يستعرض رئيس رابطة كرة القدم المحترفة، عبد الكريم مدوار، مجموعة من المحاور المهمة المتعلقة بمصير مستقبل البطولة وكرة القدم الجزائرية في عز وباء كورونا الذي تعرفه البلاد، ويؤكد في هذا الحوار الذي خص به "الخبر" أن الموسم الكروي سينتهي وأن "الموسم الأبيض" غير مطروح على الإطلاق بما يتماشى وتوصيات "الفيفا"، مضيفا أن الرابطة لا سلطة لها على اللاعبين لتخفيض رواتبهم، مشيرا في السياق ذاته إلى أن تأخر انتهاء الموسم بسبب الفيروس سيطرح إشكال تاريخ انتهاء العقد، ما دفعه للتأكيد على إعادة النظر في صيغة العقود مستقبلا، التي سيرتبط تاريخ نهايتها بانتهاء الموسم وليس بحلول تاريخ 30 جوان، موضحا أن الرابطة ستضاعف من دعمها المالي للتكافل مع الشعب الجزائري في حال بقاء الوباء. وباء كورونا جعل الأسرة الكروية تتحد من أجل التضامن للتصدي له، كيف تجري عملية جمع التبرعات من مختلف الهيئات الكروية؟ خلال اجتماع 31 مارس للمكتب الفيدرالي، الذي جرى عن طريق "السكايب" وشاركت فيه إلى جانب المدير الفني الوطني، تضمّن جدول الأعمال نقطة واحدة تتعلق بالتضامن للتصدي له، من خلال تقديم مختلف الرابطات لمساعدات مالية، كلّ واحدة حسب إمكاناتها، على أن تقدّم الاتحادية أيضا دعما ماليا، يتم تحويله مباشرة إلى الصندوق الوطني الخاص للتضامن، وتم الاتفاق على أن يكون أدنى قيمة يتم تقديمها كدعم مالي من كل رابطة هي 50 مليون سنتيم.
لِمَ الاختلاف بشأن قيمة الدعم المالي المقدَّمة من طرف الرابطات؟ السبب بسيط ويكمن في اختلاف القدرات المالية بين الرابطات، خاصة الرابطات الولائية، فاختلاف عدد النوادي المنخرطة من رابطة ولائية لأخرى يجعل، منطقيا، القدرة المالية منخرطة بينها، وعليه تم تنصيب لجنة خاصة لمتابعة العملية تتكوّن من الأمين العام للاتحادية ورئيس اللجنة المالية ورئيس لجنة العلاقة بين الرابطات، على أن يقرر رئيس كل رابطة القيمة المالية التي سيتم تقديمها من أجل التكافل والتضامن مع الشعب الجزائري في هذه المحنة.
ماذا عن رابطة كرة القدم المحترفة والرابطات الجهوية؟ بطبيعة الحال القدرة المالية للرابطات الجهوية ورابطة ما بين الجهات ورابطة الهواة ورابطة كرة القدم المحترفة، تفوق قدرات الرابطات الولائية، ما يعني أن الدعم المالي سيكون أكبر، وبالنسبة لرابطة كرة القدم المحترفة، فقد قررنا في بداية الأمر تخصيص مليار سنتيم، وهي قيمة مالية ليست فعلا بالكبيرة، قياسا بغياب مداخيل منتظمة للرابطة هذا الموسم والموسم الذي قبله على خلاف التوقعات، وعلى الرغم من ذلك، اجتهدنا كرابطة لرفع القيمة المالية إلى 3 ملايير سنتيم، من خلال استشارة رؤساء النوادي بشأن اقتطاع 125 مليون من حقوق البث التلفزيوني لكل واحد منهم، حتى نجعلهم أيضا يشتركون معنا في هذا التكافل.
لكن الرابطة لم تتحصل بعد على حقوق البث التلفزيوني كاملة؟ هذا صحيح، غير أننا فضّلنا أن نستبق الأحداث ونجعل الاقتطاع يتعلق بالموسم الكروي المقبل 2020 / 2021، حيث تساهم الرابطة بهذه القيمة، على أن يتم اقتطاع ذلك من حقوق النوادي لعائدات البث التلفزيوني في الموسم الموالي، وقد استشرنا رؤساء الأندية من باب الاحترام، وقد رحّب الجميع بالفكرة، فقد تحدثت إليهم شخصيا ولمست من جميعكم موافقة دون شروط على المبادرة التي تهدف إلى المساهمة في التصدي لوباء كورونا، من خلال تمكين اقتناء المعدات والمستلزمات الطبية.
الدعم من الأسرة الكروية لم يقتصر على الجانب المالي، بل تم تسخير بعض المنشئات للنوادي والاتحادية لاستغلالها في الحجر الصحي، هل ترى أن المساهمة تتماشى ومكانة النوادي والهيئات الكروية وقدراتها أيضا؟ لقد تبيّن لنا اليوم، قياسا بتأثير وباء كورونا، بأن النوادي الجزائرية ليست مهيكلة، والقلّة القليلة منها مَن تملك منشئات رياضية تمنحها، على الأقل، بعض شروط مواصفات النوادي المحترفة والمهيكلة بطريقة صحيحة، ما سمح لهذه النوادي اليوم من المساهمة في القضاء على الفيروس بتسخير منشئاتها للحجر الصحي، على غرار شباب أهلي البرج وشبيبة الساورة وحتى الاتحادية، بمعنى أن هيكلة النوادي لا يساهم فقط في تطورها رياضيا، إنما يجعل منها حلا وذات فائدة للمجتمع والوطن وسندا للبنية التحتية للدولة في مثل هكذا حالات طارئة واستثنائية، كما أن تجنّد الأسرة الكروية للتصدي لوباء كورونا هو ردّ للجميل للدولة التي ساهمت بمساعداتها ودعمها المالي منذ الاستقلال في تطوير كرة القدم الجزائرية.
ألا تعتقد أن الدعم المالي للرابطات والاتحادية ضعيف مقارنة بالأموال التي تستفيد منها المنظومة الكروية؟ برأيي، لا أرى فائدة في بقاء الأموال مكدسة في البنوك، والشعب الجزائري والبلد برمّته يمرّ بفترة عصيبة وصعبة، والأولوية اليوم تتمثل في إنقاذ الأرواح وعدم انهيار البلاد، أما عن حجم الدعم، فقد قلت في البداية بأن مداخيل الرابطة تراجعت، لكنني، وعلى الرغم من ذلك، يمكننا الإعلان عن مساعدات أخرى في المستقبل، لو قدّر الله، بقاء الوباء لفترة أطول، وهو ما لا نتمناه جميعا.
منح الأولوية للتكافل شيء جميل، إنما التفكير في إنقاذ المنظومة الكروية من تأثير الوباء شيء مهم أيضا، ما هي الإجراءات المتخذة لحل مشكل رواتب اللاعبين في الفترة المتعلقة بتوقف المنافسة؟ هناك وضع اقتصادي صعب للنوادي قبل انتشار وباء كورونا، وهو مستمر اليوم بسبب عزوف الشركات العمومية والخاصة عن تقديم الدعم المالي بالشكل الذي كان حاصلا في السابق، وهو وضع جعل نحو 80 بالمائة من النوادي تعاني ماليا، فضلا عن أن وضع الكرة الجزائرية يختلف من جميع النواحي مع الوضع في أوروبا، فنحن بعيدون عن المعايير الحقيقية للاحتراف من الجوانب الاقتصادية والتنظيمية والقانونية وغيرها، مما يجعل أوجه المقارنة غير منطقية.
لكن ذلك لا يمنع من التفكير في إيجاد حلول، خاصة فيما يتعلق بإمكانية تخفيض الأجور والجانب التعاقدي بين اللاعب والنادي؟ يجب القول أولا إن الرابطة لا سلطة لها على اللاعب أو النادي، ولا يمكنها اتخاذ قرار بضرورة تخفيض اللاعبين لرواتبهم، حتى ولو كان الوضع اليوم، من الناحية الاقتصادية والرياضية، بسبب الولاء، يقتضي ذلك، وما يمكننا اليوم القيام به هو تقديم توصيات ودعوة هؤلاء إلى التفاهم وتقدير اللاعبين للوضع الحالي والاتفاق طوعا على تخفيض الأجور، بإيجاد ميكانيزمات لذلك، تعتمد، مثلا، على تحديد نسبة مئوية تأخذ بعين الاعتبار الفوارق في الرواتب بين اللاعبين، حتى لا يتأثر أي لاعب وأي فريق، وأنا على يقين أن اللاعبين لن يمانعوا ذلك، فهم جزء من الشعب ويتفهمون الوضع الاستثنائي الذي تمر به كرة القدم الجزائرية والبلاد.
الفرق الذي تتحدثون عنه بين واقع الكرة الجزائرية والأوروبية لا يمكن اعتباره مبررا، بل عيبا طالما أن الجانب التنظيمي والقانوني الحقيقي يسهّل الوصول إلى اتفاق في مثل هذه الحالات الاستثنائية؟ أعترف بأننا مطالبون بالارتقاء بكرة القدم الجزائرية إلى أعلى درجات الاحتراف، ولكن اليوم ليس هذا واقعنا للأسف، فكرة القدم العالمية، في تسييرها، تضمن عائدات مالية على الدوام، وحقوق البث التلفزيوني تشكل نسبة مئوية عالية من المداخيل، كما أن كرة القدم العالمية مبنية على عدة معطيات، منها الاتفاقية الجماعية، والتمثيل النابي للاّعبين والمدربين والفاعلين في الكرة، وبالتالي، علينا أن نجتهد لتحسين هذه الجوانب حتى يكون الاحتراف أفضل، وحين نتحدث عن "المخرج" بالوقائع الحالية، فأقترح، مثلا، تكليف قائد كل فريق للحديث باسم زملائه اللاّعبين للوصول إلى تخفيض الأجور بالتراضي، وهذا ما أتمناه أن يحدث في القريب العاجل.
"الفيفا" كشفت عن جملة من الإجراءات لتفادي الخلافات القانونية بسبب الوضع الاستثنائي، منها تقييم قراءة "منطقية وصحيحة" لموعد انتهاء العقود في حال تأجّل موعد العودة إلى المنافسات وتعدى ذلك تواريخ انتهاء عقود بعض اللاّعبين، هل فكرتم مثلا في ذلك؟ لا أخفي عليك أن هذه النقطة بالذات كنت قد اقترحتها على المكتب الفدرالي، والغرض تفادي مستقبلا أي نزاع قانوني بين اللاعب والنادي، بسبب موعد انتهاء العقود، خاصة في حال انتهت البطولة قبل انتهاء شهر ماي، وبقي في عقد اللاعب شهر واحد إلى غاية جوان، أو إذا انتهت البطولة في فترة ما بعد جوان يكون فيها أي لاعب حر من أي التزام، وقد تم إدراج هذه النقطة بالتحديد للنقاش على مستوى اللجنة المكلفة بإعادة دراسة القوانين الأساسية، التي أحظى بعضويتها، واقترحت أن تكون الصياغة في العقود لا تعتمد على تاريخ 30 جوان لتحديد موعد نهاية العقد، إنما ينتهي العقد مستقبلا بانتهاء البطولة بغض النظر عن تاريخ انتهائها حتى نُنهي هذا الجدل، بينما يمكن تحديد بداية العقد قبل انطلاق الموسم، طالما أن اللاعب يكون مطالبا ببداية التحضيرات قبل موعد الجولة الأولى.
من بين قرارات "الفيفا" في هذا الظرف المتعلق بالوباء عدم وجود موسم أبيض، ما هو تصوركم لطريقة إنهاء البطولة؟ نحن نسير في نفس طرح "الفيفا" منذ البداية، المتمثل في ضرورة إنهاء الموسم، ولدينا عدة سيناريوهات لذلك، إنما الإشكال القائم هو عدم معرفتنا بتاريخ انتهاء هذا الوباء، ولا نعلم متى تعود الحياة إلى مجراها، والتالي، لا يمكن استباق الأحداث وتقديم تصور في غياب المعطى المهم وهو توقيت انتهاء الوباء.
هل تنتظرون في البداية إعلان الدولة عن فتح المنشآت الرياضية قبل تقديم التصورات والاحتمالات؟ الدولة لا تتدخل في قرارات الهيئات الكروية...
لا أقصد تدخل الدولة إنما المقصود أن تكون، ربما، إعادة فتح المرافق الرياضية بمثابة أول إشارة إلى عودة الحياة الطبيعية.. ؟ لو قدّرنا، مثلا، فتح المنشآت في جوان، فإننا سنقدّم تصور لإنهاء الموسم الذي لم يبق منه سوى ثماني جولات، وسنأخذ بعين الاعتبار طبعا فترة إعادة التحضيرات، وفي كل الحالات، سنستشير اللجنة الفنية الوطنية واللجنة الطبية، وسنأخذ بعين الاعتبار كل توصيات وزارة الصحة قبل اتخاذ أي قرار، ولو وجدنا نفسنا مجبرين على إنهاء البطولة في سبتمبر فسيكون ذلك، لأن الموسم الكروي غير مرتبط بالمكان والزمان، المهم هو إنهاءه، ثم تحديد بعدها الإجراءات المناسبة لتحضير الموسم المقبل، على غرار فتح مرحلة التحويلات وتحديد موعد انطلاق الموسم الجديد.
هل تتوقع تغيير المنظومة الكروية الجزائرية بسبب وباء كورونا؟ هذا أمر متوقع بكل تأكيد، فالتغيير سيشمل عدة جوانب، منها الاقتصادية وحتى الذهنية والأخلاقية.