تجلت أزمة الورق، بالخصوص خلال سنتين تقريبا، بتسجيل منحى زيادة مطردة في التكلفة والأسعار في الأسواق الدولية وتراجع في العرض، فقد قدرت الزيادات لعجائن الورق بنسب تراوحت ما بين 30 و40 بالمائة، وسط توقعات بتسجيل زيادة السنة الجارية بنسب 15 و25 بالمائة، وهو ما مثل عبئا كبيرا لعدة قطاعات، من بينها الصحافة المكتوبة. عدة عوامل تداخلت في سياق تداعيات جائحة كورونا، ثم استئناف النشاط الاقتصادي، بداية بالزيادات المتواصلة للمواد الأولية والمدخلات، فقد شهد الخشب مثلا ارتفاعا ما بين 2020 و2021 زيادة معتبرة، وانتقل السعر من 90 إلى 130 أورو للطن، بينما تضاعفت أسعار المواد المرسكلة بأربع مرات، يضاف إلى ذلك الارتفاع الكبير في تكلفة الطاقة، لاسيما الغاز، وهي المادة المستخدمة في توفير وإنتاج الورق. وكنتيجة للعوامل المتقاطعة، فإن معدلات أسعار عجائن الورق ارتفعت في ظرف قصير، حيث تراوحت بالنسبة للصين مثلا ما بين 850 و950 دولار للطن، ويضاف إلى ذلك مشكل الشحن والنقل، حيث شهدت أسعار الشحن زيادة غير مسبوقة، مع تحول كلفة حاوية بسعة 40 قدم من متوسط 1000 إلى 2000 دولار، ثم 4400 وحتى 7000 دولار، وبلوغه حدود 1000 دولار. ووسط شح أو تراجع العرض، فإن سعر عجينة الورق ما فتئ يسجل ارتفاعها، لاسيما سنتي 2021 و2022، حيث أبانت التوقعات هذه السنة عن زيادة ب15 إلى 25 بالمائة. ومن تجليات ذلك؛ قيام أهم المصنعين والمنتجين برفع الأسعار على غرار "نافيغايتور كومباني" البرتغالية التي رفعت أسعارها نهاية 2021 بنسبة 8 بالمائة بمعدل 50 أورو للطن، ثم ب 10 إلى 15 بالمائة في بداية 2022 بمعدل من 50 إلى 100 أورو للطن. وتشير التقديرات الإحصائية إلى أن جائحة كورونا أثرت سلبا على فرع إنتاج الورق، يضاف إلى ذلك تبعات ارتفاع تكلفة الطاقة وتراجع مستويات الإنتاج، وقد كان من بين تبعات المعادلة الجديدة تحمل الصحف المكتوبة بالخصوص لأعباء إضافية بالنسبة للسحب، نتيجة الزيادة المعتبرة لسعر الورق بالخصوص، الذي مسّ أيضا قطاعات، منها المطابع الخاصة بالكتب. وقد قررت صحف مثلا فرنسية هذه السنة، على غرار لوموند ولوفغارو وليزيكو زيادة سعر البيع بنسبة 10 بالمائة أو إضافة 20 سنتيما، بعد أن تمت الإشارة إلى الزيادة الكبيرة لسعر عجائن الورق التي تضاعفت ب60 بالمائة في ظرف 8 أشهر، وهي زيادة غير مسبوقة في ظرف زمني قصير. وقد زادت الحرب الروسية الأوكرانية من إشكالية إدارة وتسيير أزمة الورق، مع ارتفاع الفاتورة، والطلب الصيني، وما زاد من التأثير السلبي هي الضغوط الممارسة من قبل المشترين الأمريكيين والصينيين على الورق التي ما فتئت تتزايد منذ 2021، وهو ما ضاعف المضاربة على عجينة الورق، علما أن الصين تمثل 38 بالمائة من الاستهلاك العالمي، وهي التي خاضت أيضا في مجال جمع الورق القابل للرسكلة. ومن المتوقع أن يبلغ الإنتاج العالمي للورق هذه السنة 416 مليون طن، وهذا المستوى أقل من ذلك مستوى 2018 المقدر ب420 مليون طن. واستنادا إلى تقديرات منظمة "الفاو"، فإن إنتاج عجائن الورق يقدر ب6100 كيلوغرام في الثانية، و193 مليار كيلوغرام في السنة، أو 193 مليون متر مكعب، وأهم منتجي الورق كندا والولايات المتحدة والسويد وفنلندا والنرويج وروسيا، إضافة إلى البرازيل والشيلي ودول أوروبية، مع العلم أن آسيا أول منطقة منتجة للورق وعجائن الورق عالميا، أربع منها من بين أكبر المنتجين الدوليين، على رأسها الصين التي تعد أكبر منتج ومستهلك، وكذا اليابان، بينما تمثل أوروبا 25 بالمائة من الإنتاج.