أكمل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، زيارته إلى الجزائر، دون أن يتمكن من لقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي تعرض، أمس، لوعكة صحية “ألزمته الفراش”، حسب بيان الرئاسة. وطبع زيارة الأمير السعودي، رغم استمرارها ليومين، التكتم في القضايا السياسية والإقليمية، بينما تركز معظم الاهتمام في الجانب الاقتصادي. في حدود الساعة الثالثة زوال أمس، سقط بيان لرئاسة الجمهورية على شريط وكالة الأنباء، يتحدث عن اعتذار الرئيس بوتفليقة عن استقبال ضيفه السعودي، بعد تعرضه لزكام حاد. وورد في بيان الرئاسة حرفيا أن “فخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي لازم الفراش بسبب زكام حاد تعذر عنه، كما كان مقررا، استقبال سمو الأمير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يقوم بزيارة عمل إلى الجزائر”. وأضافت الرئاسة أن الأمير السعودي “أمام هذا المانع، عبّر عن أسمى أمانيه بالشفاء العاجل لرئيس الجمهورية”. وتعد هذه المرة الثانية التي يجبر فيها المرض الرئيس بوتفليقة، في ظرف سنة، على عدم استقبال ضيوف أجانب، ففي 20 فيفري 2017، اضطرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلى إلغاء زيارتها للجزائر بسبب نفس العارض الصحي للرئيس بوتفليقة. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية وقتها بيانا عن الرئاسة، تؤكد فيه أن السلطات الألمانية والجزائرية توافقتا على تأجيل الزيارة، بسبب إصابة بوتفليقة بالتهاب الشعب الهوائية الحاد. وفي الأشهر الأخيرة، لم يظهر الرئيس بوتفليقة إلا في مناسبات محدودة، كان أبرزها خروجه لإحياء ذكرى اندلاع الثورة التحريرية في 1 نوفمبر الماضي. وتتحفظ الجهات الرسمية على الخوض في التفاصيل الصحية للرئيس، حيث تكتفي الرئاسة فقط بإعلان تواريخ مغادرته للبلاد من أجل إجراء فحوصات طبية دورية، كان آخرها نقله إلى مدينة جنيف السويسرية، في 27 أوت الماضي. وخارج هذا المانع الصحي الذي لم يسمح لولي العهد السعودي بلقاء الرئيس بوتفليقة، أجرى الوزير الأول، أحمد أويحيى، محادثات مع محمد بن سلمان الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع. وحضر المحادثات التي جرت بإقامة الدولة بزرالدة، كل من وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل، وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية نور الدين بدوي، وزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح، وزير الصناعة والمناجم يوسف يوسفي، وزير الطاقة مصطفى قيطوني، وزير المالية عبد الرحمن راوية، وزير التجارة السعيد جلاب، وزير الاتصال جمال كعوان ووزير الثقافة عز الدين ميهوبي. ولم تظهر تفاصيل عن طبيعة المحادثات التي أجراها ولي العهد السعودي مع المسؤولين الجزائريين في القضايا السياسية الدولية والإقليمية، والتي مُنعت عنها تماما التغطية الإعلامية. واكتفى الجانبان بالتأكيد على أن هذه الزيارة تندرج “في إطار السعي نحو إعطاء انطلاقة متميزة للعلاقات التي تربط البلدين والإرادة المشتركة لقيادتيهما في توسيع الشراكة الاقتصادية بينهما”. وبدا من طبيعة الوفد المرافق لولي العهد، وجود اهتمام سعودي كبير بهذه الزيارة، فقد ضمّ الوفد المرافق، الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز المستشار بالديوان الملكي، والأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، ووزير الدولة عضو مجلس الوزراء مساعد بن محمد العيبان، ووزير التجارة والاستثمار وماجد القصبي، ووزير الخارجية عادل الجبير، ووزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المهندس خالد الفالح، ووزير الإعلام وعواد العواد، ورئيس الاستخبارات العامة خالد الحميدان. وعلى الرغم من أن مظاهر رفض زيارة بن سلمان إلى الجزائر لم تكن بحدة ما جرى في دول أخرى، إلا أن أطرافا سياسية استمرت في إعلان عدم ترحيبها بولي العهد السعودي. وجدد رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري بشدة انتقاده للزيارة، مشيرا في منشور له: “هؤلاء الذين بسطوا السجاد الأحمر لابن سلمان لا تهمهم الجزائر، إنهم يعالجون أزماتهم بالاستسلام والخنوع للقوى الامبريالية الاستعمارية الدولية والإقليمية، هم يعلمون أن كل الدول التي خضعت ضاع اقتصادها وفقّرت شعوبها وبعضها ضربت في استقرارها ووحدتها، ولكن هذا لا يهم أمام لطموحات الشخصية وعشق السلطة والثروة”. أما زوبيدة عسول، منسقة حركة مواطنة المعارضة، فتساءلت عبر منشور لها بالقول: “لماذا نستغرب استقبال السلطة في بلادنا ولي العهد السعودي وعدم مبالاتها برأي الشعب وهي التي تقمع كل رأي مخالف لرأيها حتى في السياسة الداخلية والحريات: كحرية التعبير والتظاهر السلمي وحرية الصحافة المضمونة دستوريا”. وأضافت أن “كلا النظامين في بلادنا وفي السعودية يبحثان عن فرصة لتبرير القمع للحريات والحقوق تجاه مواطنيهم”.