سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إسرائيل تُدرّس فكر ابن نبي في جامعاتها ونهضة تركيا وماليزيا قامتا على نظرياته مُفكرون وأكاديميون وباحثون وسياسيون يستذكرون فيلسوف الحضارة في ندوة "الشروق"
أفنى حياته لمعالجة مشكلات الحضارة، ألهمته المدرسة القرآنية والباديسية، فأنار درب شعوب عانت بشاعة الاستعمار، أصلح نظريات الغرب القائمة على العنصرية والمادية، داعيا الجزائريين والمسلمين لتأسيس حضارة عالمية إنسانية تؤثر وتتأثر، فلُقب بفيلسوف الحضارة... إنه المفكر الجزائري والعلامة مالك بن نبي، الذي بقي تنظيره دون تطبيق... ففي وقت أهملت الجزائر أفكاره المؤسّسة لدولة صلبة، ارتقت بنظرياته دول كثيرة أهمها ماليزياوتركياوإيران وحتى إسرائيل....في ذكرى وفاته ارتأى مجمع "الشروق" وكعادته في تكريم جهابذة الفكر والدين والثقافة والسياسة، تخليدا لمآثرهم، التطرق لبصمات ابن نبي في تاريخ الجزائر والفكر العالمي، فحضر الندوة التكريمية مفكرون وسياسيون وإعلاميون وأساتذة جامعيون وطلبة، كرموا الفيلسوف بمداخلات ونقاشات مهمة. تحسّر المشاركون في ندوة "الشروق" التكريمية للفيلسوف الجزائري مالك بن نبي التي استضافها فندق السلطان بحسين داي، من باحثين وأستاذة وجامعيين وسياسيين على تهميش فكر الرجل العظيم، وعدم الاعتراف بعظمته، رغم وزن أفكاره التي جاءت في شكل نظريات متسلسلة تؤسس لحضارة متطورة نظريا، كانت تنتظر التطبيق على أرض الواقع من أتباعه وتلامذته، ومن الطبقة الحاكمة في الجزائر، وهو ما لم يحصل. فأصبح الفيلسوف مالك بن نبي مجرد رقم يُذكر في قائمة المفكرين النوابغ لا غير، لكن دولا أخرى رأت في أفكار ابن نبي ما لم يره الجزائريون والعرب، وأقرت له بلقب فيلسوف الحضارة، فانطلقت من أفكاره النظرية لبناء دولة إسلامية وعصرية وقوية، على غرار تركيا، ماليزيا، إيران، وحتى إسرائيل تدرس فكر ابن نبي في جامعاتها، مثلما اعترف به المشاركون في ندوة"الشروق" . واستغرب الحاضرون، ظاهرة غياب الندوات والملتقيات الفكرية والدينية، التي كان يشرف على تنظيمها المجلس الأعلى الإسلامي، والتي كانت تساهم في تنوير المجتمع الجزائري وتثقيفه بمختلف أفكار علماء وعظماء الجزائر، وشهدت ندوة "الشروق" نقاشا ثريا بالأفكار بين الحاضرين، تطرق في مجمله لإشكالية غياب آليات لتطبيق نظريات مالك بن نبي على أرض الواقع.
الباحث بن عمارة عبد الرحمان: بن نبي ناضل ضد فكرة استيراد الشعوب للحضارة تطرق المتحدث في مداخلته، للمفهوم العميق للحضارة عند مالك بن نبي، فالمفكر عاش في بلد مُستعمر في القرن 19، فوقتها ساهم المحتل في نشر تفكير عنصري صنعه الغرب، والذي كان شعوبه يعتقدون أن الإنسانية مقسمة لأجناس عليا وسفلى، الأجناس العليا تتمثل في الشعوب الغربية، والتي يسمح لها تكوينها بقيادة الأجناس السفلى، التي عليها الطاعة فقط، وحسب مداخلة الباحث عمارة، المفكر بن نبي لم يقتنع بالنظرية، وكان يعتبر المسلمين الأحسن عالميا، فعكف على دراسة التاريخ لكشف خطأ النظريات الغربية، فأخذ فكرة دورة الحضارات عن ابن خلدون لما تحدّث عن الحكم السياسي، معتبرا أن الحضارة تعيش مرحلتين، مرحلة الازدهار ومرحلة أخرى للانحطاط، لكن بن نبي عمّم فكرة ابن خلدون على جميع أوجه الحضارة وليس على الحكم السياسي فقط. تطرق المؤرخ، لاهتمام ابن نبي، بدراسة النظريات الغربية وإعطاء إجابات واضحة لاستفساراتها وتناقضاتها، فدرس نظرية نيتشة حول العودة الخالدة، وأعطى بُعدا دينيا للنظرية الماركسية، ولأن المفكر الغربي توينبي لم يفسر في نظريته أسباب نجاح وفشل حضارات حسب ابن نبي، فسرها الأخير من منطلق ديني، أما المفكر شبنغلر الذي قسم الثقافات العالمية لثمانية أصناف، تنهار لما تصل إلى درجة عليا في الفن والعلم والإبداع، فخالفه مالك ابن نبي، مؤكدا أن انهيار الحضارات لا توقيت معين له، وأن الدفعة الروحية الإسلامية، هي ما منحت الحضارة الإسلامية خزانا كبيرا من الروحيات سمح لها أن تدوم ل 6 قرون. كما امتلك بن نبي يقول الباحث رؤية مستقبلية، وكان دائم التساؤل: هل للمسلمين إمكانيات لتجديد دورة حضارية جديدة؟ فانطلق المفكر في نظرياته من دراسة الظاهرة القرآنية التي اعتبرها هي عقيدة صحيحة، لكنها أضاعت فعاليتها رغم بقاء أصالتها، وهو ما جعله ينصح بإعطاء الإسلام فعاليته، وللأسف حسب المتحدث الحضارة الآن أصبحت تشترى بالمادة والبترول، رغم أن ابن نبي كان ضد فكرة استيراد الحضارة. عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية هشام شراد: بن نبي مفكر عالمي رافع لحوار الحضارات لكنه ظل مجهولا تساءل عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، هشام شراد، عن غياب الملتقيات الفكرية والدينية التي كان لها دور كبير، والتفاتة لكبار وعظماء المؤرخين الذين ساهموا في التنظير بأفكارهم لا تزال لحد الساعة دون تطبيق. قدم الأستاذ الجامعي، مالك بن نبي، على أنه "رجل التسامح والشخص المنفتح على الشعوب والحضارات الأخرى"، الذي لم يجد عيبا في تعايش المسلمين مع المسيحيين، وهي ميزة مهمة ظهرت في كتابات ومقالات مالك بن نبي، رغم الاضطهاد الذي تعرض له سواء في بلده المستعمر أو عند رحلاته نحو الخارج في مرحلة ميزها تطرف الأنظمة الغربية كالفاشية والنازية. عرّج المتحدث في مداخلة له عاد فيها إلى أهم إنجازات المفكر الجزائري مالك بن نبي، التي حفرت في سجله التاريخي كمعارضته لفكرة انقسام باكستان عن الهند وظهر ذلك في كتابه "في مهب المعركة" ليلفت إلى أن الفكرة من صنيع الإنجليز، داعيا الهندوس لتجاوز الصراع، كما يحسب له مساهمته في فك أعمال شغب اندلعت في قسنطينة مع يهود، أين دعا سكان تلك المنطقة إلى حمايتهم، حتى أنه قضى ليلة كاملة تحت منزل أحد اليهوديين بعد أن كان محل تهديد وسرقة. روى شراد الذي بدى متأثرا بفكر مالك بن نبي، ووصفه بالإنساني كونه يختلف عن بقية المصلحين كجمال الدين الأفغاني، محمد عبدو وغيرهم، فكان من بين المرافعين لفكرة العالمية التي ظهرت في القرن 20 ووصفها بالقدر المحتوم وسنن التاريخ، التي وجب على العالم الإسلامي الانخراط فيها حتى لا يكون كيانا معزولا، يكون قادرا على التطور بالمشاركة في بلورة الثقافة العالمية، والخروج من القابلية للاستعمار، المقولة التي جعلته محل انتقاد من طرف عدة جهات على رأسها جمعية علماء المسلمين، ومن بين الأفكار التنظيرية عند مالك بن نبي أن الانقسام عن الغرب لا يقدم شيئا للحضارة، بل كان يرى ضرورة إيجاد محور واشنطن - موسكو وطانجا- جاكرتا، حتى إنه كان من بين المرافعين "لكومنولث إسلامي"، وهي بمثابة هيئة أخلاقية وثقافية، وكذلك لحضارة إفريقية أسيوية تهدف لإرساء نموذج عالمي جديد لكن تطلعاته، وأماله تلاشت بسبب الفكر الاستعماري. من أهم ما كان يقوله المفكر أن الغرب لا يمكنه التأسيس لحضارة إنسانية عالمية بل إمبراطوية عسكرية تبسط هيمنتها على العالم، وأن الإسلام الوحيد القادر على تركيب الحضارة البشرية بعد إفلاس جميع الاديولوجيات والديانات الوضعية والسماوية.
تلميذ ابن نبي الباحث سعيد مولاي: أفكار ابن نبي أسّست لحضارة لم تجد من يطبقها في الجزائر عاد سعيد مولاي، تلميذ المفكر والفيلسوف الإسلامي مالك بن نبي بالحاضرين في ندوة "الشروق" إلى أفكار الرجل التي صالت وجالت العالم، والمؤسسة لبناء الدولة والحضارة، وأخذت بها الدول التي تعيش اليوم نهضة وازدهار في بلدانها، لكنها ظلت للأسف مهمشة في الجزائر، وغير "صالحة للاستعمال" بسب عدم وجود إرادة سياسية حقيقية، على حد وصفه، أكثر من ذلك أن مالك بن نبي، ظل شخصا مجهولا عند عامة الجزائريين. قال سعيد مولاي، في مداخلته أن أستاذه مالك بن نبي، عاش طيلة حياته من أجل شيء واحد، وهو معالجة مشكل الحضارة، فتفرغ للدراسات والتأمل والنظر في المجتمع الإسلامي، مبرزا دور"الفكرة الدينية" في تطوير الحضارة، وتغييرها وعدم اضمحلالها، تاركا وراءه زخما من الأفكار البناءة لدولة حضارية ونهضة عالمية. اعتبر مولاي، أن السر وراء أفكار مالك بن نبي، ولادته في القرن العشرين في بلد مستعمر من قبل فرنسا، وسقوط الخلافة العثمانية، ليكون بذلك شاهدا على تخلف وجهل أمته الإسلامية، الأمر الذي دفعه للبحث في الأسباب الحقيقية لتطور الحضارة وسقوطها، وساعده في ذلك تكوينه في المدرسة القرآنية والباديسية والديكارتية الفلسفية، التي جعلته رجلا عقلانيا، بالإضافة لتشبعه بدراسات وأفكار ابن خلدون، وهو ما جعل أفكاره امتدادا للأخير، ليتساءل عن دور الدين في تأسيس الحضارة، وقبلها عن ماهية الحضارة ونشأتها وأسباب النهضة، ليتوصل - حسب قول تلميذه- إلى أن الحضارة هي مجموع ثلاث عوامل،"الإنسان، التراب، والوقت". قدم مالك بن نبي، نظرته في الحضارة والتي لها وجهان، الأولى ترتكز على الفكرة، وذلك عندما ينظر الإنسان إلى السماء، والثانية شيئية ينظر بها الإنسان إلى الأرض، وتوصل مالك بن نبي بفضل دراساته، إلى أن العامل الديني قاعدة علمية معترف بها في الإيديولوجيات والنظريات الوضعية أيضا، وانتقد ضيف ندوة "الشروق"، تضييع الأمة الإسلامية ومنها الجزائر، لأفكار رجال عظماء أمثال مالك بن نبي، والتوجه نحو ما أسماه "بحضارة البطون وما تحتها "، في وقت كان علينا جميعا الإقلاع نحو السماء والتأسيس لحوار فكري، حسبما ختم المتحدث مداخلته.
القيادي في جبهة التحرير عبد الرحمان بلعياط: تتلمذتُ على ابن نبي وتعلمت منه الجدية والصرامة أكد بلعياط بعد فتح باب النقاش، أنه كان من طلبة المفكر مالك بن نبي خلال فترة الستينات، حيث قال "... كان يستقبلنا بمنزله، التحق بنا نور الدين بوكروح وكان طالبا بثانوية عمارة رشيد...كنا نتناقش في عدة مواضيع تهم المجتمع والوطن" . وحسب مداخلة بلعياط، فابن نبي كان يتمتع بصفات كثيرة، منها الجدية التي تصل درجة القساوة، وحب تعليم الغير، وسعة الصدر لتعليم الآخرين، وأضاف "تعلمنا منه أنه على المسلم أن يكون في مستوى التحديات، ويبتعد عن فكرة القابلية للاستعمار"، والحل عند ابن نبي حسب قول بلعياط هي "وجوب التعمق في الفكر الإسلامي"، فجاءت فكرة تنظيم ملتقيات "للتعرف على الفكر الإسلامي"، وحسب المتحدث، مالك بن نبي تحدث عن أفكار لم تكن موجودة في عصره، وهو ما جعله يختم مداخلته "علينا الاستفادة من أفكار بن نبي، التي تتمحور حول عدم التنكر للإسلام ولا محاربته، وسيبقى مهما حاربه الغرب بسبب العناية الإلاهية حسب نظريات الفيلسوف مالك بن نبي". إسماعيل أوشيش عضو جمعية العلماء المسلمين: انتشار الفرنسية بالجزائر من أسباب القابلية للاستعمار ركز المتحدث في مداخلته، على مصطلح القابلية للاستعمار الذي كان مالك بن نبي يحاربه، واعتبر أوشيش أن أهم سبب لظاهرة القابلية للاستعمار هي اللغة، حيث قال "ابن باديس كان يعرف اللغة الفرنسية لكنه لم يتكلمها" ليؤكد"كل من يجعل الفرنسية أداة تواصل، أو يستعملها بدون داع، فحتما سيكون قابلا للاستعمار" والحل حسب المتدخل، هو في إلغاء اللغة الفرنسية التي اعتبرها فقيرة كلغة تواصل في الجزائر، محملا السياسيين خاصة حزب الأفلان المسؤولية في نزع هذه اللغة الفقيرة، والتي أصبحت حسب تعبيره "لغة مزدرية"، ليُعقّب عميد كلية العلوم الإنسانية بجامعة بجاية هشام شراد، على مناداة عضو جمعية العلماء المسلمين بإلغاء الفرنسية، أن مالك بن نبي تحدث وكتب باللغتين العربية والفرنسية، فكان فيلسوفا مهما في الوطن العربي والعالم أجمع، ولم ينادي أبدا بإلغاء اللغة الثانية، المهم كان لدى المفكر حسب ردّ عميد كلية العلوم الإنسانية هشام شراد"هو المساهمة في تطوير حضارة الشعوب خاصة المسلمة". الإعلامي تهامي مجوري: محاضرون في ملتقى بتلمسان ادّعوا أن فكر بن نبي لم يعد يصلح لزماننا! اعتبر الإعلامي تهامي مجوري، أن ابن نبي لم يمت موتة طبيعية، وحسب قوله "محاولة اغتيال المفكر حيا وميتا كانت حاضرة" والدليل حسبه، أن ملتقا نُظم في تلمسان في ذكرى وفاة المفكر، كاد يقفز على مالك بن نبي الذي اعتبر المتدخلون في الملتقى أفكاره، بأنها لم تعد تصلح لزماننا !!، بن نبي قال "سأعود بعد الألفية الثالثة"، وهو دليل حسب المتحدث، أن أفكار الفيلسوف لم يقبلها الوسط العام آنذاك، وهو ما جعل المفكر يتحدث ساعتها عن ثمانية ثلاثيات، من بينها الفكرة الميتة والقاتلة والصحيحة، ويرى الإعلامي، أن بن نبي كان طموحا، فأسس لمجلة "المنهاج الجديد" لكنها "قُبرت" وأضاف "ماليزيون وأتراك وإيرانيون اهتموا بفكر مالك بن نبي، واسرائيليون يدرسون حاليا أفكاره في الجامعات".
بن عايشة رشيد أستاذ جامعي: غياب الخطاب الإنساني والإسلامي نتجت عنه أفكار مميتة تطرق المتدخل، لتكلم مالك بن نبي عن الانحراف في الشق السياسي، وعن إعادة النظر في التراث الإسلامي، والذي لم يستفد منه الجزائريون، وحسب مداخلة الأستاذ الجامعي، فغياب الخطاب الإنساني والإسلامي من حياة الجزائريين، والذي كان يساهم في وقف الفساد والدعوة لعبادة الله، هو ما جعلنا نعيش اليوم أفكارا مميتة تزرع اليأس والقنوط في نفوس الأفراد.
أساتذة وطلبة من جامعة البليدة ومثقفون: تطبيق نظريات مالك بن نبي بحاجة لإرادة سياسية طالب المتدخلون في ندوة "الشروق" من طلبة علم الاجتماع من جامعة البليدة ومثقفين وأساتذة جامعيين، بتنظيم ملتقيات أوسع لشرح أفكار ونظريات مالك بن نبي المهمة، فحسبهم الجزائر تئن، ولابد من تمجيد رجال الفكر والإبداع الذين يحملون في نظرياتهم وأفكارهم رسالة للمجتمع والوطن، مع الوفاء للفكر الإسلامي الذي تبناه فيلسوف الحضارة. بعض المتدخلين أشاروا أن نظريات المفكرين الغرب دائما مبطنة بالشر، وهدفها بث الفرقة بين المسلمين ولا تزال إلى اليوم على هذا المنهاج، والحل حسبهم، هو في توجيه ثقافتنا نحو البناء وليس القتل، وفي تأسيس جيل البقاء بدل جيل الفناء، عن طريق نشر مناهج إسلامية المعرفة بالجامعات، ومثقفون اعتبروا أن المطلع على كتابات مالك بن نبي، يشعر أنه يتكلم علينا، ".. سواء بعين الإسلامي أو الحداثي"، متأسفين لحال الدولة الجزائرية، التي لم تطبق منذ القدم إلى اليوم أفكار فيلسوفها العالمي، وحتى إنها ساهمت في"موت" اسم مالك بن نبي، لأنها لم تطلق اسمه على مؤسسات ثقافية أو تربوية أو أي مؤسسة أخرى، إلا في حالات قليلة جدا، تاركين غيرهم يستفيدون من فكر ابن نبي، والمسألة حسبهم، مسألة إرادة سياسية، لأن محمد مهاتير كان رئيس حكومة لما استفاد من فكر ابن نبي وجسده على أرض الواقع، وهو ما جعلهم يخلصون إلى أن الفكرة لا تنجح حسب قول بن نبي، إلا بأمرين "قلم العالم وسيف السلطان". واستغل بعض المتدخلين تواجد رجل السياسة عبد الرحمان بلعياط في الندوة، ليوجهوا له سؤالا "أين بصمة بن نبي فيما توليت"، متأسفين لأن تلامذة مالك بن نبي، وتحديدا من السياسيين هم من أهملوا فكر معلمهم، وتطرق المتدخلون لنقطة مهمة، متعلقة بتوقيف ملتقيات الفكر الإسلامي في الجزائر، وحسبهم الجزائر خسرت لما أوقفت هذا النوع من الملتقيات، ليس فقط على المستوى الرسمي والشعبي وعلى مستوى النخبة، لأن الملتقيات كانت بمثابة الجامعة المتنقلة ذات المستوى العالي.
الجزائر أهدت العالم عبقريا لكنها لم تستفد منه مالك بن نبي.. فيلسوف الحضارة الذي لا يزال مشروعه معلّقا بقلم: تميم ولد مالك بن نبي رحمه الله سنة 1905 بقسنطينة ثم انتقل مع عائلته إلى تبسة. التحق بالكتّاب كعادة كل الجزائريين قبل سن التمدرس، ثم التحق بالمدرسة النظامية وانقطع عن الكتاب. وأتم دراسته الثانوية في قسنطينة. وكان مولعا منذ نعومة أظافره بالمطالعة ومتابعة الأحداث السياسية والاجتماعية، مهتما بكل ما يتعلق بقضايا الهوية الوطنية. وكان يتابع دروس الفقه واللغة والنحو في الجامع الكبير عند الشيخ ابن العابد، ابتداء من الساعة السابعة صباحا قبل الالتحاق بالثانوية. كما كانت له اهتمامات أخرى بعد ذلك وهي الانشغال بقضايا الإصلاح وثورة الريف، التي قادها عبد الكريم الخطابي.. وكل ذلك كان في وسط عائلة فقيرة لا تقوى على سد حاجاته. ولذلك لما تخرج ابن نبي من الثانوية أول ما جوبه به هو الحاجة، فاتجه نحو البحث عن عمل، فعمل في محكمة آفلو وعمل في شلغوم العيد وجرب الشراكة في عمل تجاري. وبقيت هذه الحالة تطارده إلى آخر حياته، عندما كان يعاني من العجز في تمويل طبع كتبه. مع بداية الثلاثينيات، وكان عمره 25 سنة، انتقل إلى فرنسا لإتمام تعليمه في "معهد الدراسات الشرقية"، لكنه لم يوفّق، فاتجه إلى الدراسة في معهد اللاسلكي، الذي تخرج منه مهندسا في الكهرباء، خلافا لاهتماماته الفكرية وانشغالات كواحد من أبناء المستعمرات، وتزوج بفرنسية أسلمت وتسمت بخديجة. يذكر ابن نبي رحمه الله أنه أثناء انتظاره نتائج مسابقة معهد الدراسات الشرقية التي شارك فيها ولم ينجح، قام بزيارة متحف للفنون والصناعات، فكانت زيارته إلى هذا المتحف سببا في تحوله الفكري لأول مرة حول الحضارة. وفي خمسينيات القرن الماضي لجأ إلى القاهرة لنشر كتابه "الفكرة الإفريقية الآسيوية في ضوء مؤتمر باندونغ"، ليكون المشروع الاستقلالي للعالم الثالث الإفريقي الآسيوي ولكنه صدم بأن لا أحد من زعماء العالم، والعرب منهم على وجه الخصوص، تبنى هذا المشروع. وبعد الاستقلال عاد إلى الجزائر ليتقلد منصب مدير التعليم العالي، ثم ما لبث أن استقال وتفرغ للعمل الفكري، متنقلا بين بلاد العالم، موسكو، أمريكا، السعودية، بيروت، دمشق... إلخ. توفي مالك بن نبي يوم 31 أكتوبر 1973 ودفن بمقبرة سيدي أمحمد بالحامة بالجزائر العاصمة. مؤلفاته 1. الظاهرة القرآنية 2. شروط النهضة الجزائرية 3. لبيك 4. وجهة العالم الإسلامي 5. الفكرة الإفريقية الآسيوية 6. مشكلة الثقافة 7. الصراع الفكري في البلاد المستعمرة 8. حديث في البناء الجديد في طبعة أخرى بعنوان "تأملات" 9. ميلاد مجتمع 10. مذكرات شاهد القرن: الطفل - الطالب 11. بين الرشاد والتيه 12. دور المسلم ورسالته في القرن العشرين 13. القضايا الكبرى 14. إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث 15. مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي 16. فكرة كومنويلث إسلامي 17. في مهب المعركة 18. المسلم في عالم الاقتصاد 19. آفاق جزائرية 20. من أجل التغيير 21. النجدة 22. معنى المرحلة 23. القابلية للاستعمار 24. العالمية