أثار تأثير فانسون بولوري على المشهد الإعلامي الفرنسي، جدلًا واسعًا بسبب الميول اليمينية المتطرفة للعناوين الإعلامية التي استحوذ عليها بعد استحواذه عليها، حيث وجهت إليه اتهامات باستخدامها لشن حملات مست أطرافا لم تسلم الجزائر منها. اتُهمت وسائل إعلام بولوريه بالتحامل ضد الجزائر، خاصة في سياق العلاقات الفرنسية الجزائرية المتوترة. في العديد من المناسبات، قدمت قنوات وصحف تغطية إعلامية متحيزة ضد الجزائر، مع التركيز على قضايا مثل الهجرة غير الشرعية، مما ساهم في تعزيز الصور النمطية السلبية عن الجزائر والجزائريين. هذا التحامل الإعلامي يعتبر جزءا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز الخطاب القومي واليميني في فرنسا، حيث تُستخدم قضايا مثل الهجرة والعلاقات مع الدول العربية كأدوات لتعبئة الرأي العام الفرنسي ضد "الآخر". في هذا السياق، تعتبر الجزائر واحدة من أكثر الدول التي تتعرض لهجوم إعلامي من قبل وسائل بولوريه، خاصة في ظل التوترات التاريخية بين البلدين. وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد انتقد في حواره لصحيفة "لوبينيون" تهميش الإعلام الفرنسي لشخصيات سياسية متوازنة، مقابل فتح المجال أمام متطرفين يمنيين عبثوا بالعلاقات الثنائية، حيث قال: "هناك مثقفون وسياسيون نكنّ لهم الاحترام، أمثال جان بيار رافاران وسيغولين رويال ودومينيك دو فيليبان، الذي يحظى باحترام كبير في العالم العربي، يجب عليهم أن يتكلموا ولا يتركوا الصحفيين يقطعون عليهم الحديث، خاصة في وسائل الإعلام التي يملكها رجل الأعمال فنسانت بولوريه الذي أصبح همه الوحيد واليومي هو تدمير صورة الجزائر".
تضليل وابتزاز
فانسان بولوريه، الملياردير الفرنسي ورجل الأعمال البارز، يُعدّ واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في المشهد الإعلامي الفرنسي والأفريقي. وتمتد إمبراطوريته الإعلامية لتشمل مجموعة واسعة من القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف والمجلات، التي تستخدم في كثير من الأحيان كأدوات لتعزيز أجندات سياسية واقتصادية معينة. وفي السنوات الأخيرة، برزت تقارير عديدة تتهم بولوريه بتسخير إمبراطوريته الإعلامية لخدمة اليمين المتطرف في فرنسا، بالإضافة إلى تحامل واضح ضد دول مثل الجزائر. ويعتبر فانسان بولوريه هو مؤسس ورئيس مجموعة "فيفاندي"، وهي واحدة من أكبر الشركات العالمية في مجال الإعلام والاتصالات. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك بولوريه حصصًا كبيرة في مجموعة "كانال بلوس" التي تعدّ واحدة من أهم شبكات التلفزيون المدفوع في فرنسا والعالم الناطق بالفرنسية. كما يسيطر على صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" وقناة "سي نيوز" التي ميّزها خطابها اليميني المتطرف. تتميز إمبراطورية بولوريه الإعلامية بتنوعها وقوتها، حيث تمتد لتشمل ليس فقط فرنسا، ولكن أيضًا العديد من الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية، من خلال شبكة "كنال بلوس أفريقيا"، حيث يتمتع بولوريه بنفوذ كبير في المشهد الإعلامي في دول مثل السنغال وكوت ديفوار والكاميرون والكونغو، حيث تُعتبر هذه القنوات مصدرًا رئيسيًا للأخبار، وامتدّ ليشمل الجانب السياسي والاقتصادي أيضًا. ففي السنوات الأخيرة، اتُهمت قنوات بولوريه الإعلامية في إفريقيا، بتعزيز أجندات سياسية معينة، خاصة تلك التي تخدم مصالح فرنسا في القارة، من خلال التحكم في الخطاب الإعلامي، تمكّنت هذه القنوات من التأثير على الرأي العام في دول إفريقية عديدة، مما أثار انتقادات واسعة من قبل النشطاء والإعلاميين الذين يرون في ذلك استمرارًا لسياسات الاستعمار الجديد.
غسيل المخ وشحن الكراهية
في أكتوبر 2021 أنتجت منظمة "مراسلون بلا حدود" غير الحكومية، فيلما وثائقيا، وبثته وحظي بتغطية إعلامية كبيرة لأنه دعا "الدولة وهيئة الرقابة على الصحافة والمنافسة والمشرّع إلى التدخل" في مواجهة الدور الذي يلعبه فنسان بولوريه في وسائل الإعلام، ولاسيما ما يسمى بإجراءات "تكميم الأفواه" أو الرقابة المتكررة على الصحافة الاستقصائية. وندد بالممارسات التي، حسب منظمة مراسلون بلا حدود، "تمثل خطراً حقيقياً على حرية الصحافة، بل وعلى الديمقراطية أيضا"، في وقت وصف فيه موقع "هوف بوست" الأمريكي فانسون بولوريه بأنه "قطب إعلامي محافظ". وبالنسبة إلى صحيفة "لوبس"، فإن فانسون بولوريه أقام إمبراطورية إعلامية كمحافظ متطرف. وفي فرنسا أصبحت قنوات بولوريه من أكثر القنوات إثارة للجدل بسبب خطابها اليميني المتطرف، تُعرف باستضافتها لشخصيات سياسية وإعلامية تتبنى مواقف متشددة في قضايا مثل الهجرة والإسلام والقومية. وتعرف بتقديم منصة للخطاب العنصري والمعادي للمسلمين، مما أثار غضب العديد من الجماعات الحقوقية والسياسية. ويعد فانسان بولوريه، أحد الداعمين الرئيسيين لهذا الخطاب، فمن خلال السيطرة على وسائل إعلامية مؤثرة، تمكّن بولوريه من تعزيز أجندة اليمين المتطرف في فرنسا، مما أثار تساؤلات حول دور الإعلام في تشكيل الرأي العام وتأثيره على الديمقراطية. وفي ديسمبر 2023، وثّقت صحيفة "لوموند" الطموحات السياسية لفانسون بولوريه، والتي يمكن تلخيصها في الرغبة في الاتحاد بين اليمين واليمين المتطرف. ووفقًا لصحيفة "لوموند"، فإن التجمع الوطني وإمبراطورية فانسان بولوريه الإعلامية يتقاربان تدريجيًا ويتشاركان المصالح المشتركة أكثر فأكثر منذ نهاية الانتخابات الرئاسية لعام 2022، بعد علاقة اتسمت بالعديد من التوترات من كلا الجانبين. ويبدو أن النتائج الانتخابية المنخفضة المتتالية لإريك زمور قد عززت هذا التقارب. لقد تمحورت ثروة مجموعة بولوريه في المقام الأول حول النقل والخدمات اللوجستية في أفريقيا. ففي القارة الأفريقية، كانت مجموعة بولوريه حاضرة في أكثر من 20 بلداً في القارة الأفريقية، مع شبكة من ستة عشر امتيازاً للموانئ والمستودعات ومنصات الطرق والسكك الحديدية. وبقدر ما حقق ثروته في القارة السمراء، إلا أنه وغالباً ما كانت استثماراته موضع جدل بسبب ظروف العمل والأجور المتدنية للعمال الأفارقة، فضلاً عن الفضائح البيئية التي نشأت عن أنشطته المختلفة، لا سيما في قطاع إنتاج زيت النخيل.
فضائح وجرائم
وقد تركت مجموعة بولوريه قطاع الخدمات اللوجستية في أفريقيا، فقد باع فانسون بولوريه بنيته التحتية وعمله الذي استمر لأكثر من 30 عاماً، من خلال بيع شركته التابعة "بولوريه أفريقيا للخدمات اللوجستية" إلى شركة "إم إس سي" الإيطالية السويسرية المالكة للسفن بمبلغ 5.7 مليار يورو. ومع ذلك، ظل فانسون بولوريه يتمتع بحضور في القارة الأفريقية، لاسيما مع قناة "كنال بلوس" التلفزيونية التي تقدّم برامج في السنغال وكوت ديفوار والكاميرون ومالي. فقد كانت "بولوريه أفريكا لوجستيكس" في قلب شبهة فساد في توغووغينيا، كلّفتا المجموعة في 2021 غرامة قدرها 12 مليون يورو للقضاء الفرنسي وملاحقات من الوكالة الفرنسية لمكافحة الفساد. وقالت المجموعة المساهمة في "فيفيندي" أيضا إنها "ستبقي على وجود كبير في إفريقيا لا سيما من خلال قناة "كنال+"، وستواصل أيضًا تطوراتها في هذه القارة في عدد من القطاعات مثل الاتصالات والترفيه والاتصالات والنشر". وفي عام 2010، أطلقت أربع منظمات غير حكومية، بما في ذلك منظمة "شيربا" الفرنسية، إجراءً أوليًا ضد مجموعة بولوريه، من خلال تقديم التماس إلى نقطة الاتصال الوطنية الفرنسية (وهي هيئة تدافع عن مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للسلوك الجيد للشركات)، أدى هذا الإجراء في عام 2013، إلى وساطة بين المنظمات غير الحكومية ومجموعة بولوريه، تم خلالها وضع خطة عمل لحماية المجتمعات المحلية. ومن القضايا الأخرى، تهم الفساد الموجهة ضد فانسون بولوريه واثنين من المقرّبين منه من شركة هافاس، وهي شركة تابعة لبولوريه. ففي عام 2013 فُتح تحقيق قضائي ضد المجموعة الفرنسية للاشتباه في قيامها بالترويج لإعادة انتخاب رئيس توغو، فوري غناسينغبي، ووصول رئيس غينيا، ألفا كوندي، إلى السلطة من خلال شركة هافاس التابعة لها في مجال الدعاية والإعلان، والتي يُزعم أنها تقاضت مبالغ أقل من قيمتها مقابل خدماتها. في المقابل، يُزعم أن الزعيمين الإفريقيين سمحا لفانسون بولوريه باستعادة امتيازات مينائي لومي وكوناكري. وفي جوان 2019، ألغت محكمة الاستئناف في باريس الإجراءات المتعلقة بغينيا على أساس أنها سقطت بالتقادم. ومع ذلك، ظلت مجموعة بولوريه ورئيسها التنفيذي فانسون بولوريه واثنين من شركائه المقربين قيد المحاكمة في قضية توغو. وأثناء المحاكمة في 26 فيفري 2021 أمام محكمة باريس، اعترف الرجال الثلاثة بالتهم الموجهة إليهم في توغووغينيا. واعترفوا بالذنب في توغو بتهمة رشوة موظف عمومي أجنبي والتواطؤ في خيانة الأمانة في توغو، ووافقوا على دفع غرامة قدرها 375,000 يورو. غير أن هذا الإجراء الذي تم التفاوض بشأنه مسبقًا مع مكتب المدعي العام المالي، والذي كان يهدف إلى تجنب المحاكمة، رفضته محكمة باريس القضائية التي اعتبرت أن الوقائع خطيرة للغاية، ووافقت المحاكم الفرنسية على دفع غرامة قدرها 12 مليون يورو لإنهاء الإجراءات ضد المجموعة. ومع ذلك مع توجيه القضية أمام محكمة جنائية.