يبدو أنّ دار الغرور تسعف كثيرًا من الخلق بأن يدَّعوا ما ليس لهم، ويظهروا على غير حقيقتهم، ويلبسوا لبوسًا يبدون فيه عراةً، وينتحلون أوصافًا سرعان ما يطالهم الكشف ”يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ” الطّارق:9، لكم رفعت الدّنيا وضيعًا، ونزلت بالشّريف إلى القعر، وكم أتاحت لكذوب أن يزعم الصّدق، ولخائن أن يدّعي الأمانة، ”وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ” البقرة:220، قد تنطلي الحيلة على غرّ، وتمرّ الخديعة على عاجز، بل وتعمى أبصار القانون عن غشّ جلّي، وتعمش العدالة عن ختل له دوي، ولكن هي الدّنيا تقدم المُسوح، وتستر المفضوح، ولكن لأجل قصير، قال أبو العتاهية: أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح فإذا المستور منّا بين ثوبيه فضوح هل تعلّمنا من القرآن أنّ أدعياء الايمان كثُر، وما هم بمؤمنين؟!، ”يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ” النّساء:142، يعلنون ما لا يسرون، ويبدون ما لا يكتمون: إذا ما أنبروا للقول قالوا فأحسنوا ولكن حسن القول خالفه الفعل يرفعون شعار الإصلاح وهم أساس الفساد ”وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ. أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ” البقرة:11-12، وهل تعلّمنا من القرآن أنّ أناسًا يزعمون العلم وقد رُبط الجهل بهم، فيقيمون حيث حلّ الجهل، ويرحلون حيث رحل؟! تصدّروا المجالس وحقّهم التّأخير، ولا يعرفون قبيلاً من دَبير، وتطاولوا على الفتوى وقد أضاعوا طريقها وضلّوا عن سبيلها، فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا، وإذا نصحتهم قالوا: نحن أرباب النّصح، وإذا قُوّموا قالوا: نحن أهل النُّجح، فقد وضعنا للإصلاح خطّته فلا نكاد نخطي، ورسمنا للخلاص جدّته فويل للمبطّي، ولكن هذا عُملةُ زيف، وصَنعةُ حيف، ”وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ”.