كسر ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة حاجز الشارع لدى كثير من الجزائريين، كانوا متوجسين في السابق من التعبير عن مواقفهم السياسية عبر أسلوب المسيرات والمظاهرات. وينتظر أن تكشف الأيام المقبلة، في ظل الدعوات السياسية بالتظاهر، مدى حماس الجزائريين الحقيقي لهذا الخيار. باغت الحراك الشعبي المراقبين للشأن السياسي في الجزائر، فدون سابق إنذار انطلقت مسيرات ووقفات في العديد من الولايات، خاصة في شرق البلاد، لمواطنين دون تأطير حزبي أو توجه أيديولوجي معين، تندد بترشح الرئيس بوتفليقة مرة أخرى، في ظل أوضاعه الصحية التي يراها الرافضون لاستمراره مانعة له من أداء مهامه الدستورية. وكانت أبرز مسيرة تم تنظيمها تلك التي خرجت في مدينة خراطة بولاية بجاية، حيث احتشد المئات، كما أظهرته الصور المبثوثة على مواقع التواصل الاجتماعي، رافعين شعارات رافضة للاستمرارية. ولعل أهم إيجابية طبعت هذه المسيرة، أنها خلت تماما من أي مظاهر للعنف المادي أو اللفظي، وأظهرت قدرة كبيرة على التنظيم واستعمال حق التظاهر في التعبير عن مواقف سياسية دون أي إشكال، ذلك أنه في العادة تُطرح مخاوف جدية من الخروج للشارع، حتى لدى المعارضة التي يرفض جزء منها هذا الأسلوب، نظرا لخطورته وعدم القدرة على تحمل تبعاته في حال الانفلات. ويعتري جزء من الطبقة السياسية هذا الهاجس، بالنظر إلى تجارب محيطة في دول عربية، تحولت فيها شرارة الشارع إلى لهيب أحرق بلدانا بأكملها. لكن هذه النظرة بدأت تتغير في الأشهر الأخيرة، مع إصرار حركة "مواطنة" المعارضة على القيام بوقفات في العديد من الولايات، تنديدا بالترشيح الذي لم يكن رسميا وقتها للرئيس بوتفليقة. كما أن أحزابا مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أصبحت تؤكد علنا على أن السبيل الوحيد لإعادة بناء توازن قوى بين المعارضة والسلطة هو اللجوء إلى خيار الشارع وعدم البقاء تحت أسر المخاوف السياسية غير المبررة، لأن تجربة المعارضة أثبتت أن التكتل بين الأحزاب دون التصاق بالشارع، كما حدث مع "مازافران"، يبقى مفعوله محدود الأثر بشكل كبير. غير أنه من السابق لأوانه، حاليا، الحكم على مدى حماس الجزائريين فعليا لاستعمال الشارع في مواجهة النظام السياسي. وستكون المظاهرات التي دعت إليها حركة ”مواطنة” في 24 فيفري المقبل وبداية مارس أحد المعايير التي يمكن من خلالها الحكم على سلوك الجزائريين السياسي ومعرفة ما إذا كان خروج بعضهم للشارع احتجاجا على ترشح بوتفليقة مجرد رد فعل مؤقت على صدمة عنيفة ناجمة عن شعور بالإهانة والاحتقار من النظام السياسي، أم أنه فعلا لحظة تاريخية واعية ترتبط برغبة الجزائريين حقيقة في الانتباه لواقعهم السياسي ومحاولة تغييره بعد سنوات من اتهامهم بالاستقالة الجماعية من السياسة؟