اختلف العلماء في وقت تحويل القبلة بعد قدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة. فقيل حُوِّلَت بعد ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا كما في البخاري، وأخرجه الدار قطني عن البراء رضي الله عنه قال: صلّينا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرًا نحو بيت المقدس ثمّ علم الله هوى نبيّه فنَزلت “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ” البقرة:144. ففي هذه الرّواية ستة عشر شهرًا من غير شكّ. وروى مالك عن يحي بن سعيد بن المُسَيِّب، أنّ تحويلها كان قبل غزوة بدر بشهرين. قال إبراهيم بن إسحاق وذلك في رجب من سنة اثنتين للهجرة. وقال أبو حاتم البستي: صلّى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرًا وثلاثة أيّام سواء وذلك أنّ قدومه عليه الصّلاة والسّلام المدينة كان يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل وأمره الله عزّ وجلّ باستقبال الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان. ولقد اختلف العلماء في كيفية استقباله عليه الصّلاة والسّلام بيت المقدس على ثلاثة أقوال كما جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي رحمه الله: كان ذلك منه عليه الصّلاة والسّلام عن رأي واجتهاد قاله عكرمة وأبو العالية. وأنّه عليه الصّلاة والسّلام كان مُخيَّرًا بين بيت المقدس وبين الكعبة المشرّفة، فاختار القدس طمعًا في إيمان اليهود واستمالتهم، قاله الطبرني، وقال الزجاج: كان ذلك امتحانًا للمُشركين لأنّهم ألِفُوا الكعبة. وهو الّذي عليه الجمهور وهو رأي ابن عبّاس رضي الله عنهما وغيره من الأئمة، أنّ استقبال بيت المقدس كان بأمر من الله تعالى لرسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم ووحيه لا محالة، ثمّ نسخ الله ذلك وأمره الله تعالى أن يستقبل بصلاته الكعبة. واستدلّوا بقوله تعالى: “وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِع الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ” البقرة:143.