في حوار مفصل خص به "الخبر"، أكد المدير العام لمعهد باستور الجزائر، الدكتور فوزي درار، أن المنحنى الخاص بالتلقيح ضد "كوفيد 19" في صعود تدريجي، وأنهم يسعون لضمان التلقيحات في أقرب الآجال، مضيفا بخصوص النسخة المتحورة البريطانية بالجزائر أنهم ينتظرون ظهور حالات أخرى. كما يفصّل محدثنا في المسألة أكثر وفي شؤون أخرى في الحوار التالي. لعل أول سؤال من المفروض طرحه في الوقت الحالي متعلق بالمتحور البريطاني، ما جديده عندنا؟
للحديث عن انتقال المتحور البريطاني إلى جزائر والحالات التي تم تسجيلها، أود التأكيد على أن ما بادرنا إليه بعد إجراء كشوفات تشخيص "كوفيد 19"، تمثل في اعتمادنا استراتيجية موازية لمحاولة تشخيص بعض التغيرات التي تحدث على بعض الفيروسات، حيث تم تشخيص كثير من التغيرات التي لم يكن لها أثر على قدرات الفيروس على التفشي والخطورة وحتى الأسبوع ما قبل المنصرم، تم تشخيص 3 تغيّرات أو طفرات على الفيروس، وهي خاصة بالسلالة المتحورة البريطانية، علما أن جميع السلالات المعروفة في العالم، سواء تعلق الأمر بالسلالة البريطانية أو الجنوب إفريقية أو البرازيلية، هي الطفرات أو التغيرات التي تتمتع بمميزات خاصة بها ومعروفة لدى المخابر المرجعية التي يستند إليها في التشخيص النهائي. وقد ثبت لدينا أن التغيّرات الثلاث التي شخصناها خاصة بالمتغيّر البريطاني، وقد تم الكشف عنها كما سبق وأعلنّا عن ذلك، لدى عاملة بالصحة بالمؤسسة الاستشفائية للشراڤة بالجزائر العاصمة، إلى جانب جزائري قدم من فرنسا لحضور جنازة والده، كما كانت هناك حالات قيد البحث والتقصي، وهو ما أشرنا إليه في الأيام الأخيرة الماضية، ليتم بتاريخ 04 مارس المنصرم، تأكيد تسجيل ست حالات أخرى حاملة لنفس السلالة على مستوى مخابر معهد باستور، ويتعلق الأمر بأربعة أشخاص كانوا على اتصال بإحدى الحالتين الأوليتين، لتتأكد إصابتهم في إطار التحقيقات الوبائية التي كنا نقوم بها حول محيط أول حالتين. وأشير إلى أنه قد تم عزلهم حاليا على مستوى كل من المؤسسة الاستشفائية المتخصصة في الأمراض المعدية بالقطار في العاصمة، وكذا على مستوى المؤسسة العمومية الاستشفائية بالرويبة بالعاصمة أيضا. وفي ذات السياق، أود أن أشير إلى أننا ننتظر ظهور حالات أخرى مستقبلا، لأن استراتيجية المراقبة التي اعتمدناها هي سارية المفعول وتجري بانتظام، طبعا حسب تسجيلنا للحالات الإيجابية كوننا نتولى تشخيص "كوفيد 19"، ثم ننتقل للكشف عن السلالة.
هل تتوقعون تسجيل حالات أخرى في الأيام المقبلة؟
طبعا هذا وارد، لأن الفيروس لن يتوقف عند هذا العدد وسوف نتولى إعلام الرأي العام بكل ما نتوصّل إليه، فنحن وبمجرد اكتشاف أولى الحالتين أعلنا عنها، وواصلنا الكشف عن الحالات المشكوك فيها، لنصل بعد أيام من البحث إلى تأكيد 6 حالات جديدة، وعليه أؤكد أنه من المستحيل أن يقف الفيروس عند أشخاص محدودين، ورغم أنه تم تشخيص حالات قريبة من محيط الحالات الإيجابية، إلا أنها كانت سلبية، لكن هذا لا يعني عدم تسجيل حالات أخرى في المحيط الواسع، إذ قد تكون سجلت إصابة أقارب من بعيد كانوا على اتصال بالحالة الإيجابية، لكن لم يتم الكشف عندهم.
عرف عن الفيروس المتحور انتشاره بين الشباب بصفة خاصة، هل هذا يعني أن كبار السن غير معرضين له بنفس الوتيرة؟
صحيح أن ما عرف عن المتحور البريطاني ممثل في كونه أكثر سرعة من الفيروس الأصلي، وذلك من ناحية كونه أكثر انتشارا بنسبة تتراوح بين 50 إلى 70 بالمائة، لأن التغيّرات التي حدثت على الفيروس تسمح له بالتشبّث بفعالية داخل الخلايا التنفسية لجسم الإنسان، كما أنه يصيب الشباب وهذا غير مفاجئ، لأنه كلما كانت هناك سرعة أكثر للانتشار، تكون نسبة التنقل إلى أشخاص آخرين كبيرة وخاصة في أوساط الشباب، لكن هذا لا يعني أن كبار السن غير معرضين، أو أن تعرضهم يكون بوتيرة أقل، خاصة وأن المعروف عن هذه الفئة هشاشتهم الصحية. علما أن هذا الفيروس يضرب بصفة مباشرة من لديهم جهاز مناعة هش، وأصحاب الأمراض المزمنة، وبالتالي فكبار السن معرضون مثل غيرهم، خاصة وأن الأمر يتعلق بسلالة لم تستثن مختلف الفئات العمرية ما عدا الأطفال.
طالب بعض المختصين في علم المناعة عندنا، بضرورة إدراج "بي سي أر" ثانية للوافدين من الخارج، مع عزل صحي لمدة لا تقل عن 5 أيام، ما مدى فاعلية ذلك في اتقاء انتشار المتحور؟ وهل ترونه ناجعا؟
طبعا هي اقتراحات محترمة، واردة من طرف مختصين نحترمهم، لكن المجلس العلمي المكلف بمتابعة تطور فيروس كورونا بالجزائر، يتشاور مع جهات متعددة وينتقي الأنجع منها، وأظن أن القرارات التي اتخذت لحد الآن، هي قرارات تماشت على نسق الوضعية الايبدميولوجية، فعدد الحالات المسجلة يوميا لا تزيد عن 200 حالة، وهي مستقرة إلى حد ما، لكن ما يمكن قوله حول المسألة، هو أنه لو عرف المنحنى الوبائي تصاعدا ملحوظا، فسوف تتخذ بالتأكيد إجراءات أخرى، سواء من ناحية التشخيص عن طريق خزعة الأنف "بي سي أر"، أو من ناحية مسألة الحجر الصحي التي قد يعاد النظر فيها. ففي فرنسا مثلا، انتقلت فترة الحجر الصحي بالنسبة للوافدين للتراب الفرنسي من أسبوع إلى 10 أيام، لأن العدوى باتت منتشرة بكثرة و بوتيرة عالية، وذلك لتعدد السلالات عندهم، علما أن السلالة الأكثر انتشارا هي البريطانية والتي تعني نصف الحالات، وهي الوضعية التي استوجبت بطبيعة الحال كسر سلسلة الانتشار، وخلاصة القول حول هذه المسألة ممثلة في مواكبة الحالة الوبائية.
ننتقل سيدي للحديث عن عملية التلقيح ضد فيروس كورونا، هل لنا أن نعرف عدد الملقّحين بعد مرور أكثر من شهر على انطلاق العملية؟ إلى أي مدى يمكن تعميمها؟ وهل سنبلغ تلقيح 70 بالمائة من السكان؟
لا يمكنني أن أمدكم بعدد الملقّحين، لأن ذلك من اختصاص مصالح الوقاية لدى وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات، لكن يمكن أن نستدل بالعدد من خلال كميات اللقاحات التي وزعت، حيث أن معهد باستور الجزائر يعمل على مخزون 300 ألف جرعة تم توزيعها، وهي على مستوى مراكز التطعيم، وما يمكن أن أقوله، أن المنحنى الخاص بالتلقيح في تصاعد تدريجي، حيث أنه بعد وصول أولى الجرعات في أواخر شهر جانفي، ورغم قلتها، سجلنا ارتفاعا في وتيرة التلقيح وإن كانت ضعيفة وتمت بالتدريج، وبالتالي يبقى الهدف هو الإبقاء على هذه الوتيرة التصاعدية، خاصة وأن هناك برامج تلقي لقاحات وجرعات أخرى في الأسابيع القادمة. أما بخصوص بلوغ نسبة 70 بالمائة من الملقّحين بالجزائر، فأجيبكم أن كل المشاورات والمراحل التي نحن بصدد إتمامها مبنية على تحقيق مسألة تلقيح 70 بالمائة من المواطنين، وأؤكد لكم بأننا في الطريق الصحيح.
ماذا عن كمية اللقاحات المبرمج استيرادها؟
ننتظر أن نستلم 70 بالمائة منها، والمقدّر بما يتراوح بين 35 و40 مليون جرعة قبل نهاية السنة، وسوف يتم توزيعها عبر برامج التلقيح التي نسعى من الناحية اللوجيستيكية انتهاجها إلى غاية نهاية السنة، لكن هذا لا يعني أننا نسعى في المقابل إلى ضمان وصول اللقاحات وإفادة أكبر نسبة من المواطنين بها في أقرب الآجال.
هناك من قلل من شأن الكمية التي تم استيرادها، وسبق لكم أن قلتم في هذا الشأن إن الدول المنتجة هي التي تتحكم في الكميات، هل لكم أن توضّحوا ذلك للقراء؟ وما رأيكم في الاتصالات التي تجرونها بالتنسيق مع وزارة الصحة في هذا السياق؟
نتفاجأ، والله، لما نسمع مثل هذه الأمور، ولمن يقول بأن الكمية قليلة نجيبه ونقول إنها مخصصة لهذه الفترة الحالية فقط في انتظار المزيد، لأنه كان لا بد من الشروع في التلقيح في أقرب وقت. هناك دول شقيقة لم تنطلق فيها العملية تماما، كما أن هناك دول أوروبية بدأت ب19 ألف جرعة ورفعت بعد ذلك وتيرتها في التلقيح، وبالتالي يجب أن ننظر للفترة المبرمج عبرها التلقيحات، والتي سوف تكون على مراحل، لأن منتج اللقاح يبرمج توفير لقاحه لكل دول العالم، وهي برمجة تستلزم أن يتم تلقي اللقاح بكميات معينة تدريجيا مع الزمن كون المخابر المنتجة لا يمكنها أن توفي بالطلبات في وقت وجيز، وبالتالي فالاستراتيجية المعتمدة ممثلة في برمجة التلقيح في مدة زمنية، والعمل على أن تكون عدد الجرعات المنتظرة أكثر مما تم توفيره، وهذا هو الهدف الرئيسي. هذا من جهة لوجيستيكية كمية اللقاحات، أما بخصوص الاتصالات التي بادرنا بها مع وزارة الصحة، فأقول إنه ومنذ شهر سبتمبر للسنة الماضية، بادرنا بالتحادث مع السفارات، ثم اتصلنا بمنتجي اللقاحات، وحاليا نتحادث على شقين متوازيين على مستوى الوزارة: شق مشترك مع الميكانيزمات الدولية، وهما اثنان ممثلان في برنامج "كوفاكس" والاتحاد الإفريقي، وهي جرعات تم ضمانها. إلى جانب الشق الثنائي الذي يتم بين الجزائر والمخبر المنتج للقاح مباشرة، وهي اتصالات كانت ولا زالت مع الشريك الروسي، الصيني والأمريكي، والهدف من هذا هو برمجة اقتناء اللقاحات في الأشهر المقبلة.
في ذات السياق، هل لنا دكتور درار أن نتعرف على حصة الجزائر من نظام "كوفاكس" الذي يتيح الاستفادة من اللقاحات بشكل منصف وعادل على الصعيد العالمي؟
بالطبع وحصة الجزائر مع نظام كوفاكس تقدر ب12 مليون جرعة منتظرة، سوف تكون على مستويات زمنية مختلفة، لأن منتج اللقاح لا يعمل فقط مع الجزائر، بل مع عديد دول العالم، لكن ما يطمئن هو أن أولى الجرعات ستصل الجزائر خلال مارس الحالي، وهي كمية يمكن أن نقول إنها معتبرة.
يطرح البعض مسألة ما يسمى بمناعة القطيع في ظل شح كميات اللقاح، هل ينفع ذلك حسبكم؟
مناعة القطيع سنصل إليها بعد تلقيح عدد لا بأس به من السكان، على الأقل 50 بالمائة، بعدها يمكن الحديث عن مناعة القطيع. صحيح أن هناك من اكتسب مناعة جراء إصابته بكوفيد19، لكن ليس لدينا إحصائيات حول هذه الفئة، والتي إذا أضيفت إلى ال50 بالمائة، يمكن الوصول حينها لنسبة 60 إلى 70 بالمائة، وقتها يمكن الحديث عن مناعة شاملة.
لو تحدثنا عن تحاليل "بي سي أر" بعد سنة من ظهور الفيروس، ما تقييمكم لقدرة الجزائر على إجراء هذه التحاليل وكم وصل عدد المخابر التي تتولى ذلك؟
للحديث عن هذه التحاليل، أقول لكم إن إلقاء نظرة لخريطة أماكن توفر تحاليل "بي سي أر" بالجزائر يبيّن لنا أن كل الولايات تقريبا لها مخبر تشخيص، حيث إن هناك 86 مخبرا يشتغل بال "بي سي أر". ولو نقارن العدد مع المخبر الوحيد الذي كان متوفرا في بداية الوباء، لوجدنا أن الزيادة كانت بمعدل 7 مخابر جديدة كان يتم توفيرها كل شهر، وهو رقم قياسي لفترة زمنية وجيزة كون تفعيل كل هذه المراكز تم خلال فترة الوباء، علما أن ذلك لم يكن بالأمر السهل والهيّن، لأنه تطلّب تكوين تقنيين في تحاليل خزعة الأنف "بي سي أر" وإرسالهم عبر مختلف أنحاء الوطن، وشخصيا أرى أن هذا مكسبا كبيرا جدا للجزائر للسنوات المقبلة في مجال محاربة الفيروسات والبكتيريا، حيث بات التشخيص متاحا عبر كل مراكز الوطن، وهذا لا يستثني أن نقوم كذلك بفتح مخابر أخرى مستقبلا.
أخيرا دكتور درار، ما الرسالة التي تودّون تمريرها للجزائريين في هذا الوقت الحرج الذي يعرف انتشارا للمتحور البريطاني عبر مختلف أنحاء الوطن؟
ما أود أن أدلي به في هذا المجال، أو دعيني أقول إن النصيحة الرئيسية التي أسدي بها، هي أن ظهور السلالة المتحورة يعتبر إنذارا يذكرنا بأن الوباء لم ينته. أقول هذا في الوقت الذي أعلم أن الكثيرين قد نال منهم التعب، خاصة عمال السلك الطبي الذين يجابهون منذ سنة هذا الفيروس، إلى جانب المواطن العادي الذي يئس تقريبا من هذه الوضعية. لهؤلاء أقول إن هدفنا الرئيسي هو الحفاظ على الاستقرار الذي تعرفه الوضعية الوبائية والذي نعايشه حاليا والإبقاء عليه لأطول وقت ممكن حتى يتم تقليص عدد الحالات الجديدة المسجلة يوميا إلى أقل عدد ممكن، وكذا إعطاء فرصة التلقيح للقضاء على الوباء، كما أنصح الجميع بالعودة للإجراءات الصحية الأساسية، من وضع الكمامة والتباعد الصحي وكذا استعمال المعقم، وهي الإجراءات التي تخلى عنها الكثيرون، رغم أنها كفيلة، إن طبّقت بصرامة، بأن تحدّ من انتشار أي فيروس.