العُدوان على قطر اعتداء على الأمّة    ناصري وبوغالي يترأسان اجتماعاً    سماعلي يستقبل تيدور    الجزائر تشارك في اجتماعين وزاريين بأوساكا    شراكات جديدة لشركة الحديد    التجارة الداخلية رافعة للاستقرار    غزّة.. النزوح وسط الجحيم    وفد صحراوي يحلّ بجنيف    القديم في قلب النظام الدولي الجديد    قرابة 29 ألف تدخل خلال السداسي الأول    اختتام مخيّم ذوي الاحتياجات الخاصة    مجوهرات ثمينة.. سبيل ثراء نسوة    تقديم كتاب سفينة المالوف    دعوة إلى تكثيف الأبحاث والحفريات بالأوراس    إطلاق الأسماء على الأولاد ذكورا وإناثا ..    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    رئيس البرلمان العربي يرحب بمخرجات القمة العربية الإسلامية الطارئة الداعمة لقطر    قمة الدوحة تشيد بجهود الجزائر في الدفاع عن سيادة دولة قطر ونصرة القضية الفلسطينية    الحكومة بنفس جديد لبلوغ الرهانات الاقتصادية    الجزائر تشارك في الصالون الدولي للصناعات الغذائية والمشروبات    التزام بتنفيذ سياسات رئيس الجمهورية    اجتماع جزائري- تونسي- ليبي بالدوحة    بلمهدي يهنّئ الأئمّة وموظفي القطاع    تنظيم صالون الواجهات والنّوافذ والأبواب الأسبوع القادم    وجه جديد لمداخل عاصمة الأمير عبد القادر    وفرة وتنوع في المنتجات وتخفيضات تصل إلى 50 بالمائة    مشواري لم يكن سهلا ورُفضت بسبب قصر قامتي    بن طالب يتألق مع ليل الفرنسي ويحدد أهدافه    37 مكتبة متعاقدة لتسهيل اقتناء الكتب المدرسية    وفد صحراوي في ستوكهولم لفضح جرائم الاحتلال المغربي بالصحراء الغربية    تيطراوي يطرق أبواب "الخضر" ويحرج بيتكوفيتش    188 عملية تخريب تطول المنشآت الكهربائية    العاب القوى مونديال-2025: سجاتي وتريكي آخر آمال التمثيل الجزائري للتألق    حول الوقود المستدام والهيدروجين..الجزائر تشارك في اجتماعين وزاريين بأوساكا اليابانية    عجال يتسلم مهامه على رأس وزارة الطاقة والطاقات المتجددة : ضمان الأمن الطاقوي وتطوير المشاريع الكبرى من أبرز التحديات    ناصري وبوغالي يترأسان اجتماعا لضبط جدول الأعمال : إيداع 18 مشروع قانون لدى مكتبي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة    العدوان الإسرائيلي على الدوحة : اجتماع طارئ مجلس حقوق الإنسان اليوم    اليوم الوطني للإمام: نشاطات متنوعة مع إبراز دور الإمام في المجتمع بولايات شرق البلاد    بومرداس: إنطلاق الطبعة 27 للأسبوع الوطني للقرآن الكريم    إعادة فتح العيادة المتخصصة في أمراض الأنف والأذن والحنجرة بباتنة بعد تهيئتها وتجهيزها بتقنيات حديثة    قفزة ب300% في تموين المستشفيات بالأدوية المحلية تعزز الأمن الصحي بالجزائر    الرابطة الأولى المحترفة "موبيليس": م.الجزائر-م.وهران صراع من أجل التأكيد    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة (أقل من 20 سنة): المنتخب الوطني ينهزم أمام أوغندا (3-1)    اختتام فعاليات مخيم الشباب لذوي الاحتياجات الخاصة    رونالدو الأوّل ورام يتفوق على ميسي    رئيس الجمهورية يعين أعضاء الحكومة الجديدة    الصيدلة الاقتصادية أداة استراتيجية لمرافقة السياسات الصحية    تعليمات للتكفّل الأمثل بانشغالات الصيادلة الخواص    إعداد ملف لإدراج المالوف ضمن قائمة التراث العالمي    ملتقى وطني عن آثاره وإنجازاته الرائدة في نوفمبر القادم    أدب السجون.. وثيقة تاريخية وأخلاقية بأبعاد كونية    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    المولودية تعود بالفوز    الديوان الوطني للحج والعمرة يحذر من صفحات مضللة على مواقع التواصل    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون خطاب الكراهيّة بين علاج الأعراض وعلاج الأمراض
نشر في الخبر يوم 29 - 01 - 2020

لا يخلو مجتمع بشري مهما كان وضعه الحضاري من مظاهر سلبية، وسلوكات سلبية، ومن انحرافات ومشاكل، فلكلّ مجتمع مشاكلُه، كلّ ما في الأمر أن ثمة مجتمعاتٍ تعاني من مشاكل التّخلف وأخرى تعاني من مشاكل التطوّر، ومع ذلك نجد بعض المظاهر السّلبية موجودة هنا وهناك وهنالك. مثل النّعرات العرقية، والنّزعات الطائفية، والرّوح العنصرية، وما ينتج عنها من أزمات ومشاكل على مستوى الخطاب وعلى مستوى الواقع، تصل في أحيان كثيرة إلى صراعات دموية تأتي على الرّطب واليابس!. والحقيقة هي أنّ كلّ الصّراعات الدّموية العنيفة تبدأ من الخطاب.. من الكلمة!.
أمام هذا الوضع رأينا الأمم تُسارع إلى سنّ قوانين رادعة، تجرّم خطاب الكراهية مهما كانت مرجعيته: دينية أو طائفية أو عرقية أو عنصرية أو سياسية.. وهذا أمرٌ هام ومطلوب؛ لأنّ ”الله يَزعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، قال الإمام ابن رشد الجد رحمه الله: ”المعنى في هذا: أنّ الّذين ينتهون من النّاس عن محارم النّاس مخافة السّلطان، أكثر من الّذين ينتهون عنها لأمر الله تعالى”. يبقى أنّ القوانين البشرية دائمًا تشوبها شائبة الثغرات، الّتي يدخل منها ذوو الأغراض من النّاس للتّحايل على القانون أو لاستغلاله، ممّا يوجب أن يكون القانون الّذي يوضع لتأطير ظاهرة خطاب الكراهية والتّمييز والتّفرقة واضحًا بيّنًا في مواده، محدّدًا دقيقًا في أحكامه، وفي إجراءاته. حتّى لا يزجّ به في أتون الصّراعات السّياسية، ولا يستغلّ من طرف السّلطات أو المتنافسين سياسيًّا بأيّ صورة من صور الاستغلال. وحتّى لا يكون وسيلة للتّضييق على حرية الكلمة المسؤولة وحرية البحث العلمي النّزيه!.
ثمّ إنّ مثل هذا القانون في حقيقة الأمر إنّما يعالج الأعراض الّتي تظهر ولا يعالج الأمراض الّتي تسبّبها، ذلك أنّ خطاب الكراهية، وخطاب التّفرقة، وخطاب العنصرية، وخطاب العرقية، وخطاب العنف والإقصاء هي في حقيقتها أعراضٌ لأمراض أخطر وأفتك. فمن المعلوم أنّ المريض الّذي يعاني من حمى شديدة أو آلام مبرحة مثلًا إذا جاء الطبيبَ، فإنّ هذا الأخير يفحصه ليعرف ما الّذي يسبّب الحمى أو الألم حتّى يعرف ما العلاج المناسب؟ وما الدّواء المطلوب؟، وإن اهتمّ الطبيب بتخفيض الحمى والألم فقط عن طريق المسكنات دون علاج السّبب، فإنّ المريض لن يتعافَى، وإن خفت حُمّاه وآلامه، فسرعان ما يرجع حاله إلى ما كان عليه أو أسوأ.. هذا أمرٌ مسلّم معروف لعامة النّاس قبل السّادة الأطباء. وهكذا الأمر مع التطرّف وما ينتج عنه من خطاب الكراهية والعنف والعنصرية وغير ذلك من الخطاب والممارسات البغيضة.
وهذا مثال يوضّح المقال: لقد كان شائعًا عند العرب في جاهليتهم (ومثلهم كلّ الأمم!) أنواع من التّمييز العنصريّ، وخاصة ضدّ العبيد من الزّنوج، كما كان شائعًا عندهم التّفاخر بالأنساب والآباء، وبالعِرْق والأصل، وحينما جاء سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبدأ في علاج هذا الوضع البئيس، لم يبدأ النّاس بتفاصيل الأحكام والتّشريعات (والقوانين)، بل بدأ باستبدال القيم الفاسدة السّائدة بقيم راشدة، حتّى استقرّت في نفوس المؤمنين، وأنشأت منهم نفوسًا جديدة، تؤمن بقيم عُليّا، وتلتزم بها طوعًا، وتسارع للتّوبة إن أخطأت رغبًا ورهبًا، وتخضع للشّرع (والقانون) عن رضى وقناعة. ولو جاءهم بقوانين رادعة من أوّل الأمر لربّما نفر الكثير منهم.
قالت الصديقة عائشة رضي الله عنها: ”إنّما نزل أوّل ما نزل منه سورة من المُفصّل فيها ذكر الجنّة والنّار حتّى إذا ثاب النّاس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أوّل شيء لا تشربوا الخمر؛ لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا. ولو نزل لا تزنوا؛ لقالوا: لا ندع الزّنا أبدًا” رواه البخاري. نعم لقد نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وقرأه الصّحابة الكرام، وحفظوه، وردّدوه، وذكرهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمعانيه الرّاقية الرّائقة السّامية العالية في مواطن وخطب عدّة كخطبته يوم فتح مكة: «يا أيّها النّاس، إنّ الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية [العُبِّيَّة: الكِبر والفخر] وتعاظمها بآبائها. فالنّاس رجلان: رجل برّ تقيّ كريم على الله، وفاجر شقيّ هيّن على الله. والنّاس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب» ثمّ تلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} رواه الترمذيّ وغيره.. بعد هذا نجد الواحد منهم إذا أخطأ رجع للحقّ ورضخ للشّرع (والقانون) عن طواعية بعيدًا عن السّلطة وعيونها، فعن المعرور بن سويد رحمه الله قال: رأيتُ أبا ذرّ الغفاري رضي الله عنه عليه بُرْدا وعلى غلامه بُرْدا، فقلت: لو أخذت هذا فلبسته كانت حُلّة، وأعطيته ثوبًا آخر. فقال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمّه أعجمية، فنلت منها. فذكرني إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال لي: «أَسَابَبْتَ فلانًا؟»، قلت: نعم. قال: «أَفَنِلْتَ من أمّه؟»، قلت: نعم. قال: «إنّك امرؤٌ فيك جاهلية». قلت: على حين ساعتي هذه من كبر السّنّ؟، قال: «نعم، هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلّفه ما يغلبه فليُعِنْه عليه» رواه البخاري ومسلم. وهكذا، لا ينجح قانون من الحدّ من ظاهرة سلبية ما لم تحضنه بيئة تحكمها قيم قويمة، ولا يرضى النّاس ولا يرضخون لحكم القانون طواعية ما لم تكن القيم حيّة في نفوسهم حاضرة في حياتهم!.
*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.