من الممكن أن تكون رياضيا لكن من الصعب أن تصبح أسطورة، فبطل الدراجات الأمريكي لانس أرمسترونغ أحد هؤلاء الأساطير القلائل فهو الظاهرة الذي تمكن من قهر مرض السرطان، وتخطى الصعاب والعقبات وتجاوز المحن والأزمات لكي يصبح أسطورة رياضية خالدة بل ومعجزة حقيقية في عالم سباقات الدراجات، إذ تمكن من دخول تاريخها وتسجيل أرقام سيصعب على كل منافسيه تحطيمها في قادم السنوات. بدايته كانت من رياضة “تيرياتلون” يعتبر لانس أرمسترونغ من مواليد 18 سبتمبر من سنة 1971 في مقاطعة “بلانو” بولاية تكساس الأمريكية، عاش طفولة صعبة، باعتبار أن أباه انفصل عن أمه قبل أن يتجاوز عمره السنتين، ليبقى الفتى تحت رعاية والدته التي تزوجت مرة ثانية وهو ما زاد من معانات لانس الذي ذهب ضحية قسوة زوج أمه الذي كان يتعامل معه بغلظة وشدة، إلا أن حب أمه الكبير خفف من معاناته ليساهم عشق والدته ليندا مونيهام للرياضة في ميوله الكبير لرياضة “تيرياتلون” وهي المنافسة التي يُعتمد فيها على ثلاثة أنواع من الرياضة وهي (السباحة،العدو وركوب الدراجات) وهي اللعبة التي توج بها الفتى الأمريكي وهو في سن 13 ربيعا لتكون بداية جيدة لظهور ظاهرة كبيرة سيكون لها مستقبل كبير في قادم السنوات . أرمسترونغ يختار ركوب الدرّاجات كرياضته المفضّلة منذ صغر سنه مارس لانس العديد من الرياضات، التي تتطلب جهدا مضاعفا كالسباحة والعدو إلا أن الأمريكي اختار التوجه الى رياضة ركوب الدراجات باعتبارها أكثر الرياضات تشويقا وقوة، حيث كان يردد منذ صغره: “ولدت لأسابق على الدراجة”، وهو ما أسعد كثيرا أمّه التي كانت تمنّي نفسها دائما بأن يصبح ولدها نجما كبيرا تتغنى باسمه كل الجماهير ويشرف ألوان بلده في مختلف المحافل الدولية وهو الأمر الذي أعطى دفعا كبيرا لأمسترونغ على التألق. انضمّ إلى المنتخب الأمريكي وعمره لم يتجاوز 17 عاما بعد الإمكانيات الكبيرة التي أبان عنها تلقى أرمسترونغ دعوة من أجل المشاركة في معسكر تدريبي مع الفريق الوطني الأمريكي للشباب الخاص برياضة ركوب الدراجات وعمره لم يتجاوز ال17 ربيعا، ليصبح بذلك الفتى الذهبي من أحسن العدائين في رياضة كانت بمثابة هواية لتصبح أهم شيء في حياته. الأمريكي يبهر العالم في أوّل مشاركة له بطواف فرنسا شارك الدرّاج الأمريكي في طواف فرنسا التي تعد المنافسة الأبرز في سباق الدراجات الهوائية وهو ما دفع أرمسترونغ إلى بذل جهد مضاعف فيها للظهور بشكل مشرف وهو ما كان له، حيث أدّى الأمريكي مشوارا طيّبا وتمكن من الفوز بالعديد من المراحل وكان بمثابة الظاهرة القادمة بقوة رغم أنه لم يوفق في تحقيق اللقب الذي ذهب لصالح الدرّاج الإسباني ميغيل أند وريان. 1993 أرمسترونغ بطل للعالم في الدرّاجات الهوائيّة مع بداية سنة 1992 دخل الأسطورة إلى عالم الاحتراف بعد أن انضم لصفوف فريق “موتورولا” الأمريكي الذي تمكن من التعاقد مع الموهبة، حيث كان يعتبره رئيس الفريق بالشاب القادر على قيادة الفريق لحصد الألقاب والتتويجات ليصبح أرمسترونغ رغم مرور وقت قصير على انضمامه للفريق من أهم العدائين، إذ أصبح المعول عليه رقم واحد في كل البطولات والملتقيات وهو الأمر الذي صب في مصلحة الأمريكي الذي كان على قدر المسؤولية وتمكن من التتويج بلقب بطل العالم في سنة 1993 في أول مشاركة له بمثل تلك المسابقات. ويصبح أصغر منافس يفوز ببطولة العالم بعد إحرازه لعشرة ألقاب في مسابقات متعددة من بينها بطولة الولاياتالمتحدة وإحدى مراحل دورة فرنسا، أصبح أرمسترونغ أصغر دراج يفوز ببطولة العالم بعدما توج بلقب البطل وسنه لم يتجاوز ال22 عاما وهو الأمر الذي جعله يصبح بطلا قوميا في بلده نظرا للإنجاز الكبير الذي قام به والذي مكنه من هزيمة كبار الدراجين الذين يفوقونه قوة وخبرة . أرمسترونغ يصنّف ضمن قائمة أغنى الرّياضيين الأمريكيّين بعد الإنجازات الكبيرة التي حققها أصبح العداء الأمريكي من أغنى الرياضيين الأمريكيين، بعد أن تخطت جوائزه حاجز المليون دولار وهو الأمر الذي ساهم بتغييرات جذرية في حياة أرمسترونغ الذي عانى الكثير من الفقر في صغره. الأمريكي يصبح من أفضل الدرّاجين الأمريكيّين الذين مارسوا اللعبة رغم كل الألقاب التي أحرزها والتي كتبت اسمه بجانب كبار الدراجين العالميين إلى أن كل هذا لم يثنه بل زاده رغبة على تحقيق المزيد من الألقاب، حيث استهل لانس موسم 1996 بالفوز بمسابقة “تور دو بون” وهو الإنجاز الذي كان غير مسبوق باعتباره فاز به لموسمين متتاليين، كما أنه أصبح أول أميركي يحرز سباق “فليش والون” البلجيكي. لانس ينتقل إلى فريق “كوفيديس” الفرنسي بعد الصدى الكبير الذي أحدثه الدراج الأمريكي أصبح لانس مطمعا لأكبر أندية الدراجات الهوائية التي صارعت من أجل ضمه إلى فريقها وهو الأمر الذي تمكن منه فريق “كوفيديس” الفرنسي الذي تمكن من التعاقد مع أرمسترونغ مقابل عرض مغر لينتقل الدراج من نادي “موتورولا” الذي عرف بروزا كبيرا للأمريكي إلى الفريق الفرنسي الذي سيمنحه إضافة كبيرة للفوز بألقاب وتتويجات أخرى. العالم يصاب بصدمة بعد إعلان إصابة أرمسترونغ بمرض السّرطان في أكتوبر 1996صعق العالم بأسره عندما أجبر الأمريكي على الابتعاد عن دراجته بسبب آلام في رأسه ومناطق أخرى من جسمه ليعلن خبر إصابته بمرض السرطان الذي انتشر في أنحاء كثيرة في جسمه وهو الأمر الذي أرغم البطل اليافع صاحب ال25 عاما على الخضوع لعمليتين جراحيتين، لإزالة الورم من دماغه، ليخضع بعدها إلى العلاج الكيميائي المتطور الذي أبقى على عمل رئتيه الطبيعي لكنه ترك ضررا دائما بإحدى كليتيه وحروقا ظاهرة في جسمه. الأمريكي يعود إلى الحياة ويؤسّس مؤسّسته لمرضى السّرطان عاد لانس بعد خمسة أشهر من العلاج إلى التمارين، ورغم معاناته الكبيرة إلا أنه كان يردد :”إن تعرضي للسرطان هو أفضل ما حدث لي في حياتي”، وبمجرد خروجه من المشفى باشر الأمريكي في تأسيس مؤسسة “لانس أرمسترونغ” لمكافحة مرض السرطان، الذي كان بمثابة إعانة منه لكل الذين يعانون من هذا المرض الخبيث. أرمسترونغ يقرّر الزّواج والعودة إلى المنافسة من جديد كانت سنة 1998 حافلة بالمفاجآت السارة لأرمسترونغ الذي عاد لممارسة رياضته المفضلة في تكساس بمساعدة صديقه ومدربه كريس كارمايكل، وكذا كريستين ريتشارد التي تزوّج منها في حفل بهيج أقيم في “سانتا باربارا” بولاية كاليفورنيا الأمريكية، ورغم عودته القوية إلا أن الكثير لم يؤمنوا باسترجاع أرمسترونغ لفورمته السابقة وبينهم فريقه “كوفيديس” الفرنسي الذي أنهى تعاقده معه بعد إصابته بالسرطان، وهو الأمر الذي أثر كثيرا عليه، إلا أنه لم يثن عزمه في العودة ليتمكن من الانضام إلى فريق “يو أس بوستال سرفيس” الذي حقق معه نتائج جيدة في المنافسات التي جرت في كل من لوكسمبورغ، ألمانيا وكذا إسبانيا . لانس يتوّج بمسابقة طواف فرنسا للمرّة الأولى في تاريخه عاد لانس أرمسترونغ لأجواء المنافسة من جديد بعد مروره بفترة عصيبة كادت أن تنهي حياته لكن هذه الصعاب لم تزده إلا رغبة وقوة في العودة إلى الواجهة كأحد أفضل الدراجين على المستوى العالمي، حيث كان أرمسترونغ ضمن المشاركين بمسابقة طواف فرنسا في موسم 1999، الذي لم يكن فيه من المرشحين لاعتلاء منصة التتويج باعتباره عائدا بعد فترة غياب طويلة، إلا أن الأسطورة فند كل الترشيحات وتوج باللقب للمرة الأولى في تاريخه بعد أن تمكن من خلافة الإيطالي ماركو بانتاني على عرش المسابقة. الأمريكي يواصل سيطرته ويتوّج بلقبه الثاني على التوالي في المسابقة عاد الدراج الأمريكي للمشاركة في دورة طواف فرنسا، حيث كانت تحدوه رغبة كبيرة في الاحتفاظ بالقميص الأصفر خاصة في ظل تساؤل المراقبين عما إذا كان بمقدور الأمريكي تكرار الفوز بلقب فرنسا عام 2000 في وجود الألماني يان أولريخ الذي توج بلقب الدورة في عام 1997 وكذا بوجود الإيطالي ماركو بانتاني بطل عام 1998 واللذين كانا غائبين عن نسخة 1999، لكن ابن تكساس انتزع الفوز عن جدارة كبيرة وتوج باللقب للمرة الثانية على التوالي . لانس يهدي بلده برونزيّة الأولمبياد رغم تعرّضه لإصابة خطيرة تلقى لانس ضربة جديدة حين تعرض لكسر في ظهره عندما صدمته سيارة في نيس الفرنسية أثناء خضوعه للتمارين استعدادا لأولمبياد سيدني وهو الأمر الذي أحبط آمال الأمريكيين الذين كانوا يعقدون آمالا كبيرة عليه للفوز بميدالية ذهبية، إلا أن البطل وكعادته تمكن من التعافي بسرعة كبيرة ليساهم في تحقيق بلاده للميدالية البرونزية إلى جانب زميليه جورج هينكابي وتايلر هاميلتون. أرمسترونغ يحطّم الرّقم القياسيّ في عدد التتويجات بدورة فرنسا أعلن الأمريكي لانس أرمسترونغ أنه ملك طواف فرنسا بدون منازع بعد أن تمكن من تحطيم رقم قياسي في عدد التتويجات به، والتي وصلت إلى سبعة ألقاب متتالية ليثبت الأمريكي هيمنته على المسابقة الأكثر إثارة في عالم الدراجات الهوائية بعد تحقيقه للألقاب منذ 1999 إلى غاية سنة2005 ليكون أول دراج يتمكن من تحقيق هذا الرقم الذي سيبقى صامدا على مدى سنين عديدة. الأسطورة يقرّر وضع حدّ لمسيرته المليئة بالتتويجات مع وصوله إلى سن ال33 عاما قرر الأسطورة الأمريكية لانس أرمسترونغ الاعتزال وإنهاء مسيرته الرياضية بعد الإنجازات الباهرة التي حققها وجاء هذا القرار وسط حزن كبير للأمريكي الذي كشف في تصريحات مع الوسائل الإعلامية عقب تتويجه باللقب السابع من طواف فرنسا بالقول: “لم أكن لأستطيع تحقيق هذا الإنجاز دون رعاية فريق مميز، وقف خلف انتصاراتي، ويعود له الفضل في كل ما حققت”، وأضاف الأسطورة بالقول:”أشعر أنني وصلت إلى النهاية فأنا أريد الابتعاد عن الرياضة التي لطالما شغلت بالي والاهتمام أكثر بعائلتي”. اتّهامه بتعاطي المنشّطات كان أسوأ حدث في مسيرته اتّهم الظاهرة الأمريكية لانس أرمسترونغ بتعاطي المنشطات وهو ما أثار ضجة واسعة في الأوساط الرياضية التي شككت في الألقاب والنتائج الباهرة التي حققها الأسطورة وكاد يهدم كل ما بناه خلال سنين وهو الأمر الذي لاقى استغرابا كبيرا من طرف الأمريكي الذي نفى كل ما أثير ضده وأكد أن الألقاب التي أحرزها لا يشوبها أي شبهة وأنه حصل عليها بمجهوده الخاص. السّلطات الأمريكيّة تبرّئه من كل الاتّهامات انتهت متاعب لانس أرمسترونغ بطل طواف فرنسا 7 مرات متتالية مع السلطات الفيدرالية الأمريكية التي كانت تحقق في قضية المنشطات التي أثيرت ضد البطل الأمريكي، حيث أعلنت النيابة العامة في لوس أنجلوس في بيان رسمي مقتضب أن النائب العام أندري بيروت جونسون قرر تبرئة أرمسترونغ من كل المزاعم التي أثيرت ضده ويعلن أن تتويجاته كانت سليمة وليس هناك أي دليل على تناوله لمواد منشطة وهو القرار الذي أسعد كثيرا الظاهرة. حنينه إلى الألقاب أرغمه على العودة من جديد للمنافسة لم يستطع الأمريكي الابتعاد كثيرا عن المنافسات والألقاب ليقرّر العودة مجددا إلى المنافسة بعد غياب دام لمدة سنتين وهو الخبر الذي قوبل بسعادة كبيرة من قبل عشاق رياضة الدراجات الهوائية الذين كانوا يرغبون في رؤية نجمهم من جديد على منصة التتويجات، وبعودته من جديد انضم الأمريكي لفريق “أستانا” إلا أن عودته لم تكن مثالية، حيث حقق نتائج متوسطة خاصة في طواف فرنسا الذي تحصل فيه على المركز 12. البطل الأمريكي يعتزل ركوب الدرّاجات بصفة نهائيّة أنهي لانس مسيرته الدولية بصفة نهائية بعد انتهاء سباق أستراليا الدولي الذي كان آخر سباق للبطل الأمريكي الذي وصل إلى سن39 ليقرر بعدها الاعتزال بعد أن عجز في العودة من جديد إلى منصة الألقاب، حيث كشف الأمريكي للوسائل الإعلام بالقول :”أردت أن أختتم مشواري بتتويج إلى أنني أصبحت لا أستطيع المواصلة فقد بلغت سن ال39 وأصبحت عاجزا حتى على إكمال السباق”، وأضاف الظاهرة: “أضن أنه الوقت المناسب للاعتزال لقد فزت بكل الألقاب والتتويجات وجاء الوقت لأتوقف”.