تبقى فاتورة إعادة تقييم المشاريع في الجزائر تلتهم آلاف الملايير، تضطر الخزينة العمومية لدفعها سنويا لاستدراك التأخر الملحوظ في إنجاز العديد من المشاريع التي تجاوزت آجال تسليمها نتيجة سوء تسيير أو تقييم أولي لهذه الأخيرة، لتتجاوز قيمة الأموال المخصصة في إطار إعادة تقييم المشاريع ما قيمته 60 مليار دولار، استنادا إلى الأرقام الرسمية المعلن عنها من طرف كل من الوزير الأول الأسبق، عبد المالك سلال، والمدعومة باعترافات خليفته في المنصب، أحمد أويحيى، الذي كشف بدوره عن ضياع ما بلغت قيمته ال40 مليار دولار، ليأتي الدور، هذا الأسبوع، على وزير النقل والأشغال العمومية الذي أفصح عن تخصيص الحكومة 250 مليار دينار بعد إعادة تقييم مشاريع قطاعه. ورغم التقارير السوداء التي يدونها مجلس المحاسبة سنويا حول المبالغ الهامة التي تضيعها الخزينة العمومية في إطار إعادة تقييم المشاريع المعلن عنها، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تحرك ساكنا لتدارك الخسائر المالية المقدرة بملايير الدينارات، لتبقى ملفات مجلس المحاسبة، حول سوء تسيير الوزارات والهيئات الرسمية والقطاع العام، رغم خطورتها، حبيسة الأدراج، دون أن يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصحيح والتدارك، لاسيما في ظل شح الموارد المالية الذي تعيشه الجزائر منذ أكثر من أربع سنوات. وأرجع الخبير الاقتصادي فرحات أيت علي، في تصريح خص به "الخبر"، ارتفاع الأموال المخصصة في قوانين المالية المختلفة لإنجاز عدد كبير من المشاريع بعد إعادة تقييمها إلى سوء تسييرها والتقييم المبدئي للمشاريع، إضافة إلى انعدام رؤية استشرافية وتقديرات على المدى الطويل باحتواء جميع المخاطر المصرفية وتقلبات أسعار الأسواق الدولية. في الإطار ذاته، أكد الخبير أن عدم إعادة النظر في سعر العملة الوطنية التي فقدت من قيمتها أكثر من 40 بالمائة خلال السنوات الأخيرة ساهم في تفاقم الوضع وزيادة أعباء الخزينة العمومية الموجهة لتمويل المشاريع المختلفة التي يعاد تقييمها دوريا. من جهة أخرى، قال فرحات أيت علي إن هناك بعض التعاملات الاقتصادية "الإجرامية" التي تم اعتمادها في إبرام بعض الصفقات بالتواطؤ مع متعاملين اقتصاديين استفادوا منها بمبالغ رمزية ليعاد تقييمها بعد سنوات وتتضاعف قيمتها ثلاث مرات أو أكثر من سعرها الأصلي. وحسب المتحدث، فإن المفتشية العامة للمالية هي من يلعب الدور الأساسي في تقييد المبالغ المخصصة لإنجاز المشاريع المختلفة ومتابعة تنفيذها، غير أن النقص الفادح الذي تسجله هذه الهيئة في مجال الموارد البشرية، بإحصاء 30 مفتشا متخصصا فقط عبر كامل التراب الوطني، يحول دون متابعة دقيقة للمشاريع، مشيرا إلى أنه لا يمكن لهؤلاء مراقبة صفقات شركات كبرى تقوم بأكثر من 300 إلى 400 ألف عملية مالية في السنة. أما بالنسبة لمجلس المحاسبة، أكد فرحات أيت علي أن هذه الهيئة لا يمكن لها مراقبة نوعية الأشغال وأن دورها يقتصر على مطابقة المشاريع المعتمدة وقانون الصفقات العمومية ومدى التزام المؤسسات بتطبيق البنود القانونية التي تضمنها هذا الأخير.