هاجم رؤساء الكتل البرلمانية لأحزاب المعارضة مشروع قانون المالية الذي عرضته الحكومة بالمجلس الشعبي الوطني، والذي سيؤدي لإضعاف أكبر للقدرة الشرائية للمواطن، نتيجة جملة الضرائب التي تضمنها حسبهم. وقال رئيس كتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم حمدادوش ناصر أن "أصل هذه الأزمة التي تعترف بها الحكومة، هي أزمةٌ سياسيةٌ بالدّرجة الأولى، وليست مجرد أزمةٍ نقديةٍ أو ماليةٍ أو اقتصادية".
وأضاف حمدادوش أن أزمة البترول "تتعلق بعدم تجديد الاحتياطي منذ عشر سنوات، بسبب ضعف نسبة الاسترجاع (أقل من 20%)، وبسبب ضعف الاكتشافات الجديدة ... وحتى لو ارتفع سعر البترول إلى: 120 دولار فلن تتوازن الميزانية، لأنّ المشكلة ليست في نقص الموارد المالية ولكن العلّة فيمن يسيّرها.
وتابع "هذه الميزانية كلها مبنيّةٌ على خداع الإصدار النقدي، وهو قانونٌ يخضع لنفس ثقافة الرّيع، وحينما تراجع الرّيع الحقيقي (البترول) جِيء بريعٍ وهميٍّ، وهو: التمويل غير التقليدي.... وبالرّغم من هذا الإجراء ومع ذلك لم ترحموا هذا الشّعب بالمزيد من الضرائب والزيادات: أفقيا بكثرتها، وعموديا بارتفاع معدّلها".
وتسائل حمدادوش عن سبب تأخير المصادقة على قانون المالية لسنة 2018م إلى يوم 26 نوفمبر (أي بعد الانتخابات المحلية) وهو ما اعتبره ما "دليلٌ قاطع على حجم المخاطر التي تريدون إخفاءها على الشعب الجزائري في إجراءات هذا القانون، والتوظيف السياسوي، والخوف من العقاب الشعبي الانتخابي ضدّ أحزاب الموالاة".
من جهته قال رئيس الكتلة البرلمانية للاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء بن خلاف لخضر أنه "بعد المآسي الكبيرة التي خلفها قانونا المالية 2016 و2017 وسط المواطنين بسبب الإجراءات اللااجتماعية واللااقتصادية واللادستورية في بعض الأحيان أدت إلى انهيار القدرة الشرائية للمواطن بنسبة 40% وتقنين سياسة نهب المال العام. واليوم وعوضًا أن تصحح الحكومة أخطاءها، ها هي عن طريق ما جاء في مشروع قانون المالية 2018 تعمق الجراح، وتشدد الخناق، وتزيد من حالة الاحتقان الاجتماعي من خلال رفع تسعيرة الوقود بكل أنواعه مرة أخرى".
وتابع بن خلاف أن الدولة "تتجه نحو التخلي النهائي عن الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية، ودعمها للفئات الاجتماعية الهشة، وخاصة في القطاعات المتعلقة بالخدمات والنشاطات المرتبطة بهذه المادة الحيوية مثل: النقل، والفلاحة والمنتجات البحرية الخ.... كما استحدثت الحكومة رسوما كثيرة، مست العقار والاستثمار والاتصالات ورفع جميع الرسوم البيئية. كما قلصت من ميزانية بعض القطاعات الحيوية مثل التربية، والصحة، والتكوين المهني، ورفعت من قيمة التحويلات الاجتماعية بنسبة 7.9% يتقاسمها الفقراء والأغنياء معاً وهذا لتهدئة الجبهة الاجتماعية مع اقتراب موعد 2019".
"وبهذا يصبح قانون المالية قانونَ القضاء والقدر، لتبعيته المطلقة للمحروقات بنسبة 98%، ما تجود به السماء من مطر، أو ما تطبعه الحكومة من أوراق نقدية فاقدة لأية قيمة اقتصادية، لسد العجز في الميزانية المقدر سنة 2018 ب 21 مليار دولار تقريبا" يضيف بن خلاف.
وختم بن خلاف "أمام كل هذا يحق لنا أن نتساءل، هل تستفيق السلطة من غفلتها؟ وهل ستتعظ من أخطائها فتبادر إلى إنقاذ هذا المسار الانتخابي المشوه، بإصلاح المنظومة القانونية وتوكيل هيئة مستقلة استقلالًا حقيقيًا لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها من بدايتها إلى نهايتها؟ الأيام وحدها كفيلة بتقديم الإجابة على ذلك".
بدوه هاجم رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة القوى الاشتراكية شافع بوعيش الحكومة قائلا "ستدخل عهدتنا البرلمانية هذه في تاريخ البلاد كعهدة صوتت خلالها نفس الأغلبية الحكومية، التي تدعى بالأغلبية الرئاسية، في بضعة أسابيع على مخططين حكوميين مختلفين ...بالرغم من أن الحكومة الأولى، كانت قد ادعت مكافحة زواج المال بالسياسة، وكانت قد اتهمت أحد أرباب المال بتبديد المال العام، في حين أن الحكومة الثانية تنقلت لذات رب المال، لتعلن له، أن قيادة الاقتصاد الوطني تكون برعاية القطاع الخاص من هنا فصاعدا".
وأضاف بوعيش "إننا في جبهة القوى الاشتراكية على قناعة تامة، بأنه من غير الممكن أن نناقش مشروع قانون المالية الذي يفترض منه إخراج البلاد من أزمتها، دون أن نتحدث عن الظروف التي تحيط بتطبيقه. فلا يمكن القيام بقراءة محاسباتية و ميزاناتية لهذا المشروع".
وتابع "منظومة الحكم هذه لم تتنبأ بأي شيء، و لم تقدم الحساب يوما ما، و لم تستخلص أي درس من فشلها، و تأتي اليوم لتعلن لنا عن تهديدات تمس أجور الموظفين، و معاشات المتقاعدين، كما جاءت لتكشف لنا عن عجز في الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء، وعن هوة التسيير في شركة سونالغاز، وعن الركود في سوناطراك، و عن عجز في الدفع و عن إفلاس في الأفق، و عن مشاكل أخرى سيعجز حتما التمويل غير التقليدي عن حلّها وبالمرة".
"فالملايير من دولارات الريع أنجبت لنا مليارديرات بحضانة و رعاية عمومية، أي عمالقة بأرجل من طين، وهم صورة معكوسة لأرجل من طين أخرى و هي المركبات الصناعية التي كانت في عهد الاشتراكية و الاقتصاد الموجه... فنفس الأسباب تؤدي لنفس النتائج، فلا يوجد ما يدعو للأمل من تغيير المستهدفين من الخطابات الرسمية، والتي تبشر الأوليغارشيين الذين خلفوا البيروقراطيين، بأن يكونوا هم قاطرة تقدّم البلاد" يضيف بوعيش.
وختم النائب عن الأفافاس "لا يمكن لمشروع هذا القانون أن يخرج بلدنا من مأزق الاقتصاد الريعي، و الزبائني و البيروقراطي، و الذي أنتج انحرافات و فشل "لا نمنكلاتورا" بالأمس، و التي تنتج الأوليغارشيات اليوم".
من جهته قال رئيس رمضان تعزيبت في مداخلته نيابة عن رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العمال جلول جودي أن حزبه يعتبر أن الجزائر "أمام أزمة سياسية بامتياز، لأن بلادنا ليست مفلسة ولا فقيرة بل لها كل الإمكانيات المالية والثروات الطبيعية والثروات البشرية لكي تخرجَ من النفق الحالي بشرط ان تغير السياسة الحكومية".
واضاف تعزيبت "الحكومة التي عجزت عن استرجاع أموال الشعب المنهوبة وعجزت في مكافحة النهب والافتراس ومنحها ل 1.000 مليار دج من إعفاءات ضريبية وغير ضريبية لرجال المال والأعمال دون رقابة ولا محاسبة، قررت مواصلة التهجم على القدرة الشرائية التي عرفت انخفاض قُدر ب 40% جراء إجراءات التقشف المدرجة في قوانين المالية لسنة 2016 و2017".
وتابع "عوض إصلاح ضريبي حقيقي يِؤسس للمساواة بين المواطنين أمام الضريبة، نحن أمام نظام ضريبي غير عادل وظالم، الجزائر ربما البلد الوحيد الذي تشكل مساهمة الأجراء أكبر من مساهمة المؤسسات ،( أي 25% مقابل 15% ) ...للأسف لم نسجل في حزب العمال لا في مخطط عمل الحكومة ولا في مشروع قانون المالية لسنة 2018 إجراءات تَهدفُ إلى الحفاظ على ممتلكات المجموعة الوطنية ولا لوضع حد للافتراس الذي بلغ الذروة في جميع الميادين".
هكذا إجراءات وأخرى ستسمح بعدم اللجوء إلى المغامرة المتمثلة في التمويل غير التقليدي الذي نعتبره في حزب العمال سياسة الهروب إلى الأمام لأن هذا الإجراء سيعمق الأزمة بدل حلها.
كما انتقد تعزيبت جملة الإجراءات التقشفية التي حملها مشروع قانون المالية 2018 والتي تستهدف حسبه "بطريقة عنيفة القدرة الشرائية للمواطن" جراء تجميد الرواتب وتجميد التوظيف وارتفاع الجنوني للأسعار ... في حين تستمر الحكومة بتلبية كل مطالب المستثمرين المزيفين الذين يستفيدون بمئات الملايير دون رقابة ولا محاسبة"، مضيفا أن حزبه يسجل "للمرة الثالثة على التوالي زيادات في سعر الوَقود الذي أصبح الأغلى في الدول المصدرة للبترول.
وحذر تعزيبت من مشروع قانون الصحة الجديد الذي سيلغي حسبه إحدى أعظم مكاسب الاستقلال ألا وهو الصحة المجانية وهذا تمهيدا لخوصصة القطاع وتقليص مساهمة الدولة وتحميل تكاليف العلاج أساسا للصناديق الاجتماعية (CNAS) التي تسّخر حاليا مبالغ مالية تفوق دعم الدولة.
وختم تعزيبت أن "كل هذه الإجراءات تعتبر رسائل يأس توجهها الحكومة خاصة تجاه الشباب البطال لا سيما المتحصلين على شهادات عليا".