزارة الثقافة، لا نشعر بوجود سياسة ثقافية حقيقية التي خلفتها مظاهر أخرى كالبهرجة المفرطة وبعض الخطوط العريضة قد تطبق وقد لا تعرف طريقها إلى التجسيد، غير أن الأكيد افتقارها لسياسة حقيقية، حيث نلاحظ أن معايير اختيار مديري الثقافة على رأس الولايات ومحافظي المهرجانات الكبرى المختلفة على غرار المعرض الدولي للكتاب، والمهرجان الدولي لأدب الشباب.. وضيوفها.. تعاني خللا حيث كان من الغريب قبل سنتين دعوة بوجدرة، لمناقشة حيثيات رواية لم تصدر بعد، مقابل صدور 17 رواية جديدة لم يستدع أصحابها لعرضها. إذن تقول أن الأمزجة الشخصية هي الضابط الوحيد الذي يحكم سياستنا الثقافية؟ السياسة الثقافية تحكمها الأمزجة والعلاقات الشخصية، المنافع المتبادلة الهواجس الفردية الخشية من طغيان وبروز أحد المدعوين وتميزه على مستوى المشهد الكلي للتظاهرة.. ما نسميه جزافا السياسة الثقافية تبنى على هواجس كثيرة، فالجزائر هي البلد العربي الوحيد الذي لا نسمع فيه بمنحة الإبداع، ونتحدث فيه عن دعم ألف كتاب لا يتم توزيعها حتى. لماذا برأيك؟ ببساطة لأن ما يتم دعمه قد يشمل عناوين قديمة، وعناوين تجارية ربما، غير أنه لا يشمل ما نسميه بصناعة الثقافة والكتاب والكاتب والقارئ.. هناك رؤية ضبابية بالنسبة لهذا الأمر توجد محاولات فردية تبرز هنا وهناك لتقديم أطروحة حول تعديل السياسة الثقافية، أو طرح بديل جديد لكن من يصغي، لأنها ستبقى في النهاية أطروحات على الورق، لا تجد لها آذانا صاغية، شخصيا وجهت رسالة إلى السيد رئيس الجمهورية، أتحدث فيها عن السياسة الثقافية في الجزائر نشرت على المواقع الالكترونية تحت عنوان “إنهم يقتلون الكتّاب باسم فخامتكم”، ولا شيء تغير منذ حوالي السنتين، ولا اعتقد أن هناك ما سيتغير مادام القطاع الثقافي محكوم من طرف نفس الذهنية. كنا نأمل أن يتم استبدال الإدارة الحالية خلال التعديل الوزاري الأخير، غير أنها بقيت على حالها تمنينا أن يولى على القطاع من يفهم ويعرف بخباياه على غرار كثير من جهابذة الميدان، غير أننا تفاجأنا بوضعهم على الهامش لتبقى السيدة خليدة تومي، وزيرة للثقافة رغم أنها لا ولن تضيف شيئا في هذا المجال. هل نستنتج أن تغيير ملامح المشهد الثقافي مرهون بتغيير الأشخاص؟ لا، يجب علينا أولا تغيير الذهنيات والإيمان بأن وضع سياسة ثقافية أمر لا مفر منه، لأن سياسة “البريكولاج” التي يقوم عليها المشهد حاليا لن تمكننا من التقدم ولو شبرا إلى الأمام. نعرج على المؤسسات الثقافية على غرار اتحاد الكتاب الذي يعاني كثيرون من غيابه عن الساحة؟ أعتبر أن هذه النقطة من أكبر المشاكل التي تعرفها الساحة الثقافية لان اتحاد الكتاب، فقد القدرة على تمثيل الكتاب الجزائريين، ليس لأن رئيسه الآن يوسف شقرة، الذي أكن له كل الاحترام كونه أديبا كامل الملامح، بل بسبب أن هذه الهيكلية فقدت معناها منذ زمن، وأعتقد أنه مباشرة بعد انتهاء عهدة عز الدين ميهوبي، لم يبق اتحاد الكتاب يقوم بدوره الذي أنيط به، لا أعلم الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه الوضعية كوني بعيد عن هذه الهيكلية، التي لم أنخرط فيها ولا أعتقد أنني سأنخرط يوما. أتكمن أسباب وراء عزوفك هذا؟ لأنني لا أؤمن بالعمل الجمعوي في الثقافة، فالكتابة إبداع فردي وشخصي يمكن أن أحضر بعض الفعاليات التي ينشطها الاتحاد، ولكن ليس بصفتي عضوا فأنا حتى في حياتي اليومية لا أنتمي لأي حزب سياسي ولا أية جمعية ولا أومن بفكرة الانتماء لأية جماعة، إن كانت تخدم سأدعمها أكيد غير أنني لا أحتمل فكرة الانتماء لأية هيكلية ثقافية.. لماذا ذوت رابطة الاختلاف كجمعية أدبية؟ رابطة الاختلاف التي تحولت قانونا اليوم إلى دار نشر “منشورات الاختلاف” التي تساهم في صناعة ما يسمى بالقارئ الجيد والكتاب في النقد والفلسفة والأدب، سمحت بظهور أسماء مميزة كثيرة على غرار “سارة حيدر” التي أحترمها كثيرا وأتساءل عن اختفائها الإبداعي رغم حضورها الإعلامي، إلى جانب “ياسمينة صالح”.. واعتقد أنها لو بقيت جمعية لما أعطت الكثير لأن الجمعيات الثقافية في الجزائر، تعتمد على دعم الدولة الضئيل جدا في هذا المجال، وقد عايشت زمن أفول نجم جمعية أكبر “إبداع” التي رأسها الطاهر يحياوي، وكنا نعتقد أنها ستكون من حيث الضخامة والتنظيم من أهم وأكبر الجمعيات في العالم العربي، غير أنها ذوت لأن تنظيم الجمعيات على اختلاف توجهاتها في الجزائر يشبه تنظيم الأحزاب من ينصب رئيسا عليها يتمسك بمنصبه أزليا، وأموال الجمعية تصبح أموالا شخصية، مازلنا نلمس هذا الوضع لحد الساعة على مستوى الجمعيات الثقافية والاجتماعية وبعض الأحزاب السياسية المتواجدة، القانون موجود لتنظيم نشاطها غير أن المشكلة كامنة في الذهنية وعدم وجود سياسة ثقافية تؤطر. يتمتع المبدع بإمكانات تؤهله للريادة غير أننا نفتقد وجوده على الواجهة العربية،وخاصة الأدبية بذات الزخم المصري مثلا، لماذا؟ تظهر فرديات كثيرة بالنسبة لبعض الأدباء والكتاب الجزائريين، لكننا في عالم الرواية لا نملك أسماء كثيرة وعدد إصداراتنا قليل مقارنة بالإصدارات المصرية والعراقية واليمنية والأردنية.. دائما تلاحظين في الاستحقاقات الأدبية على مستوى العالم العربي أن أكبر نسب المشاركة تكون مشرقية لا مغاربية، لا يوجد تحفيز في الجزائر للتفرغ للكتابة، منحة الإبداع لا مكان لها وبالتالي لا يمكن للمؤلف أن يعطي كل وقته للسرد ويهمل متطلبات حياته..وكلها عوامل تعود بنا إلى وجوب خلق سياسة ثقافية حقيقية في الجزائر. هل نعاني إشكالية تسويق ثقافي؟ التسويق ميكانيزم من ميكانزمات السياسة الثقافية التي إذا انعدمت لا يمكننا الحديث عن أي منها، وإذا تعطلت ألقت بظلال ذلك على كل المجالات فلا يمكننا التحدث عن الترويج وحده. عن ظاهرة المهرجانات التي غزت المشهد الثقافي مؤخرا ماذا يقول قسيمي؟ أعود للحديث عن السياسة الثقافية التي لا تتعدى في ذ