بتأثر كبير، يروي سمير بلعربي، الناشط السياسي وأحد الفاعلين في الحراك الشعبي، معاناته مع الحبس المؤقت الذي امتد ل5 أشهر، قبل أن يحصل على البراءة من التهمتين اللتين وجهتا له. ويخوض بلعربي، في هذا الحوار مع "الخبر"، في مختلف القضايا التي تتعلق بالوضع السياسي الحالي بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة ومستقبل الحراك الشعبي. بعد 5 أشهر من الحبس المؤقت.. هل كنتم تنتظرون الحكم بالبراءة؟ كنت مقتنعا من البداية بأني بريء من تهمتي تهديد الوحدة الوطنية والمساس بسلامة الوطن، لأن عملية الاعتقال كانت سياسية بحتة وبأمر من القيادة. كان الهدف من اعتقالنا وإيداعنا السجن هو إبعادنا عن الحراك الشعبي. لقد كانت الأوامر صريحة للأجهزة الأمنية لتحضير ملفات إدانة خاصة بنا، تمحورت حول تصريحاتنا وكتاباتنا في مواقع التواصل. وبالفعل، تم تأويل بعض المنشورات وقراءتها قراءة أمنية لغاية اتهامنا، ولم يكن في يد قضاة التحقيق حيلة سوى إيداعنا الحبس. في الحقيقة، كنا نحو 110 سجين في الحراش، وجمعتنا نقاشات في موضوع "المساس بالوحدة الوطنية" التي كانت تهمة تلاحقنا جميعا، سواء أولئك الذين اعتقلوا بسبب حملهم الراية الأمازيغية أو من كتبوا منشورات أو أدلوا بتصريحات. ووجدنا أن هذه التهمة لا يمكن تحديد أين تبدأ وأين تنتهي، فهي تهمة غير محددة المعالم، وهذا ما أبرزته هيئة الدفاع، خاصة المحامي عبد الله هبول، في مرافعاتهم عني. أعود إلى سؤالك، فأقول إني لم أكن أتوقع النطق بالبراءة في حقي، خصوصا بعد استثنائنا من قرارات الإفراج التي كانت في بداية شهر جانفي، ورؤيتنا لتفاوت قرارات العدالة بين من يحكم بالبراءة تارة للنشطاء ومن يدينهم. لذلك، كان هذا الحكم بمثابة نشوة انتصار لأننا نستحق البراءة فعلا، وقد أخذت من حياتنا 140 يوم ظلما وعدوانا، وأتمنى أن يكون هذا الحكم بداية عهد جديد للقضاة حتى يحكموا ضمائرهم في كل القضايا.
هل تعتقد أن الوضع السياسي الحالي الذي يختلف عن الظرف الذي اعتقلتم فيه، قد ساهم في رفع الضغط عن العدالة في قضايا سجناء الحراك؟ في الواقع، هناك تخبط لدى السلطة في التعامل مع معتقلي الحراك. حيث أنه حتى من خرجوا في 2 جانفي لم يتم تحديد كيفية التعامل معهم. ما نلاحظه، هو أن إجراءات التهدئة التي يتم الحديث عنها تسير بمنطق خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف. التهدئة لا تخص ملف المعتقلين فقط، فلحد الآن لا يزال الحراك يعاني حصارا في بعض الولايات خاصة في الغرب، وهذا كيل بمكيالين لا يمكن تبريره. هناك أيضا الغلق الإعلامي والسياسي الذي نعيشه، فقد منع "قوى البديل الديمقراطي" من الحصول على رخصة للاجتماع مثلا. إن إجراءات التهدئة تكون جملة واحدة ولا تكون بالتقسيط. في الحقيقة، ما نعيشه اليوم بعد انتخابات 12 ديسمبر عشناه بدرجة أقل بعد 22 فيفري. وهنا أتساءل، هل الرئيس الذي أقسم على احترام الدستور والحقوق والحريات وحق التظاهر، قد غيّر وعده أم ماذا يحصل؟ فيما يخصني لدي قناعة بأن السلطة الفعلية ليست لها إرادة للذهاب إلى بناء الجزائر التي ينادي بها الحراك.
كيف تنظر إلى الرئيس الحالي في ظل تحفظ الحراك على الظروف التي وصل فيها إلى الرئاسة وطبيعة العلاقة التي يجب أن تبنى معه؟ الحراك منذ شهر أفريل الماضي، قال بصريح العبارة إنه يرفض تنظيم الانتخابات بنفس السلطة التي تركها الرئيس السابق. لذلك رفض الشعب الجزائري المشاركة في انتخابات تعيد إنتاج نفس النظام. ونحن في السجن، كنا مقتنعين بأن النظام لم يخرج عن قاعدته في اختيار واجهة جديدة. هذه الانتخابات حلّت مشكلة النظام فقط وليس الجزائر التي تكمن مشكلتها في الشرعية. أنا مقتنع بأن الرئيس الجديد لا يحوز على هامش مناورة حتى يحقق مطالب الحراك.
ما رأيك في موضوع الحوار مع تبون؟ الرئيس الحالي قال في الندوة الصحفية الأولى إنه يمد يده للحوار مع الحراك، ولم يتحدث بعد ذلك في هذا الموضوع. الرئيس بعد ذلك لم يجر حوارا ولكن مجرد مشاورات مع شخصيات يحترمها الحراك، وذلك للحصول على بعض الشرعية. هذه المشاورات غير ملزمة، بدليل أن معظم من التقاهم تبون حدثوه في ما يطلبه الحراك، لكنه لم يستجب. هذا ما يؤكد لنا أننا نسير في نفس النهج الذي رسم من قبل.
في ظنك ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر للذهاب إلى حوار؟ أولا، أريد أن أقول إنه ليس ضروريا أن يكون للحراك ممثلون حتى تتم الاستجابة لمطالبه، فكل من ينزل يومي الثلاثاء والجمعة ترتفع أصواتهم بمطالب معروفة من السهل الإنصات والاستجابة لها. الحراك يطلب دولة مدنية وعدالة مستقلة ورفع التضييق عن العمل السياسي والإعلامي واحترام حق التظاهر. بإمكان بعض الإجراءات أن تعيد الثقة وتفتح الباب للحوار. لكن ما نشاهده في الواقع، هو عكس ذلك تماما، فالسلطة تغلق عينيها عن المطالب، وتذهب بدلا عن ذلك إلى تشكيل لجنة لتعديل الدستور لإنتاج دستور لن يختلف كثيرا عن الدساتير السابقة. السؤال الذي نريد من السلطة أن تجيبنا عنه، هو ما هي نظرتها للحراك؟ بمعنى هل ترى فيه شريكا وجب الاستماع له أم عدو يجب القضاء عليه؟ أعتقد أن الإجابة كفيلة بحل الكثير من الإشكالات.
هناك رأي يقول إن نجاح السلطة في تنظيم الانتخابات الرئاسية الأخيرة هو فشل للحراك.. ما قولك؟ الحراك لم يحدد تاريخا معينا لتحقيق مطالبه. النظام في اعتقادي نجح تقنيا في تنظيم الانتخابات لكن الحراك نجح في المحافظة على الجزائر. الحراك لم يفشل بل هو يتأقلم مع كل مرحلة، لذلك تجد التجديد في الشعارات كل جمعة. الحراك لم يفشل بل نجح في تمرير موعد 12 ديسمبر رغم رفضه له بكل سلمية..
لكن هناك من يقول إن أعداد المتظاهرين تناقصت عما كانت عليه، ما يجعل الحراك غير قادر على مواجهة السلطة.. كيف ترد على ذلك؟ حتى وإن كان هناك تراجع كما يقولون، فيبقى الحراك في نظري قويا، وإلا لتوقفت السلطة عن أسلوب القمع في مواجهته والتعتيم الإعلامي عليه. من الطبيعي أن الشعب الجزائري خرج بقوة لإزاحة الرئيس السابق، ثم تراجعت الأعداد قليلا، لكن ذلك لم يمنع من إسقاط انتخابات 4 جويلية ووضع النظام في مأزق. في اعتقادي، فإن السلطة باعتمادها أسلوب القمع والتخويف والتخوين والتشويه واختراق الحراك، قد تكون تسببت في إنقاص أعداد المتظاهرين، لكن عدم المشاركة لا يعني عدم الاقتناع بمطالب الحراك.
هل غيرت فترة السجن نظرتك لبعض من كانوا شركاءك في المعارضة والذين لم يحملوا قضية سجناء الحراك ولم يجعلوها من أولوياتهم؟ لدي قناعة بأن الحراك كان بمثابة غربال للأحزاب والشخصيات ونشطاء المجتمع المدني. البعض من هؤلاء تبين أن همه كان إسقاط عبد العزيز بوتفليقة فقط ولا يهم من يخلفه. لقد لاحظنا أن عددا من الأحزاب التي كانت معنا ورفضت انتخابات 4 جويلية أسرعت إلى انتخابات 12 ديسمبر. ونحن نعلم أن هناك من سيلتحق بمشاورات الدستور القادمة وبالانتخابات التشريعية. هذا في السياسة طبيعي، فهناك من له أهداف بعيدة المدى وهناك من يبحث عن كوطة أو مناصب في المرحلة القادمة. لذلك، أعتقد أن الحراك وحده هو القادر على القيام بعملية الفرز.
عشت 5 أشهر في سجن الحراش الذي كان ينزل فيه أيضا كبار المسؤولين السابقين في الدولة.. ما الذي يمكن أن ترويه عن هذه الفترة؟ كنا 110 سجين، أكبرنا المجاهد لخضر بورڤعة وأصغرنا الشاب أمين. عشنا كعائلة واحدة تتقاسم أسوار السجن. معنوياتنا كانت مرتفعة وكنا نتابع عن كثب أخبار الحراك التي كنا نحصل عليها من تغطية جرائد أحييها على ما كانت تقوم به. في السجن، كانت هناك العصابة السياسية التي كانت معزولة عنا ولم نلتقها. وكان هناك أيضا الذراع المالي للعصابة (رجال الأعمال) الذين كنا نصادفهم ونتكلم معهم أحيانا. والغريب أنهم كانوا يعتبروننا السبب في دخولهم السجن، بينما كنا نرد عليهم بالقول إنهم السبب فيما وصلت إليه البلاد.