قال رئيس برلمان عموم إفريقيا، روجر آنكودو دانج، إنه لإنجاح سير هيئة مثل البرلمان الإفريقي، يتعين أن تكون هنالك دول “محرِّكة” لضمان السير الحسن للبرلمان، والجزائر من بين هذه البلدان، وأنه في حالة مصادقة الجزائر على بروتوكول 2014 ودعوتها للدول الأخرى للمصادقة، فإن ذلك سيعد مؤشرا جيدا لمصلحة هذا البلد الذي يولي اهتماما للبرلمان الإفريقي، مضيفا في حوار مع “الخبر” “إذا عدنا للوراء ولاحظنا ما وضعه آباؤنا في إطار مشروع الوحدة الإفريقية، وإذا انغمسنا في التاريخ، فهذا كفيل باستخلاص العبر وتطوير القارة الإفريقية”. هل تعتقدون بأن البرلمان الإفريقي يعكس مستوى من النضج الديمقراطي في القارة الإفريقية؟ البرلمان الإفريقي تأسس في 2004 منذ حوالي 12 سنة، وبالتالي فإننا لم نصل بعد إلى النضج الديمقراطي، هذا النضج يتحقق على المستوى الدولي في ظرف زمني أطول، ولدى أغلب دولنا في حدود 18 سنة على الأقل، ولكنني أعتقد أن البرلمان الإفريقي يقوم بأولى خطواته باتجاه النضج السياسي والديمقراطي، ونحن الآن بحاجة إلى دعم كافة الدول الأفارقة للسماح لهذه الهيئة بأن تعالج وتدرس المشاكل الحقيقية التي تواجهها القارة الإفريقية، الأولوية كانت تكمن في إعادة تنظيم الإدارة، فالبرلمان الإفريقي لم يكن يمتلك إدارة بأتم معنى الكلمة والأمانة العامة لم تكن تلعب دورها، ولكن نحن محظوظون باختيار شخص جزائري له من السمعة والكفاءة ما يساهم في دعم الهيئة، وقد أسندت له مهمة اعتماد إدارة حقيقية تكون في خدمة البرلمان الإفريقي، وقد أثار انتخاب الأمين العام الجزائري الكثير من الجدل، ويتعلق الأمر بالبروفيسور مراد مختاري، لذلك يتعين عليه ألا يخطئ وإن كانت مهامه صعبة، إذ يحتاج البرلمان إلى إصلاحات معمقة على المستوى الإداري للاستجابة إلى تطلعات المكتب الجديد. أما الأولوية الثانية فتتعلق بالمصادقة على البروتوكول المعدل في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية، وهو قرار اتخذه رؤساء الدول الأفارقة سنة 2014، وتتطلب الاتفاقية 28 مصادقة، ولكن لحد الآن لم تصادق عليها سوى دولة واحدة هي مالي، وهذا يطرح مشكلا حقيقيا، إذ لا يسعنا في الوقت الراهن الذي تواجه فيه أغلب البلدان الإفريقية مشاكل مالية، الاستمرار في رفض المصادقة على منح الصلاحيات التشريعية للبرلمان الإفريقي لكي يستطيع بذلك العمل لمصلحة الشعوب الإفريقية، وتبقى المجالات التي يمكن أن يعمل البرلمان الإفريقي في إطارها متعددة، ولكنها لا تمس بأي حال من الأحوال سيادة الدول، وأكثر من ذلك مجال صلاحيات البرلمانات الوطنية، إذ يمكن تحديد التشريع في المجالات التي تمس كل القارة الإفريقية، على غرار مشاكل الهجرة والإرهاب، وهي قضايا يمكن للبرلمان الإفريقي أن يدرسها ويبُتَّ فيها لمصلحة الدول والشعوب الإفريقية في آن واحد. على ذكرك الجزائري مراد مختاري، كيف تنظرون إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر في برلمان عموم إفريقيا؟ الجزائر اليوم دولة كبيرة نعول عليها، ونحن نطلب دوما الدعم الجزائري، ولإنجاح سير هيئة مثل البرلمان الإفريقي يتعين أن تكون هنالك دول “محرِّكة” لضمان السير الحسن للبرلمان، والجزائر من بين هذه البلدان، والجزائر تضمن حاليا رئاسة الأمانة العامة للبرلمان، وهي من أهم ركائز الهيئة، ونعتقد بأن الجزائر بإمكانها أن تلعب دورا هاما على هذا المستوى، كما نعتقد بأنه في حالة مصادقة الجزائر على بروتوكول 2014 ودعوتها للدول الأخرى لاتباع نفس القرار أي المصادقة، فإن ذلك سيعد علامة إيجابية ومؤشرا جيدا لمصلحة هذا البلد الذي يولي اهتماما للبرلمان الإفريقي. هناك العديد من الأدوات القانونية التي لم يتم المصادقة عليها بعد، ولكن الأكثر إلحاحا في نظرنا هو البروتوكول المعدل لمالابو الذي يعطي للبرلمان الإفريقي الصفة التشريعية، وهناك أيضا بروتوكول مابوتو المتعلق بتمثيل النساء، وأعتقد أنه إذا منحت للبرلمان الإفريقي صلاحيات تشريعية فإنه يمكن أن يلعب دورا أكثر فعالية فيما يتعلق بالمصادقة على القوانين والأدوات القانونية الخاصة بالبرلمان الإفريقي أيضا، هذا الأخير يبقى هيئة للاتحاد الإفريقي وهو يدعم رؤيته. ما موقف البرلمان من قضية تقرير المصير في الصحراء الغربية؟ من منطلق الدعم الذي يقدمه البرلمان الإفريقي لرؤية ومواقف الاتحاد الإفريقي، فإنه يدعم مبدأ تقرير المصير بالنسبة للشعب الصحراوي، ولا يغير بذلك الموقف الذي اتخذه الاتحاد الإفريقي بخصوص قضية الصحراء الغربية. ماذا عن قضية الفساد وتهريب الأموال وهي ظاهرة تعاني منها القارة الإفريقية؟ أعتقد ان البرلمان الإفريقي يمكن أن يلعب دورا مؤثرا وأن يكون فعالا في مثل هذه القضايا، لاسيما ما يتصل بمسألة التدفقات غير الشرعية لرؤوس الأموال التي يتم تهريبها إلى الملاذات الجبائية، والتي تحرم القارة من وسائل التنمية، فمثل هذه المجالات يمكن فيها الاستعانة بالبرلمان لتقديم موقفه وتصوره، ولمواجهة الهجرة أو محاربة تهريب الأموال يجب أن يكون للبرلمان الصفة التشريعية ليتمكن من التصويت على قوانين تصبح ملزمة لكافة البلدان، بما في ذلك ظاهرة الرشوة والفساد التي أضحت مرضا بل وباءً ينخر جسم كل القارة الإفريقية، الأمر نفسه ينطبق على تهريب رؤوس الأموال، ويمكن أن ينطبق على عدة مسائل تخصنا مثل تصدير المواد الأولية الخام، بينما لدى دول القارة الإفريقية الحاجة في أن تحولها محليا لتحقيق فائض قيمة وتوفير يد عاملة إضافية، كل هذه انشغالات يمكن معالجتها على مستوى البرلمان الإفريقي إذا كانت لديه صفة الهيئة التشريعية، لأن ذلك يمكن أن يساعد القارة الإفريقية في توضيح الرؤية. لماذا لم تلعب مبادرة “نيباد” الدور الذي كان منتظرا، وماذا عن مشاريع الاندماج الاقتصادي والسوق الإفريقية المشتركة أو منطقة التبادل الحر؟ “نيباد” يلعب دوره، ولكن للأسف تبقى كل الهيئات على شاكلة وضع الاتحاد الإفريقي، فقادة الدول والرؤساء هم وحدهم المخولون باتخاذ القرار، فإذا ارتأوا أن يعطوا دفعا ونفسا جديدا يمكن للمشروع أن يتقدم، ولكن إذا ترددوا في القيام بذلك فسنجد أنفسنا أمام انسداد كالذي نحن عليه الآن، إذ كيف يمكننا أن نتخيل أن يتخذ قرار في مؤتمر قمة رؤساء الدول، ومع ذلك تواجه صعوبة لتتبناها البلدان وبرلماناتها؟ هذا الوضع يطرح إشكالا حقيقيا، ومع ذلك فإننا نؤمن بالاندماج الاقتصادي والسوق المشتركة في إفريقيا كما كان يتصوره آباء مشروع الوحدة الإفريقية، إذ نؤمن بالمصير المشترك سواء أكنا في شمال أو جنوب أو شرق أو غرب إفريقيا، فنحن أفارقة وملزمون بأن ننفتح على بعض، وإن كان تتوجه إلى الدول الغربية لدى بعض بلداننا الإفريقية حاليا أسهل من التوجه إلى دولة إفريقية. واجبنا الأول المساهمة في رفع الحواجز التي تمنع حرية تنقل الأشخاص والسلع، ومن أولى معاركنا أيضا مواجهة الإرهاب الذي يتسبب في خسائر جسيمة مادية وبشرية لشعوب أملها الوحيد أن تعيش في سلام، لذا وأمام تهديد شامل يتطلب الأمر استجابة وجوابا مشتركا وجماعيا، فالمطلوب من الدول الإفريقية أن تعي خطورة الأمر وأن تتفق حول عدد من التحديات والمشاكل التي تواجهها، وأن تعمل على معالجتها جماعيا للسماح للقارة بأن تنمو وتتطور، وإذا تم ذلك فستلاحظون بأن مشكل الهجرة ومشاكل الشباب ستجد حلولا، وإذا تم تشجيع التصنيع والتنمية فإن مليار إفريقي ستتاح له فرصة التنقل وإيجاد فرص عمل حتى ما بين الدول، فالوضع ليس حتمية وليس حلما، صحيح أن تأثير الرأسمالية في الدول التي انغرست فيها كبير، ولكن إذا عدنا إلى الوراء ولاحظنا ما وضعه آباءنا في إطار مشروع الوحدة الإفريقية، وإذا انغمسنا في التاريخ، فذلك كفيل باستخلاص العبر وتطوير القارة.