شكلت ضرورة إعادة الاعتبار للمدرسة الجزائرية والاتفاق على عقد اجتماعي وتربوي، محور اللقاء الذي جمع أمس نقابات التربية وممثلي الوزارة الوصية في ندوة “الخبر”، حيث تطرق المشاركون إلى مشكل الثقة الذي يحدث الشرخ بين الطرفين ويجر القطاع دون مبررات إلى أزمات متتالية غير محمودة العواقب، وخلال اللقاء الذي حضره كل من مستشار وزيرة التربية أحمد تيسة والمستشار المكلف بالنقابات محمد إيدار من جهة، ومزيان مريان عن “سناباست” ونوار العربي ومسعود بوديبة عن “كناباست” والصادق دزيري عن “أنباف” وخالد أحمد ممثلا لجمعيات أولياء التلاميذ، تطرق الجميع إلى نتائج الإصلاحات بعد أكثر من 10 سنوات من إطلاقها. فيما تعرض المشاركون إلى المشاكل الاجتماعية والمهنية للأساتذة، والتي دفعت النقابات للدعوة إلى “العصيان”. بينما اعترف الجميع بمن فيهم ممثلو الوزارة أن القطاع، وعوض أن يتقدم بالإصلاحات عاد إلى القرون الوسطى. تبادل للتهم وكل طرف يحمل الآخر مسؤولية الإضرابات الأزمات سببها انعدام الثقة بين الوزارة والنقابات طرح المشاركون في ندوة “الخبر” أمس، مشكلة ثقة كبيرة بين وزارة التربية والنقابات، وهو ما يعيد الأمور في كل مرة إلى نقطة الصفر، فالوزراء الذين تعاقبوا على القطاع أخلوا بالمحاضر الموقعة بين الطرفين، ما يفسر العودة في كل مرة إلى الإضراب، تقول النقابات، لكن هذه الأخيرة لم تثق في الوزيرة التي أثبتت التزامها بتعهدها عند تجسيد مطالب المقتصدين مؤخرا، حسب الوزارة. حملت أمس وزارة التربية اتحاد عمال التربية والتكوين مسؤولية الأزمة التي تسبب فيها إضراب المقتصدين، فيما يخص تأخر توزيع منحة 3 آلاف دينار على التلاميذ المعوزين وبيع الكتب المدرسية وغلق المطاعم المدرسية. وقال مستشار الوزارة المكلف بالعلاقة مع النقابات إيدار محمد، إن وزارة التربية لا تتحمل مسؤولية الإضراب، لأن ممثلي المقتصدين المضربين قرروا تعليق الاحتجاج والعودة إلى العمل بناء على القرارات التي تم التوصل إليها في اجتماع 17 سبتمبر الماضي، حيث طلبت نورية بن غبريت وقتها من ممثلي “أنباف” منحها مزيدا من الوقت والتريث إلى غاية حصولها على رد الوزارة الأولى، في وقت أكدت بأنها قامت بإيداع ملف محكم يتضمن مقترحات عملية لتعويض منحة الخبرة البيداغوجية التي يطالب بها هذا السلك، إضافة إلى انشغالات أخرى ستقضي نهائيا على الأزمة. وحمل ممثل الوزارة مقتصدي “أنباف” مسؤولية المشاكل التي نتجت عن إضراب الثلاثة الأشهر، مستغربا من ردة فعل هؤلاء الذين قرروا تعليق الإضراب لنفس المبررات التي طرحت خلال اجتماع سبتمبر، مشددا على أن الوزارة لم تغلق أبدا أبواب الحوار، حيث استقبلت ممثلي اتحاد عمال التربية والتكوين 4 مرات، مقابل 4 لقاءات مع اتحادية عمال التربية للمركزية النقابية. غير أن ممثلي هذه الأخيرة، يضيف، تحلوا بأكثر حكمة ووثقوا في تعهدات بن غبريت، فقرروا توقيف الإضراب واستئناف العمل، عكس منخرطي “أنباف” الذين رفضوا “التضحية” والتنازل وإعطاء الوزيرة فرصة لإثبات حسن نيتها، حيث فضلوا التصعيد، فيما كانت المسؤولة الأولى عن القطاع تتفاوض مع الوزير الأول حول ضرورة تمكينهم من حقوقهم التي اعتبرتها مشروعة. من جهته، قال رئيس اتحاد عمال التربية والتكوين إن وزارة التربية لم تقدم تعهدا واضحا خلال اجتماع سبتمبر، مشيرا إلى أن الحوار انقطع بين الطرفين لمدة شهرين كاملين، رغم إلحاح ممثلي النقابة عليه قبل استئناف الحوار مجددا، حيث توج بقرار يقضي بموافقة الوزير الأول على تخصيص تعويض موازٍ لمنحة الخبرة البيداغوجية وغيره من القرارات. 60% من الموظفين سيطالبون بالتقاعد لو طبقت القوانين إبعاد قطاع التربية من وصاية الوظيفة العمومية انتقدت نقابات التربية طريقة معالجة مصالح الوظيفة العمومية لمطالب موظفي القطاع، واتهمتها بأحادية النظرة فيما يخص الانشغالات المطروحة، من خلال مطابقتها لنفس المطالب في قطاعات أخرى، ما جعلها تطالب بالتعجيل في إبعاد قطاع التربية من وصاية الوظيفة العمومية، بالنظر إلى خصوصيته الاستراتيجية. قال رئيس نقابة “كناباست” إن الحل الوحيد لإنهاء “متاعب” قطاع التربية هو “تخليصه من وصاية الوظيفة العمومية، باعتبار أن معظم الإضرابات والهزات التي تعرفها المدرسة الجزائرية اليوم وراءها سوء تسيير مصالح هذه الأخيرة لمختلف ملفات القطاع.” وحسب نفس المتحدث، فإن أكبر دليل على “تورط” الوظيفة العمومية في مشاكل القطاع هو مشكل التدقيق المبالغ فيه للشهادات، وما نتج عنه من شروط تعجيزية تتعلق بالمعادلات، خاصة بالنسبة للموظفين القدامى، وبناء على ذلك فإن جميع الحلول التي تهتدي إليها الوصاية لمعالجة المشاكل المتعلقة بهذه الملفات تبقى ظرفية، مادامت الحلول الجذرية في يد الوظيفة العمومية. وفي اعتقاد نفس المتحدث، فإن قطاع التربية حساس واستراتيجي، وهو العمود الفقري لكل بلد، واقترح أن يتم إعداد سلم رواتب على أساس الأجر الوطني المضمون، يتم تحديد نسبته بناء على خبرة وكفاءة وشهادة كل مستخدم. وبحسب نوار العربي، فإن الضغوط التي تمارسها مصالح الوظيفة العمومية على موظفي التربية بسبب نقص كفاءاتها، بلغت درجة لا يمكن تحمله، “فلو طبقت وزارة العمل قوانين الجمهورية الخاصة بالتقاعد، فإن 60% من مستخدمي التربية سيطلبون التقاعد، لتبقى الوزارة في مواجهة مدارس دون أساتذة”. من جهته، قال رئيس نقابة أساتذة التعليم الثانوي والتقني مزيان مريان، إن قطاع التربية حساس وليس كغيره من قطاعات الوظيفة العمومية، ولا بد أن يخضع لسياسة تختلف عن السياسات المطبقة في مجالات أخرى، لأن ذلك سيرهن مستقبله ومصير الفاعلين فيه من أساتذة وعمال وتلاميذ. أما الصادق دزيري، فأعلن أن الإشكال المطروح اليوم لا يخص العلاقة بين النقابات ووزارة التربية، لأن الأمر تجاوز صلاحيات الوصاية، مثلما أثبتته “تجربة” المقتصدين ورفض السلطات العمومية الاعتراف بأحقية هذه الفئة بمنحة الخبرة البيداغوجية، وبصفة عامة فإن عدم التزام وزارة التربية بتعهداتها يكمن وراء استفزاز شركائها الاجتماعيين ومن ورائهم الموظفين. فيما يرى ممثل وزارة التربية محمد إيدار أن الاستعجال في معالجة مختلف المشاكل وإصدار نصوص قانونية تحت الضغط ودون دراسة، هو سر الأزمة التي يشهدها القطاع، فالعلاقة بين الوصاية والنقابات “مريضة”، ولا بد من مراجعتها في هدوء ومناخ مناسب تطرح في إطاره الأفكار والمقترحات، لتصاغ في قوانين ونصوص تخدم القطاع. واستدل نفس المتحدث في تأكيده على نية الوزارة إشراك النقابات في القرارات المصيرية التي تخص موظفيها، بكون القطاع هو الوحيد في الوظيفة العمومية الذي فتح القانون الأساسي للمراجعة مرتين، “غير أننا في كلتا الحالتين أخطأنا لان ذلك تم تحت ضغط شديد”. الوصاية تعتبر القانون الأساسي كارثة وسبب مآسي القطاع النقابات تتمسك بالعصيان اعترفت وزارة التربية أمس بأن القانون الأساسي لمستخدمي القطاع هو بمثابة “كارثة” يتحمل مسؤوليتها المشرع الذي قام بإعداده، فأغلب الانشغالات المرفوعة مشروعة، غير أن كيفية تجسيدها هو الذي يضع مسؤولي الوزارة تحت ضغط الاحتجاجات التي تصاعدت حدتها بعد تهديد النقابات بعصيان عام ما لم تتحقق جميع مطالبها. اعترف مستشار وزيرة التربية والمكلف بالإعلام أحمد تيسة، بأن جميع المشاكل والاضطرابات التي يشهدها القطاع اليوم هي وليدة القانون الأساسي الذي وصفه “بالكارثة”. وقال تيسة إن الوافدة الجديدة إلى القطاع طرحت مشروع العقد التربوي كمحاولة لمعالجة اختلالات ونقائص النص، انطلاقا من اقتراح تقدمت به نقابة “كناباست”، وإن كان قد أكد أن المشروع مجرد فكرة، إلا أنه شدد على دور الشركاء الاجتماعيين في بلورتها وإثرائها بهدف إرساء الاستقرار في القطاع، بتضافر جهود جميع أطراف الأسرة التربوية. وهو ما علق عليه رئيس نقابة “كناباست” نوار العربي الذي قال إن هذا المسعى لن يتحقق إلا بعد القضاء على الاختلالات التي تؤرق الأستاذ والتلميذ على حد سواء، وتحول دون الوصول إلى تكوين نوعي، وماعدا ذلك فإن الإضرابات ستستمر وتتصاعد لتصل العصيان العام على الوزارة والسلطات العمومية التي ترفض معالجة هذه الاختلالات. وهو ما أيده رئيس نقابة “سناباست” مزيان مريان الذي قال إن أول مشكل يواجه الأستاذ اليوم هو الاكتظاظ، “ 60 تلميذا في القسم يُعتبر اعتداءً نفسيا يدخل في إطار جملة الاعتداءات اللفظية وحتى الجسدية التي يتعرض لها يوميا”. وأشار مريان أيضا إلى مشكل “الصلاحيات” الذي أصبحت الوزارة تتحجج به للتنصل من مسؤولياتها في السنوات الأخيرة، فأهم مطالب مستخدمي القطاع أصبحت تتجاوز صلاحيات الوزارة، رغم أنها المخولة الوحيدة أخلاقيا وقانونيا بمعالجة مشاكل موظفيها مادامت تعترف بوجود نقائص، على غرار ملف منح الجنوب الذي تبنته الوزارة باعتباره مطلبا مشروعا وحقا مكتسبا، لكنها عجزت عن تلبيته، “فالمطلوب من الوزارة اليوم قرار شجاع إما بتحيينها وفق الأجر الأساسي الجديد أو إلغائها نهائيا”. وبصفة عامة، فإن وزارة التربية مطالبة اليوم بتحديد الطبقة الاجتماعية للأستاذ قبل التفاوض حول الزيادات في راتبه الشهري، بعيدا عن الممارسات العشوائية، ونبه محدثنا السلطات العمومية إلى أن القفزة التي سيحدثها قرار إلغاء المادة 87 مكرر في الأجر الوطني المضمون، ستحدث فجوة كبيرة بين أجور الموظفين في مختلف الرتب، وستفتح الباب واسعا أمام احتجاجات ستهز جميع قطاعات الوظيف العمومي بمجرد دخول القرار حيز التنفيذ. رئيس الاتحاد الوطني لجمعية أولياء التلاميذ يخاطب النقابات “قاضوا وزارة التربية وكفوا عن الإضرابات” أكد رئيس الاتحاد الوطني لجمعية أولياء التلاميذ أحمد خالد، “إن الإضرابات اللامتناهية التي يشهدها القطاع لن تأتي بأي جديد، لأن هم هؤلاء الوحيد هو رفع أجورهم وأوضاعهم الاجتماعية لا غير”. ودعا أحمد خالد النقابات للتعقل والتفهم قبل أخذ أي قرار جريء، ناصحا إياها باللجوء إلى العدالة إذا رأت نفسها على حق، وترفع قضية على وزارة التربية حتى تسترجع حقوقها، فنحن كجمعية أولياء التلاميذ “لن نسكت على مثل هذه المشاكل التي يدفع ثمنها التلميذ فقط لأنه الضحية الوحيد، كما أن الإضرابات تسيء إلى العلاقة القائمة بين التلميذ والأستاذ من جهة، وبين أولياء التلاميذ والشركاء الاجتماعيين من جهة أخرى”، وأضاف “نظن أن الوزيرة الحالية لديها نية للنهوض بالقطاع ومعالجة المشاكل والملفات العالقة، وذلك يتجلى من خلال فتحها أبواب الحوار مع النقابات ومعنا كأولياء والاستماع لانشغالاتنا، وأدعو النقابات إلى ضرورة إعطاء فرصة للوزيرة، ومنحها مهلة زمنية لأنها جديدة في القطاع، حتى يتسنى لها الاطلاع على الملفات العالقة، حتى تتحكم فيها وتتأقلم مع القطاع بشكل جيد”.