أنزل الله تعالى على عباده أنواع من الملبوسات، وهي نعمة عظيمة يجب شكر الله عليها والتأدب بآدابها، وقد امتن سبحانه وتعالى على عباده بذلك فقال "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"، قال «ابن كثير» رحمه الله في تفسير هذه الآية "يمتن الله على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش، فاللباس ستر العورات وهي السوآت، والريش ما يتجمل به ظاهرا، فالأول من الضروريات والريش من التكملات والزيادات"، وقد أورد أهل العلم آداب للتأدب في اللباس، نفصلها في هذه الصفحة. اختيار الحسن وتطهير الثوب قال الله تعالى "وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ"، إذ يستحب للمسلم أن يبلس الحسن من ثيابه ويتأكد ذلك أكثر في المناسبات كالأعياد والجُمع واستقبال الوفود، وهذا معلوم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. الدعاء ويكون الدعاء بالتسمية عند اللبس وحمد الله على هذه النعمة، كما يكون بالدعاء عند لبس الجديد، فعن «أبي سعيد الخدري» رضي الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه، إما قميصاً أو عمامة ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه. أسألك من خيره وخير ما صُنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صُنع له"، رواه «الترمذي» وصححه «الألباني»، ويستحب الدعاء لمن لبس الجديد فيُقال له "البس جديداً وعش حميدا ومت شهيدا"، فعن «ابن عمر» رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصاً أبيض فقال: ثوبك هذا غسيلٌ أم جديدٌ؟ قال: لا، بل غسيلٌ، قال: البس جديدا وعش حميدا ومُت شهيدا"، رواه «أحمد» و«ابن ماجة» وصححه «الألباني». التيامن عن «عائشة» رضي الله عنها أنها قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمُّن في طُهوره وترجله وتنعله"، رواه «البخاري» و«مسلم». ستر العورة من أعظم الآداب أن يستر المسلم عورته، فعن «بهز بن حكيم» عن أبيه عن جده قال "قلت يا رسول الله: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحدٌ فلا يرينها، قال: قلت يا رسول الله: إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: الله أحق أن يستحيا منه من الناس"، رواه «أبو داود» و«الترمذي» و«ابن ماجه» وحسنه «الألباني»، وعورة الرجل من السرة إلى الركبة، أما المرأة، فكلها عورة عدا الوجه والكفين. ترك الإسراف والمبالغة نهانا الله تعالى عن الإسراف فقال "يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"، وعن «عبد الله بن عمرو بن العاص» رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسرافٍ ولا مخيلة"، رواه «النسائي» و«ابن ماجة» وحسنه «الألباني». الحذر من التشبه بالجنس الآخر عن «ابن عباس» رضي الله عنهما قال "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" وفي لفظ آخر "لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال أخرجوهم من بيوتكم، قال: فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً، وأخرج عمر فلاناً"، رواه «البخاري»، والتشبه يكون في اللباس وغيره ذلك. الحذر من التعالي والكِبر ورد النهي عن الخيلاء، مما يدل على تحريمه، فعن «أبي هريرة» رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا ينظر اللهُ يوم القيامة إلى من جرَّ إزاره بطراً"، رواه «البخاري» و«مسلم»، وأما المرأة فيشرع لها أن تجر ثوبها حتى عده البعض سنة مهجورة، كما في حديث «ابن عمر» رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن جَرَّ ثَوبَهُ خُيلاءَ لَم يَنُظر الله إِليه يَومَ القِيامَة"، فقالت «أم سلمة» "فكيف يصنعن النساء بِذُيولِهِنَّ؟"، قال "يُرخِينَ شِبرا"، فقالت "إذا تَنكَشِف أَقدامُهُن؟"، قال "فَيرخِينَهُ ذِراعاً لا يَزدنَ عَليه"، رواه «أحمد» و«أبو داود» و«الترمذي» و«ابن ماجه» وصححه «الألباني»، وقال بعض العلماء "مطلوب من المرأة المسلمة ستر جميع جسمها عن الرجال ولذلك رخص لها في إرخاء ثوبها قدر ذراع". ألا يكون ثوب شهرة عن «ابن عمر» رضي الله عنهما قال "مَن لَبِس ثَوب شُهرةٍ أَلبَسَهُ الله يَومَ القِيامَة ثَوباً مِثلَهُ"، رواه «أبو داود» و«ابن ماجه» وحسنه «الألباني»، وثوب الشهرة هو ثوب التكبر، قال القاضي "المراد بثوب الشهرة ما لا يحل لبسه، وإلا لما رتب الوعيد عليه"، وقال شيخ الإسلام «ابن تيمية» "وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة، والمنخفض الخارج عن العادة، فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين؛ المترفع والمتخفض، وفي الحديث: من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة، وخيار الأمور أوساطها". اختيار التواضع ملبسا للظهور عن «معاذ بن أنس» عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "مَن تَرك اللبَاس تَواضُعاً لله وهُو يَقدِر عَليه، دعاهُ الله يومَ القِيامَة عَلى رُؤوس الخَلائِق يُخَيِره مِن أَي حُلَلِ الإيمَان شَاء يَلبَسُها"، رواه «الترمذي» وحسنه «الألباني»، والحديث يشير إلى ضرورة التواضع الفعلي والقولي. لبس البياض عن «ابن عباس» رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم"، راوه «أحمد» و«أبو داود» وغيرهما. عدم لبس المعصفر عن «عبد الله بن عمر بن العاص» قال "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال: إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها"، وفي لفظ آخر قال "رأى النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال: أأمك أمرتك بهذا؟ قلت: أغسلهما، قال: بل أحرقهما"، رواه «مسلم»، ومعنى "أأمك أمرتك بهذا" أن هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن، وأما الأمر بإحراقهما فقيل هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل. الضيق والشفاف والمزركش.. عري ظاهر عن «أبي هريرة» رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صِنْفَان مِن أَهلِ النَّار لَم أَرهُمَا، قَومٌ مَعَهُم سِياطٌ كَأذنَاب البَقَر يَضرِبُون بِها النَّاس ونِساءٌ كاسِيات عَاريَاتٍ مُمِيلاتٍ مَائلات رُؤسُهنَّ كَأسنِمة البُختِ المَائِلة، لا يَدخُلنَّ الجَنَّة ولا يَجِدنَ رِيحَهَا، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَد مِن مَسيرَةِ كَذَا وكَذا"، رواه «مسلم»، قال شيخ الإسلام «ابن تيمية» رحمه الله "وقد فُسر قوله «كاسيات عاريات» بأن تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل أن تكتسي الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها. قول "بسم الله لا إله إلا هو" طيّ الثياب بعد خلعها وذكر اسم الله عليها عند وضعها أو تعليقها وعدم إلقائها مبعثرة دون مبالاة، فعن «أنس» رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه «بسم الله لا إله إلا هو»" رواه «ابن السني». الحرير للنساء معلوم أن لبس الحرير محرم على الرجال، فعن «علي بن أبي طالب» رضي الله عنه قال "إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله في يمينه وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال: إنَّ هذين حرام على ذكور أمتي"، رواه «أبو داود»، وبين صلى الله عليه وسلم أنه "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة"، رواه «مسلم»، وقد جعل بعضهم في حالات بعينها لبس الحرير جائزا ومنها: - من به مرض مثل الحكة، لحديث «أنس» رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص ل«عبد الرحمن بن عوف» و«الزبير» في قميصٍ من حرير من حكةٍ كانت بهما، رواه «البخاري» و«مسلم». - يباح لبسه في حالة الحرب. - إذا لم يجد ثوباً إلا ثوب حرير. - إن كان جزء من الثوب بمقدار أربعة أصابع فما دونه لحديث «عمر بن الخطاب» قال "نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثٍ أو أربعٍ"، رواه «البخاري» و«مسلم».