يشرح المهندس في البيوتكنولوجيا والمختص في التصنيع الطبي والدوائي مراد ملاح، المواصفات الواجب توفرها في الكمامات حتى تحمي مرتديها من تسلل الفيروس التاجي، وبقدر ما ثمن المتحدث في حوار مع "الخبر"، قرار الجزائر بتعميم وإجبارية الكمامات في الفضاء العمومي، بقدر ما حذر من ارتداء كمامات غير مطابقة للمعايير، كونها تؤدي إلى نتائج وخيمة، مبديا صدمة من تحويل خياطة كمامات من قماش إلى "ملاحم تاريخية" تقام لأجلها زيارات رسمية. ارتداء الكمامة أأمن سلوك لتجن العدوى وأقصر طريق لاحتواء الأزمة في نظر وزير الصحة، البروفيسور عبد الرحمن بن بوزيد، هل الكمامات المصنعة في البيت تؤدي هذا الدور أيضا؟
قرار وزير الصحة الجزائري بتعميم استخدام الكمامات ربما متأخر قليلا لكنه صائب ونثمنه، كون تجارب دول أخرى أثبتت نجاعته، لكني أتحدث هنا عن الكمامات المتطابقة مع المعايير العلمية والعالمية، وليس كمامة قماش من أجل شعور وهمي بالحماية من تسلل الفيروس التاجي. وأشير هنا إلى عدة نقاط مهمة يجب أن ترافق قرار الوزير عبد الرحمن بن بوزيد، في مقدمها توفير الكمامات المطابقة للمعايير، لأن ندرتها ستؤدي إلى انتشار الكمامات المقلدة المصنعة من أقمشة، وهو ما سينسف كل الجهود التي بُذلك لكسر سلاسل انتقال فيروس "كوفيد19". ثم تأتي جزئية ضرورة مصاحبة ارتداء الكمامة لفترات لا تتجاوز الأربع ساعات، وهذا ما يمكن اعتباره مستحيلا في الجزائر، بالنظر إلى كلفة الأقنعة وصعوبة اقتنائها لكل أفراد الأسرة. وأخيرا، يجب أن نتوقف على أخذ الأمور ب"عاطفة قاتلة" .. فقد ذُهلت من تحويل خياطة كمامات من القماش إلى "ملاحم تاريخية" و "بطولات عالمية" تقام لأجلها زيارات رسمية وتقارير تلفزية في القنوات الخاصة، فلا يُعقل أن الكمامات التي تحاربت دول متقدمة ومارست حتى القرصنة لأجلها، وهددت الولاياتالمتحدة نظيرتها الصين، خوفا من عدم بيعها حصصا كافية، أن نكون نحن الجزائريون قد وجدنا لها حلا بخياطتها من القماش العادي، في حين تستدعي قواعد ومعايير محددة لتحمينا من الفيروس التاجي. بالتالي، فالحرص على صناعة كمامات مطابقة للمعايير، لا ينسف جهود جبارة بذلتها الأطقم الطبية وشبه الطبية في الجزائر، فإذا كانت أوروبا قد سجلت مئات الآلاف من المصابين وعشرات الآلاف من الوفيات واحتاجت لأشهر حتى تسيطر نسبيا على الأزمة وقد شحت مخازنها واُستنزفت طواقمها، فإن وضعية "طب الحروب" أي الاستعجالات ببلادنا، هو الوضع العادي، لذلك تمكنت منظومتنا الصحية بمجاراة الأزمة وإدارة العلاجات بخسائر ضئيلة في الأرواح، بالرغم من الإمكانات المحدودة جدا ومن واقع المنشآت الصحية الذي نعرفه جميعا، فقطاع الصحة عندنا في "حالة حرب" منذ عقود.
بصفتك مشرفا على مشاريع تصنيع طبية ودوائية بعدة دول خليجية وأول من أقام مصنعا لإنتاج كمامات ومستلزمات طبية بدولة قطر منذ شهرين، ما هي المواصفات العلمية الضرورية للكمامة الموجهة للمواطنين لصد الفيروس، خلافا لتلك المخصصة للقطاع الطبي؟
لأقنعة الوجه عدة غايات، بدءً بالحماية من استقبال سوائل محيطنا عند السعال او العطس، مرورا بمنع قذف إفرازات مرتديها إلى الآخرين، وصولنا إلى أنها تذكر من يضعها بعدم لمس الأنف والفم خاصة وأن بعض الأسطح التي نلمسها بالأيدي قد تحوي بكتيريا وفيروسات. وكل الأدلة العلمية المتوفرة لغاية اليوم، تدعم بشكل كبير فعالية أقنعة الوجه في منع انتشار العدوى، وقد كانت التوصيات الشديدة باستخدامها هي أهم ماميز جهود العالم في مواجهة انفلونزا الخنازير في سنة 2009 وقبلها سارس سنة 2003 واليوم "كورونا" المستجد، لذا فإن تصنيع كمامة مرتبط بشروط علمية محددة سواء كانت موجهة للمواطن أو للمهنيين في قطاع الصحة.
يمكنك عرض تفاصيل مبسطة لهذه المعايير؟
قناع الوجه يتميز بثلاث طبقات تسمى في مجملها "سندويتش الأنسجة غير الليفية"، وهي عبارة عن طبقتين خارجيتين وطبقة داخلية من Spun bond وMelt blown ، وهي مواد غير منسوجة، نقيضة تماما للقماش المنسوج، ومصنعة من "بولي بروبيلان" أو "بولي ايثيلان" ذي الكثافة القريبة من 1 غرام في السنتيمتر المكعب والمتشكل عند درجة الحرارة القريبة من 165 درجة مئوية. وهي قطع لديها خصوصية معروفة بمقاومتها الممتازة ل"لاسيتون وايتيلان الغليكول" وحمض "الهيدروكلوريك" و"حمض الحل"، على ألا تقل سماكة الطبقيتين الخارجيتين عن 40 و 25 غرام في المتر المربع، فيما تقدر سماكة الطبقة الوسطى ب 25 غرام في المتر مربع. وبالنسبة للمواصفات الشكلية للكمامات الواجب ارتدائها من طرف المواطنين ليتمتعوا بحماية جادة، أن يعتليها شريط بتقطيب مضاعف به تجويف داخلي، ويثبت عليه سلك معدني، بغرض تشكيله على جسر الأنف، فيما يسمح المطاط على جانبي القناع بارتدائه خلف الاذنين وتوجد أنواع أخرى، حيث يستبدل المطاط بخيوط تربط خلف الرأس وهو الأنسب للطواقم الطبية عادة . ولا يمكن أن نتجاهل ونحن نشتغل على تصنيع الكمامات، المعطيات الفنية التي تدعمها علامة الجودة الاوربية "CE" لا سيما في البند 42-93 وكذلك التفاصيل المهمة في متطلبات شهادة المطابقة والجودة العالمية المعروفة اختصارا ب "الإيزو"، خصوصا "إيزو 14683" الذي يصف جودة المستلزمات والمعدات الطبية.
لكن تكلفة هذه المواد من استيراد وشراء، ترفع من سعرها وبالتالي يعجز المواطن عن توفيرها؟
جدير بالذكر أن هذه المواد اليوم تعرف ندرةً وغلاءً، بسبب زيادة الطلب العالمي أيضا، وانتقلت أسعارها من 2500 دولار كحد أقصى لسعر الطن الواحد، إلى أكثر من 60 ألف دولار، ما تسبب آليا في ارتفاع سعر المنتج النهائي. غير أن هذا المنتج صار ضروريا في هذه المرحلة من تاريخ الجزائر، بالتالي يجدر التساؤل هنا حول عجزنا المستديم في توفير صناعات تليق بحجم الجزائر، وقد برهن الشباب الجزائريون من خلال المبادرات اليومية التي شوهدت خلال الأزمة، أنهم قادرون على انجاز الكثير بأقل الإمكانات، وعليه صار حتميا تركيز الجهد على إقامة صناعات للكمامات المطابقة للمعايير هنا بالجزائر، وعدم الاكتفاء باستيرادها آو استيراد مادتها الأولية، وقد يساعدنا في ذلك علاقتنا المميزة مع الصين. خصوصا وأن قيمة هذه الخطوط الإنتاجية تضاعفت وقفزت من أقل من 50 ألف دولار قبل "أزمة كورونا" إلى حدود 200 ألف دولار بعد الحظر الذي طال تصديرها لفترة طويلة، قبل استئنافه، فيما زادت الحاجة أيضا إلى مهندسين مختصين في تشغيل هذه الخطوط وصيانتها، في ظل استحالة إرسالهم من الشركات المصدرة لهذه الخطوط، بسبب تعليق حركة الملاحة الجوية بالعالم.
ماذا تقترح على صناع القرار في الجزائر، لتسيير أمثل للأزمة الصحية في جانبها المتعلق بالتصنيع الطبي؟
أولا، تكاليف شحن واستيراد هذه الخطوط الإنتاجية ارتفعت بشكل غير معقول، فماكنة اشتريتها ب 43 ألف دولار وشحنها ب 2000 دولار من الصين، صار سعرها ب 250 ألف دولار وشحنه ضعفا، دون الحديث عن حبيبات حبيبات "بولي ايثيلان"، التي تعتبر أحد أهم المواد الأولية في تصنيع مواد الكمامات، والتي يحج إلى قطر والسعودية آلاف رجال الأعمال لشرائها، بينما كانت الجزائر تقيم مصنعا خاصا لها كونها من مخرجات البترول، لكن، للاسف لم ير النور. فالصين بمجرد ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان حظرت كل ما له علاقة بتصنيع الكمامات، وعليه أنصح السلطات الجزائرية أن تستغل علاقاتها مع الصين للاستفادة من خبرات تصنيع الكمامات المتطابقة مع المعايير وليس فقط الاستيراد، خصوصا أن لديها خطوط إنتاج أقنعة مُدمجة بقطع غيار ألمانية ويابانية، بإمكانها أن تكون مرحلة أولية، قبل إقامة صناعات محلية خالصة، حيث تصل طاقتها الإنتاجية إلى 130 قناع بالدقيقة، وهي أكثر الخطوط طلبا واستخداما بالعالم. وبعد تجربتي المتواضعة وتعاملاتي مع عدة بلدان آسيوية، افريقية ولاتينية في هذا الشأن، أنصح المستثمرين بالجزائر بالتوجه إلى هذا المجال، إذ بإمكانهم الاستمرار في إنتاج كمامات الوجه الخاصة بالأطقم الطبية، في حال تراجع الطلب على كمامات الوجه العادية مع انحسار الوباء، إن شاء الله.