شدّدت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان خلال الحلقة النقاشية المنظمة في مكتب الأممالمتحدة في جنيف على أنّه لا يمكن أن يترك صانعو القرار مسألة المشرّدين داخليًا في الشرق الأوسط دون معالجة في سياق أزمة اللاجئين والمهاجرين. حذّر رئيس مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، الدكتور حنيف حسن علي القاسم، في كلمته الافتتاحية للحلقة النقاشية المعنونة "حماية الأشخاص المتنقلين: المشردون داخليًا في سياق أزمة اللاجئين والمهاجرين"، أمس، في قصر الأممبجنيف، أنّ "الخطاب المتعلق بأزمة المهاجرين واللاجئين لا يمكن أن يتجاهل وضع حقوق الإنسان للمشردين داخليًا". وتوقّع وزير التربية والصحة الإماراتي الأسبق، في الحلقة النقاشية الّتي عقدها مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي ومركز رصد النزوح الداخلي بالتعاون مع البعثة الدائمة للإمارات العربية المتحدة لدى الأممالمتحدة في جنيف، على هامش الدورة العادية السابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن يؤدّي إهمال حقوق الإنسان والوضع الإنساني للمشرّدين في البلدان الّتي تشهد نزوحًا داخليًا واسع النطاق إلى ظهور موجة جديدة من الأشخاص المتنقلين. وقال الدكتور حنيف القاسم إنّ عزل وضع الأشخاص المشرّدين داخليًا في سياق أزمة المهاجرين واللاجئين الدائمة سيفضي إلى "نتائج عكسية بما أن التشريد الداخلي يتقاسم الأسباب نفسها المؤدية إلى ظاهرة الانتقال عبر الحدود". منبّهًا إلى أنّه "يمكن أن يصبح المشردون داخليًا اليوم لاجئين الغد". من جهته، شدّد المدير التنفيذي لمركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، السفير إدريس جزائري، على "الابتعاد عن تسييس القضايا المتعلقة بالمعاناة الإنسانية للمشرّدين داخليًا" ، منوّهًا بالتّضامن الكبير اتجاه معاناة المشرّدين داخليًا، مشيرًا إلى أنّه "وكما هو شائع في سوريا، وضع الأشخاص النّازحين داخليًا الّذين يموتون من "الموت الصّامت" ليس أقل قسوة من وقوع الوفيات تأثّرًا "بما يُثار حول أحداث معيّنة من ضجة عارمة". ودعا السفير جزائري، صانعو القرار لتحديد "إطارًا مشتركًا لمعالجة محنة المشرّدين داخليًا"، معتبرًا أنّ "الحوار البنّاء والمفتوح حول الحلول المطلوبة لتعزيز حماية الأشخاص النّازحين داخليًا في سياق أزمة المهاجرين واللاجئين" له أهمية مركزية. مشدّدًا على أهمية تيسير تبادل وجهات النّظر بين صنّاع القرار في الشمال العالمي والجنوب العالمي لمعالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك. وأكّد –في ذات السّياق- على أنّ "بناء الجسور وإيجاد لغة مشتركة وتوحيد القوى" هو مفتاح تحديد الحلول المشتركة المتبادلة حول القضايا ذات الاهتمام الأوسع نطاقًا. في حين، أشارت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان للمشرّدين داخليًا، السيدة سيسيليا-خيمينيز داماري، أنّ "التّفاعل بين الهجرة وأزمة اللاجئين والمشرّدين داخليًا يظهر مدى اتصال هذه العناصر ببعضها البعض"، معتبرة أنّ حمايتهم "هي مسألة أساسية في إطار تنفيذ الالتزامات الدولية لحماية حقوق الإنسان للأشخاص المتنقلين". أمّا مستشارة مجلس السياسات والمستشارين في المجلس النرويجي للاجئين، السيدة راشيل سايدر، فأكّدت أنّ ما يقدّر بنحو 2.9 مليون سوري نازح جديد تمّ الإبلاغ عنهم في عام 2017 فقط. بينما عاد 600000 إلى مجتمعاتهم الأصلية في محاولة لإعادة بناء حياتهم وبلدهم. ومن جانبها، أكّدت مديرة مركز رصد النزوح الداخلي، السيدة ألكسندرا بيلاك، أنّ "النّزوح القسري للنّازحين يجب أن يحظى باهتمام سياسي متزايد"، وقالت إنّه "هناك اعتراف راسخ يفيد بأنّ مسألة النّزوح الداخلي ليست مجرّد تحدٍ إنساني، بل هي مسألة تحتاج إلى معاملتها على أنّها سياسة أساسية تنموية في آن واحد". وترى أنّ مسألة حماية ومساعدة الأشخاص المشرّدين داخليًا "تقع على عاتق الحكومات السّيادية الوطنية الّتي تجعل النّزوح القسري للمشرّدين داخليًا مسألة داخلية". واعتبرت بيلاك أنّ إهمال مسألة التّشريد الداخلي بل وتركه جانبًا لفترة طويلة "سيؤثّر سلبًا على الأفراد والمجتمعات والاقتصادات الوطنية". وفي هذا السياق، دعت إلى وجوب "معالجة التأثيرات الضّارة النّاجمة عن ظاهرة المشرّدين داخليًا من خلال منظور الحدّ من الفقر والتنمية وتغيّر المناخ والحدّ من مخاطر الكوارث". وتابعت "إنّ الاعتراف بهذه العناصر يمكن أن يجعل الحكومات أكثر ميلاً إلى معالجة أسباب التشرّد الداخلي واتّخاذ إجراءات لتجنّب أن تسود السياسة على التّضامن الإنساني والعدالة الإنسانية". كما تطرّقت الحلقة النقاشية إلى الجهود الّتي بذلتها أذربيجان لتحديد الحلول الدّائمة من أجل تعزيز إدماج النّازحين داخل مجتمع أذربيجان. ونتيجة لنزاع ناغورني كاراباخ، نزح أكثر من 600000 شخص من أذربيجان قسرًا. بينما أشار الممثل الدائم لأذربيجان لدى الأممالمتحدة في جنيف، السفير فاقيف صاديقوف، إلى أنّ أذربيجان ترى أنّ المسألة المتعلّقة بالتشرّد القسري للنّازحين تتطلّب المزيد من الاهتمام وإعادة التّفكير في النّهج المتّبعة لمعالجة أسبابها الجذرية. الجدير بالذِّكر أنّ التّزايد غير المسبوق في معدل الصّراع المسلّح والعنف في الشرق الأوسط أدّى إلى تفاقم حالة حقوق الإنسان للمشرّدين داخليًا، حيث تشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 40 مليون شخص يعتبرون من المشرّدين داخليًا ممّا يتجاوز عدد اللاجئين. ففي 2016 ذكرت منظمة "إي دي آم سي" أنّ هناك 31.1 مليون مشرّد داخلي جديد في جميع أنحاء العالم. ويعيش في منطقة الشرق الأوسط ثلث مشردي جميع أنحاء العالم الّذين تتّصل حالتهم بالنّزاع، ممّا يوضّح أنّ النّزوح القسري للأشخاص المشرّدين داخليًا قد أصبح مصدر قلق متزايد للمنطقة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الهدف من الحلقة هو مناقشة مسألة التشريد الداخلي من منظور عالمي، والتّحديات المتمثلة في حماية الأشخاص المشرّدين داخليًا وضمان العودة الآمنة لهم وإعادة إدماجهم من خلال العديد من دراسات الحالة، بما في ذلك العراقوسوريا. مع تقديم رؤى حول كيفية إدراجها في المناقشات واسعة النطاق المتعلّقة باتخاذ السياسات بشأن اللاجئين والهجرة. وقد قدّمت أذربيجان رؤى عملية حول الدروس الّتي يمكن استخلاصها من مساعدة النّازحين ودعمهم في حالات النزاع الّتي طال أمدها.