كان المشهد مأساويا وأجواء الحزن تملأ المكان، لم يكن هناك من يملك القدرة على الكلام أو التصريح، فالكل تحت صدمة خبر العثور على جثة الطفل أنيس برجم، صاحب 5 سنوات، أول أمس، بحي الكوف في ميلة في حالة متقدمة من التعفن. وجدنا الجد محمد بوحبيلة منزويا تحت شجرة قرب منزله بالكوف وحيدا لا يكلم أحدا، واعتذر عن أي تصريح حول ظروف وفاة واكتشاف جثة حفيده، ولم نتمكن سوى من الاستماع إلى كلمات مقتضبة وبنبرة حزينة من جد والدة الضحية، الذي كان قابعا هو الآخر غير بعيد عن داره، حيث قال: “حسبي الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون”. حاولنا الاقتراب من الجيران، لكن بدورهم لم يكن لديهم ما يقدمونه من معلومات والكل متكتم حول ظروف اكتشاف الجثة وملابسات وفاة أنيس. وبعد محاولات عديدة، تمكنا من الاتصال بأحد أخواله الذي كان رفقة والدي أنيس في المستشفى الجامعي بقسنطينة، وأخبرنا بأنهم تعرفوا على الجثة من خلال الملابس التي قدمت لهم، وقد منعوا من الدخول إلى المستشفى بحجة أن الجثة مشوهة وملامحها غير واضحة. وفي محاولة أخرى لمعرفة ظروف وفاة أو العثور على الجثة وسط تكتم شديد من مصالح الأمن التي واصلت صباح أمس البحث عن الأدلة المادية التي تمكنها من فك خيوط الحادثة الأليمة، التقينا بعم أنيس الذي حضر إلى مكان العثور على الجثة، غير أنه اعتذر هو الآخر عن التصريح بأي معلومة مكتفيا بالقول “لقد تم التعرف على الجثة إنها لأنيس”. دخلنا البستان الذي وجدت فيه جثة أنيس، وهو عبارة عن بستان مهجور ومهمل، به مجرى مائي لمياه الصرف الصحي وتتجمع به الأوساخ والقاذورات وحتى الفئران. وحسب شهود من عين المكان، عثر على الجثة وسط أشجار القصب بمحاذاة مجرى المياه القذرة، وكانت في حالة متقدمة من التعفن، وهو المكان الذي خضع عدة مرات لعمليات تمشيط واسعة النطاق. والد أنيس: “أنيس مات.. وعزائي توقيف المجرمين” المشهد كان مؤثرا، حيث بقي بيت جد أنيس فارغا بعد أن تنقلت كل العائلة إلى قسنطينة وشلغوم العيد، حيث مقر إقامة والد أنيس أحمد برجم، ولم نشاهد سوى النسوة اللائي حضرن للعزاء يعدن أدراجهن لأنه لا أحد بقي بالمنزل. وبشلغوم العيد، كان منزل والد أنيس يعج بالمعزين وسط أجواء من الحزن والألم والحسرة بعد العثور على جثة أنيس. الأم تحت الصدمة تندب فقيدها والوالد يستقبل المعزين بأعين دامعة وقد رفض التصريح بأي كلام حول ملابسات وفاة ابنه وفلذة كبده، مكتفيا بالقول: “لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نملك ما نقول سوى إنا لله وإنا إليه راجعون”. وأضاف: “مات أنيس والأهم الآن هو الكشف عن المجرمين الذين يقفون وراء وفاته”. لا كلام في شلغوم العيد وميلة سوى ما يدور عن نهاية الطفل أنيس، وقد خيم الحزن والأسى على كل شوارع مدينتي ميلة وشلغوم العيد والكل يتحسر على الضحية، كما أعرب عن ذلك بعض الجيران والمواطنين، حيث قال أحدهم: “المجتمع كله مسؤول عن مثل هذه الجرائم وينبغي وضع حد لهذه المآسي التي تضرب فلذات أكبادنا”. بالموازاة مع ذلك، نشطت مواقع التواصل الاجتماعي وراحت تنشر صور الطفل أنيس رحمه الله وتبعث بعبارات التعازي للعائلة مع عبارات التضامن. وتعيش ميلة وشلغوم العيد الحداد، حيث أمضى سكان المدينتين يومهم، أمس، في انتظار الجثة والحضور لعملية الدفن التي من المحتمل أن تتم اليوم الثلاثاء بمقبرة شلغوم العيد.