صدر حديثا عن منشورات ”عالم الأفكار” الترجمة العربية لكتاب مالك بن نبي ”شهادات حول ثورة التحرير”، وضم مقالين هما ”النجدة.. الشعب الجزائري يباد” و”شهادة من أجل مليون من الشهداء”. المقال الأول كتبه بن نبي سنة 1957 والثاني في فيفري 1962. وكان بن نبي قد سلم الوثيقة الثانية لأحمد بن بلة على أساس أن يقرأها علنا خلال مؤتمر طرابلس، ولما لم تحظ بأي اهتمام سلمها بن نبي للأستاذ عمار طالبي بالقاهرة، ليسلمها بدوره للدكتور عبد العزيز الخالدي لنشرها، لكنها لم تنشر وكان لا بد من انتظار صدور مذكرات الرائد لخضر بورقعة ”شاهد على اغتيال الثورة” لتظهر لأول مرة كملحق. جاء في المقدمة التي وضعها الأستاذ الصادق سلام لكتاب مالك بن نبي ”شهادات حول ثورة التحرير”، أن بن نبي كان وهو يغادر فرنسا نهاية أفريل 1956 متوجها إلى القاهرة، يسعى لتحقيق هدفين اثنين، الأول أنه كان يسعى لنشر كتابه ”فكرة الأفرو – آسيوية” برعاية الرئيس نهرو الذي كان على اتصال به بواسطة سفير الهند في القاهرة. أما الهدف الثاني فيتمثل في الاقتراح بأن يكون في خدمة الثورة الجزائرية التي كان يعتقد أنها مهددة من بعض الذين التحقوا بها حديثا، بيد أن قادة الثورة في القاهرة لم يحسنوا استغلال مهاراته ككاتب وكمحاضر. بن نبي شاهدا حذرا ومتشددا وكتب سلام: ”كان بن نبي شاهدا حذرا ومتشددا. طرح في رسالة موجهة إلى غي مولي أسباب الدعم المقدم لنضال الشعب الجزائري من طرف مثقف مسلم ذي نزعة إنسانية مثله. إلا أن الصحف الفرنسية فضلت التعتيم على حججه. لقد كان غالبية المحررين الصحفيين حينها تحت تأثير الدعاية التي روج لها ضباط العمليات النفسية، الذين كانوا يصفون المناضلين الجزائريين ب:الدمويين، الجهلة والمتعصبين”، مضيفا: ”وعقب مجزرة ”ملوزة” يوم 29 ماي 1957 جرى نقاش إعلامي حول القمع في الجزائر، وبالأخص حول تعميم استعمال التعذيب خلال عمليات الاستنطاق. وسط هذه الظروف، قام مالك بن نبي بتحرير نص ”النجدة.. الجزائر”، ونشره على حسابه، كما تكفل بتوزيعه بلغات عدة. ووضع للنسخة العربية عنوان: النجدة.. النجدة الشعب الجزائري يتعرض للإبادة”. لم يكن بن نبي، حسب الصادق سلام، ضحية الوهم بخصوص النظام الاستعماري. ففي كتابه ”شروط النهضة” كان يرى أن ”الاستعمار لم يأت لكي يُحدث التطوير”. وفي ”وجهة العالم الإسلامي” وصفه بالنظام الشمولي، وقام بالربط بين ”النازية المعادية لأوروبا” وبين ”الاستعمار المعادي للنزعة الإنسانية”. وعقب اغتيال المناضل التونسي هادي شاكر، قام بن نبي بربط وتشبيه التاريخ الاستعماري، بالأخص بعد المجازر الجماعية لماي 1945 بمقاطعة قسنطينة، ”بتتابع الحلقات الدموية”. وفي كتابه ”فكرة الأفرو آسيوية”، عاتب أوروبا على كونها أسست علاقتها مع المستعمر على القوة الفظة، وعلى كونها لم تسع أبدا لوضع حد أدنى من الثقة. وفي هذا الكتاب نفسه الذي اعتبره بطرس غالي مرجعا ذا نزعة إنسانيه، اندرج بن نبي ضمن المرحلة ما بعد الكولونيالية وأشار لرسالة أبو الكلام آزاد الذي كانت له معه علاقات عبر المراسلة. وكان وزير التربية الهندي، وهو من أصول إسلامية، قد اقترح على الشعوب التي خضعت للاستعمار اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب ”حلول حقد الصغار محل حقد الكبار”. فرنسا وسياسة القمع ويرى سلام أنه بالنسبة لمالك بن نبي تترجم مسألة فظاظة القمع الاستعماري في الجزائر تغييرا من حيث درجته وليس من حيث طبيعته. بيد أن وحشية ”التهدئة” كانت تخدش الإنسانية التي باسمها كان بن نبي يحذر من كل استياء. وكتب سلام في المقدمة: ”وفي إدانة بلا نداء سنة 1957، اختصر بن نبي مساوئ الاستعمار، ولم ينس التوجيه الديني الذي تم الاحتفاظ به رغم تقديس مبدأ اللائكية: ”على المستوى الأخلاقي، أحدث الاستعمار تنظيما للعبادة؛ حيث وضع كل الشعائر الدينية للمسلمين تحت رقابة الإدارة الاستعمارية”. وانطلاقا من قاعدة الجرائم الفظيعة التي روجت لها وسائل الإعلام - إبادة مشتتين بالقرب من ”فليب فيل” (سكيكدة) عقب 20 أوت 1955، وإعدام فتاة بالقرب من رضيعها- شرع بن نبي في ذكر سياسة القمع التي تخوضها فرنسا في الجزائر بالاسم. لقد حدد مواقفه وفقا لفئات القانون الدولي (جرائم الحرب، جرائم ضد الإنسانية، إبادة) وبالأخص انطلاقا من مصطلحه المفتاح، وهو الحضارة، حيث كتب بن نبي ”أؤمن بالحضارة مثل إيماني بحماية الإنسان، لأنها عبارة عن حاجز بينه وبين البربرية. لكننا لا نعثر اليوم في السياسة الفرنسية على الحاجز الذي يفصل بين الإنسان وبين الغاشم”. وكتب كذلك: ”يملك غي مولي وحشه، وهو المظلي، والدركي، وجندي اللفيف الأجنبي، وعضو الميليشيا..، هؤلاء يصقلون طرقه ويتفوقون في ”فن نزع اللحم البشري، وكل الآلام التي تتضمنها”. (....) الذين حولوا الجزائر إلى ”حلبة للوحوش التي أطلقتها الحضارة”، يقودون حملة ”قمع وحشي”. لكن هذه ”ليست عمياء، فهي ترى أهدافها جيدا” و”الأهداف التي من أجلها صُلب الشعب الجزائري هي أهداف الحلف الأطلسي و”أوروبا الإفريقية”. من خلال هذا الانحراف الدموي ”للحضارة”، يرى بن نبي ”نقضا صارخا للقيم الفرنسية والمسيحية”. وكتب ما يلي: ”والمسؤول المرئي عن هذه البشاعة هو العسكري طبعا: ”نشاهد بذلة العسكري الذي يقتل، الآلة العسكرية التي تسحق”. لكن ”صخب الفظ يُنسي حسابات المتوحش”. و”ننسى المتوحش الذي يسير الإبادة من مكتبه الوزاري”. خلافات مع قادة الثورة وفي مقال ”شهادة من أجل مليون من الشهداء” الذي كتبه مالك بن نبي في فيفري 1962، اقترح فيه ضرورة أن يعرف الشعب الجزائري بحقائق الثورة، وأظهر فيه خلافاته مع قادة الثورة بخصوص العديد من القضايا، منها إنشاء المنطقة المستقلة لمنطقة العاصمة، ورفضه قرارات مؤتمر الصومام التي اعتبرها منافية لبيان أول نوفمبر. كما أبدى بن نبي اعتراضه لفئة السياسيين الذين التحقوا بالثورة بعد 1956، رغم أنه لم يلتحق بالثورة بدوره إلا في نفس العام. وطالب بن نبي بفتح تحقيق في ظروف استشهاد بعض من قادة الثورة، وغيرها من المواقف التي تظهر معارضة بن نبي لقادة الثورة في ما يتعلق بتسيير الثورة. مالك بن نبي. شهادات حول ثورة التحرير. تقديم الصادق سلام. منشورات ”عالم الأفكار. 2016.