"ركضت بسرعة حاملا محضر النتائج وتحصّنت بدورة مياه، لكنهم كسروا الباب مدججين بأسلحة بيضاء أمام مرأى ومسمع السلطات الأمنية".. مقطع صادم رواه قاض للمحققين في الأحداث الشهيرة لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة بتلمسان سنة 2018، وهي وقائع تكررت بصور مختلفة في قضية ثانية بغرداية، ستأخذ مجراها قريبا للمحاكمة. في ملف التأثير على القضاة الثقيل الذي لم يخرج كامل أسراره، يواجه وزير العدل السابق الطيب لوح وكل من المفتش العام والأمين العام بوزارته، تهما شديدة الخطورة، تتعلق بالانتخابات التي نظمت خلال العهدة الرابعة للرئيس السابق، بشكل يعزز من الانطباع العام الذي أصبح يتقاسمه حتى المسؤولين الحاليين، من حالة الفساد المعمم التي كانت تطبعها. ووفق ما روته مصادر مطلعة على أوراق الملف ل"الخبر"، تدور وقائع الحادثة الأولى بولاية تلمسان بمناسبة إجراء انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة بتلمسان في نهاية سنة 2018، فقد تم التحريض على التزوير والتستر عليه لفائدة مرشح حزب جبهة التحرير الوطني الذي ينتمي إليه الوزير السابق الطيب لوح على حساب مرشح التجمع الوطني الديمقراطي. وتشير تفاصيل القضية، وفق المصادر، إلى أن أحد أعضاء مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي المنتمين إلى الأفالان (يظهر في قائمة الشهود وليس المتهمين)، وهو صهر وابن خالة وزير العدل لوح، قد قام بتاريخ 29 ديسمبر 2018، بتحريض مجموعة من الأشخاص لتهديد قضاة تابعين لمجلس قضاء تلمسان كانوا مكلفين بالإشراف على الانتخابات، بهدف الضغط عليهم قصد تغيير مضمون محضر فرز الأصوات التي لم تكن لصالح حزبه. وتأكدت هذه الوقائع للمحققين من عدة أطراف، خاصة أحد مستشاري مجلس قضاء تلمسان وعضو مكتب التصويت رقم 01 في تلك الانتخابات، والذي ذكر أنه بعد إجراء عملية التصويت في ظروف جد عادية والإعلان عن نتائج الفرز، تقدمت مجموعة من الأشخاص بعضهم معروفون بسوابقهم القضائية نحو عضو مجلس الأمة قريب الوزير لوح، وبإيعاز منه أشهروا أسلحة بيضاء. أمام هذا الوضع، يروي المستشار -وفق المصادر- أن جميع أعضاء المكتب لاذوا بالفرار نحو الطابق العلوي خوفا على أنفسهم، بينما عمد هو لحمل محضر الفرز وغادر المكان بحثا عن ملجأ آمن، إلا أن المعتدين لاحقوه مشهرين أسلحتهم البيضاء، مما دفعه إلى الدخول إلى دورة المياه وغلق الباب، لكنهم قاموا بكسر الباب وأخذوا منه المحضر بالقوة، ولم ينج منهم إلا بعد تدخل أحد الحاضرين. بعد ذلك روى الضحايا أن المعتدين أرغموا كل القضاة على الدخول إلى مكتب رئيس ديوان المجلس الشعبي الولائي وأغلقوا الباب ثم أمطروهم بعبارات السب والشتم والتهديد لإرغامهم على تغيير نتائج عملية الفرز. وبعد رفض كامل أعضاء المكتب الانصياع لتلك الأوامر قام هذا الشخص بتهديدهم بالتأثير على مسارهم المهني ملمحا إلى علاقته بالوزير. واللافت أن هذه الواقعة التي انتشر فيديو حولها في ذلك الوقت، جرت وفق ما أفاد به الضحايا، تحت مرأى ومسمع مسؤولين أمنين لم يستطيعوا التحرك بسبب عدم حصولهم على تسخيرة بذلك. وفي روايته، ورط المفتش العام بوزارة العدل بن هاشم الطيب الوزير لوح، الذي لم يأمر -حسبه- بفتح تحقيق رغم تبليغه بالواقعة في حينها. أما الوزير السابق المتهم فقال إنه أمر بفتح تحقيق في الموضوع دون أن يعرف مآله كما نفى علمه بتحويل القاضي ضحية الاعتداء من مستشار بالمجلس إلى قاضي الأحداث. ومع أن هذه الحادثة اعتُدي فيها بواسطة أسلحة بيضاء على أربعة قضاة أثناء مزاولتهم مهامهم وأثارت ضجة إعلامية وقتها، إلا أن تحرك الدعوى العمومية لم يكن سوى بتاريخ 10 أكتوبر 2019، رغم أن مصالح الضبطية القضائية وجهت تقريرا إخباريا أوليا لوكيل الجمهورية حول الوقائع يوم 30 ديسمبر 2018 ثم تقريرا إكماليا في 31 ديسمبر 2018 وآخر في 3 جانفي 2019. كل هذه المعطيات أكدت وفق المصادر، وجود قرائن متماسكة ضد المتهم الطيب لوح من شأنها تعزيز الاتهام ضده لارتكابه جنحتي إساءة استغلال الوظيفة وإعاقة السير الحسن للعدالة وفقا للمواد 33 و44 و48 من قانون مكافحة الفساد.
مرشحة مدللة بغرداية! أما القضية الثانية المتعلقة بالانتخابات ضمن نفس الملف، فتعود إلى تاريخ 5 مارس 2017 بمناسبة تشريعيات تلك السنة، حيث قام كل من الأمين العام لوزارة العدل السابق والمفتش العام ومدير الشؤون المدنية وختم الدولة بوزارة العدل، بناء على تعليمات وزير العدل السابق الطيب لوح، بالاتصال هاتفيا لعدة مرات برئيس مجلس قضاء غرداية ورئيسة اللجنة الانتخابية لولاية غرداية لأجل دفعها لتمكين مرشحة حرة هي مقاولة بالمنطقة، من جمع استمارة التوقيعات بأثر رجعي ليتسنى لها إيداع ملف ترشحها. لكن أمام رفض المعنيين الانصياع للأوامر والضغوطات الممارسة عليهما بسبب إنهاء اللجنة لعملها وانقضاء الآجال، لجأ مسؤولو وزارة العدل بموافقة من الوزير إلى الاتصال برئيس المحكمة الإدارية بغرداية وإعطائه تعليمات في هذا الشأن. وأمام إصرارهم على الرفض، تم توجيه المرشحة الحرة إلى رفع دعوى أمام القضاء الإداري الذي أصدر في الأخير يوم 6 مارس 2017 قرارا لصالح المرشحة يقضي باعتماد استمارة اكتتاب التوقيعات، وبالنتيجة أمر الوالي بقبول إيداع ملف هذه القائمة. وفي إفادتها، حسب المطلعين على الملف، أكدت رئيسة اللجنة الانتخابية لولاية غرداية تعرضها لضغوطات كبيرة عبر مكالمات من الوزارة لاستقبال صاحبة القائمة الحرة، وتمكينها من المحضر بعد انقضاء الأجل القانوني، لكنها رفضت. وأمام استماتتها، طلب منها الالتحاق بمجلس قضاء غرداية ليلا وتحدث معها المفتش العام والأمين الهام لتمكين المرشحة من المحضر، لكنها جددت الرفض. ثم طلب منها تحرير محضر لها بتاريخ سابق ولما رفضت شدد مسؤول الوزارة من لهجته معللا طلبه بأن هذه القضية تتعلق بمصلحة عليا للبلاد. ولما أصرت خاطبها بعبارة "من تكونين" التي استشعرت فيها إهانة في حقها.. وقد كان لهذا الترهيب عواقب وخيمة عليها، كما تروي، حيث تم نقلها إلى مجلس قضاء تيارات ما اضطرها وهي أم لثلاثة أولاد، أن تقطع مسافة 300 كلم للالتحاق بمنصبها الجديد. ولم يغفر لوح ومحيطه لهؤلاء القضاة تمسكهم بتطبيق القانون، فقد انهالت أطقم التفتيش على مجلس قضاء غرداية لعدة مرات، كما أصبحت هذه المترشحة الحرة المتهمة اليوم بارتكاب جناية، تتباهى بعد حصولها على مرادها بأنها تستطيع التصرف في قضاة المجلس كما تشاء. وفي النهاية، تم تحويل قاضية ومستشار بمجلس قضاء غرداية دون طلب منهما بينما تعرض رئيس المجلس إلى كل أنواع الظلم والتهميش، وفق رواية الضحايا من الأطراف المدنية في هذه القضية التي ستعالجها محكمة الجنايات بالعاصمة قريبا.