رغم أن الرئيس بوتفليقة عودنا على المفاجآت، إلا أن رقاب الجزائريين تبقى مشدودة إلى ما سيعلن عنه هذا الأربعاء أو غدا الخميس، اعتمادا على ما كشفت عنه لويزة حنون، يوم السبت الماضي، خاصة أن الأمينة العامة لحزب العمال معروفة بعلاقاتها الوطيدة مع جهات فاعلة "جدا" داخل محيط الرئيس الضيق "جدا". إذا صدقت نبوءة الأمينة العامة لحزب العمال، فإننا على موعد مع "يوم الفصل".. حنون كشفت أن مصدرا "شبه رسمي" أسر لها أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيعلن "هذا الأربعاء" عن أمر جلل، ومباشرة بعد هذا "الكشف" لم تتوقف التكهنات، كما أن قراءات المهتمين بحركة المشهد السياسي بلغت أوجها، فذهب الكثير منها إلى ترجيح فرضية أن يعلن رئيس الجمهورية اليوم أو غدا عن حل البرلمان، في رسالة سيوجهها إلى الشعب الجزائري على هامش توقيعه على قانون المالية 2019. في البدء كانت الندوة الصحفية لرئيس حزب تجمع أمل الجزائر "تاج"، عمار غول، الذي لعب في مناسبات عديدة دور "ساعي البريد" بين جهات فاعلة في السلطة، والرأي العام، حين فاجأ المتابعين بالدعوة إلى ندوة ل"الإجماع الوطني" تحدد مصير الرئاسيات القادمة وما يليها، ولأن نفس المتابعين يعرفون جيدا مدى "جوارية" غول مع محيط الرئيس، فإنهم سارعوا إلى تحليل ما بدر منه وانعقد ما يشبه الإجماع حول أن السلطة، أو على الأقل جزءا مهما فيها، تفكر في تأجيل الرئاسيات وتعديل الدستور، فألقت ب"مسودة" المشروع إلى الشارع وهي تسجل الآن ردود فعل العامة والخاصة. ولأن الأمينة العامة لحزب العمال معروفة أيضا لدى مقربيها ب"جواريتها" مع جهات مؤثرة في صناعة القرار السياسي، فإن إخبارها بأن الرئيس سيعلن عن أشياء مهمة هذا الأربعاء، أُخذ أيضا من طرف نفس المتابعين على محمل الجد، لكن التكهنات ذهبت هذه المرة إلى ترجيح احتمال أن يُخبر بوتفليقة الشعب بقرار حل البرلمان. في كل الحالات، فإن الزلزال الذي أحدثته مبادرة غول و"السوسبانس" الذي خلفته تصريحات حنون يؤكدان بما لا يدع مجالا للشك بأن صفة "الموعد الانتخابي العادي" نزعت فعليا عن الرئاسيات القادمة، وبأن السلطة تعيش لا محالة وضع انسداد حقيقي، خاصة أن عقارب الساعة لا تتحرك في صالحها، لأن استدعاء الهيئة الناخبة يفترض أن يتم منتصف جانفي القادم، أي أن أصحاب القرار لم يعد أمامهم سوى عشرين يوما للبت في مصير الرئاسيات. ندوة فتعديل فتأجيل فحل انطلاقا من هذه المعاينة، واعتمادا على الظاهر من الوضع الصحي لرئيس الجمهورية، وبناء على حقيقة أن أصحاب القرار لم يتفقوا إلى اليوم على مرشح آخر "ثقيل" قد يخلف بوتفليقة بما يضمن الحد الأدنى من المصالح لهم ومن الاستقرار للبلاد، ذهبت قراءات الكثير من المتابعين إلى إعطاء بعض المصداقية لما بدر عن رئيس "تاج"، خاصة أن الأخبار تواترت على أن فكرة ندوة الإجماع وتعديل الدستور وتأجيل الرئاسيات كانت النقطة الأهم في جدول أعمال الاجتماع الذي احتضنته إقامة زرالدة وضم زعماء أحزاب التحالف الأربعة، جبهة التحرير الوطني ممثلة بمنسقها معاذ بوشارب، والتجمع الوطني الديمقراطي ممثلا بأمينه العام والوزير الأول أحمد أويحيى، وتجمع أمل الجزائر ممثلا برئيسه عمار غول، والحركة الشعبية الجزائرية ممثلة برئيسها عمارة بن يونس، إلى جانب وزيرين ومستشارين لرئيس الجمهورية. ويمكن توصيف هذه الفكرة ب"السيناريو الأول"، وبالاعتماد على ما رشح من عرابي هذا السيناريو فإن تأجيل الرئاسيات صار أمرا حتميا، وبأن "ندوة الإجماع الوطني" التي يفترض أن تعقد خلال الثلاثي الأول من السنة القادمة، ستقرر في مآلات التأجيل بدءا بتعديل الدستور لمنح هذه الخطوة صبغة شرعية، ومرورا بحل البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مسبقة في جوان القادم. والتأجيل هو في الحقيقة تمديد مقنع سيسمح للسلطة بربح بعض الوقت يمكنها من التفكير الهادئ في رسم معالم مرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة، إما باستحداث منصب نائب الرئيس في تعديل الدستور المزمع ومنحه لرجل ثقة و"إجماع" سيُمكن من صلاحيات واسعة تسمح له بالمشاركة الفعلية في تسيير فترة التأجيل مع تحضيره لخوض غمار رئاسيات ما بعد التأجيل. ويواجه هذا السيناريو العديد من العقبات التي تجعل من تنفيذه عملية غاية في التعقيد والصعوبة، فمساحة واسعة من المعارضة أبدت رفضها المطلق لما تعتبره محاولة "قبيحة" للمرور بالقوة عبر "الدوس على الدستور"، كما أن الشرخ بدا واضحا بين المطالبين بالتأجيل أنفسهم، ولا أدل على ذلك من "الهوشة" الأخيرة بين رئيس حركة مجتمع السلم "حمس" عبد الرزاق مقري ورئيس "تاج" عمار غول، حين اتهم الأول الثاني ب"السطو" على مبادرته، أضف إلى ذلك أن الإجماع حول هذا المشروع لا يلقى الإجماع داخل الجناح الداعم للرئيس، ففي حين اتفقت أحزاب الموالاة، بمناسبة المؤتمر الأول ل"تاج"، على الدعوة إلى "استمرارية" بوتفليقة، ما يعني بالضرورة التمديد عبر التأجيل، ما زالت أطراف فاعلة داخل نفس الجناح تلح في الدعوة إلى عهدة خامسة كما هو الشأن بالنسبة لرئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد وأمين عام المركزية النقابية عبد المجيد سيدي السعيد، رغم أن هذه الدعوة كلفت جمال ولد عباس إبعاده من الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير الوطني. حل البرلمان أولا أما السيناريو الثاني، فيعتمد المُرجحون له على مؤشرات ما صدر لحد الآن عن الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، والذي يفترض أن تكون أذنها هي أيضا قريبة من وشوشة جهات فاعلة داخل جناح الرئيس بوتفليقة، فلا يختلف عن السيناريو الثاني كثيرا، لأن حنون لا ترى مانعا من تعديل الدستور لكنها تطالب بأن يسبقه حل الغرفة السفلى وتنظيم انتخابات تشريعية مسبقة، انطلاقا من حقيقة أن البرلمان الحالي فقد آخر أوراق شرعيته بعد غلق مبناه بالسلاسل و"الكادنة"، وبعد إبعاد رئيسه السعيد بوحجة بطريقة "غير دستورية"، وعليه فإنه من العبث التفكير في استفتاء برلمان غير دستوري في تعديل الدستور. كما أن السلطة قد تستغل الانتخابات التشريعية المسبقة لاستعمال "ريعها" في التفاوض مع الأطراف السياسية المختلفة على ترتيبات المرحلة القادمة. ويعتمد بعض المتابعين على هذه الشواهد ليؤكدوا على أن رئيس الجمهورية فصل في قرار حل البرلمان، ولم يبق سوى تحديد موعد الإعلان عنه، اليوم، كما فُهم من تصريحات لويزة حنون، أو غدا الخميس بمناسبة اجتماع مجلس الوزراء، أو في الأيام القليلة القادمة. العهدة الخامسة.. كأن شيئا لم يكن وسط كل هذا "اللغط" السياسي تأتي بعض المصادر المطلعة لتسقط كل هذه السيناريوهات في الماء، ولتشدد بالكثير من الثقة على أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها، أي في أفريل 2019، وعلى أن الرئيس بوتفليقة سيترشح بشكل عادي لعهدة خامسة. ولهذه المصادر ما يبرر مذهبها، فهي تتحدث عن معلومات أكيدة مستقاة من محيط الرئيس الأضيق، كما أنها تُذكَر بأن الرئيس يعشق التغريد خارج السرب، وتستهويه فكرة شد الأعصاب ومفاجأة المتتبعين، وقد ثبت عنه ذلك في العديد من المناسبات. كما تؤكد نفس المصادر على أن الرئيس لا يقبل في المطلق أن يكون لاحقا بمبادرة، مهما كان مصدرها، إلى جانب أن وضعه الصحي ليس بالسوء الذي يمنعه من التفكير في خوض سباق رئاسي جديد، خاصة أنه يمكن أن يعتمد مرة أخرى على دعم نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق ڤايد صالح، الذي أثبت منذ البداية وفاء لم يتزعزع له ولخياراته. هي كلها سيناريوهات مطروحة للنقاش والجدل اليوم على الساحة السياسية، ومن السذاجة الاعتقاد أو التكهن بأن أحدها أوفر حظا والأقرب إلى التحقيق، لأن السلطة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، عودتنا على أنه من الخطأ ومن المراهقة السياسية الاعتماد فقط على التسريبات والمنطق والظاهر من المواقف والتصريحات في قراءة القادم من الأحداث والمواعيد، وعليه أمكن القول إن الرئيس بوتفليقة قد يفاجئ اليوم أو غدا المتابعين بقرارات كبيرة ومفصلية، من قبيل الإعلان عن تعديل الدستور أو حل البرلمان، وليس مستبعدا أيضا أن يفاجئ نفس المتابعين بعدم الإعلان عن أي قرار يغير مجرى الرئاسيات القادمة.