لا يخلو بيت أي عروس كانت من المحبس الذي يعتبر تقليدا شائعا اعتادت على أخذه العرائس منذ القدم، فالمحبس لمن لا يعرفه، هو عبارة عن إناء مصنوع من النحاس بأحجام مختلفة أطرافه مزخرفة، تأخذه العروس معها اولا الى الحمام وبداخله لوازم الاستحمام كالصابون... ليتغير دوره، فبعد ان تعود العروس من الحمام يملأ المحبس بمقروط العسل وتأخذه معها إلى بيت زوجها، ليتحول الى ديكور في المنزل تضعه العروس فوق خزانتها. وللبحث في تاريخ محبس العروس وأصله قصدنا القصبة العريقة، حيث صادفنا في واحد من ازقتها الضيقة دكانا صغيرا مملوءا بالاواني النحاسية القديمة كالبقراج والمرش... وكان من بين الاواني النحاسية المرصوصة امام مدخل الدكان إناء متوسط الحجم مصنوع من النحاس الاحمر، ثقيل نوعا ما وقد رسمت على جانبيه بعض الزخارف البسيطة وبه ذراع، وعند سؤالنا عن اسم هذا الاناء، اجابنا صاحب المحل بأنه المحبس، ويعتبر اقدم محبس بالقصبة اذ يصل عمره الى 100 سنة. وفي دردشة قصيرة مع هذا الحرفي صانع النحاس " بن ميرة محمد" ذي 42 سنة حول جذور المحبس، رد قائلا "إن المحبس ذو اصل عثماني جاء به العثمانيون عام 1594م كواحد من تقاليدهم، على اعتبار ان مادة النحاس كانت غائبة في الجزائر وان العثمانيين كانو من الاوائل الذين ادخلوها، والمحبس لم يستقدم بمفرده بل كانت برفقته الطاسة والمرك، الذي هو عبارة عن مجموعة من الادوات التي ترافق المرأة إلى الحمام منها البلغة، الصابونة والحبل ..." يسكت محدثنا ثم يضيف " المحبس ارتبط منذ القدم بالحمام، فقد استخدمه العثمانيون كآنية لحفظ الماء، أما بحي القصبة فقد اعتمدته العائلات الجزائرية كوسيلة لحفظ الماء في الحمام على اعتبار ان حمامات زمان لا تحتوي على العيون، وشيئا فشيا ارتبط المحبس بالعروس، اذ عندما كانت العروس تقصد الحمام أول ما يرافقها هو المحبس، حيث تملأه بالماء وهو يسمى بالبرمة، وتغتسل منه وبعد عودتها من الحمام يتم تجهيز العروس لمغادرة بيت اهلها قاصدة بيت زوجها، فيكون اول شيء يرافقها هو المحبس الذي يملأ بمقروط العسل، وبعد الانتهاء من تناول المقروط يتم تنظيف المحبس ويخصص له مكان فوق الخزانة ليتحول إلى ديكور يزين بيتها.. وكلما رغبت في الذهاب إلى الحمام تأخذه معها ". وعلى العموم، يختلف محبس زمان عن محبس اليوم، إذ كان في الماضي يصنع من مادة النحاس الأحمر، وهو ثقيل نوعا ما، متين، لا يوجد به يد.. أما عن الزخرفة فكانت فيه بسيطة ولا تشمل كل المحبس، ولعل من بين هذه الزخارف ما يسمى بزخرفة الصرويلات والنقش النميلي ونقش قاطع مقطوع.. أما محابس اليوم فقد اتخذت أشكالا وأحجاما مختلفة تتنوع بين اللونين الأصفر والأبيض، في حين اختفى المحبس المصنوع من النحاس الأحمر، ناهيك عن كثرة الزخارف و الخفة. أما عن شعبية المحبس اليوم، فيؤكد محدثنا أنه يعرف انتشارا كبيرا في بعض المناطق كتلمسان، قسنطينةوالجزائر، التي لا يزال سكانها متمسكين باستعماله في أعراسهم. وإذا كان الحرفي بن ميرة يرجع أصل المحبس إلى العهد العثماني، فإن بلمدور محمد مؤرخ بمتحف الآثار يؤكد بالمقابل عكس ذلك، فهو يرجع المحبس إلى العهد الأندلسي وأنه عرف منذ القرن 08 الهجري.. حيث كون هؤلاء بمجيئهم إلى القصبة ورشات لصناعة الحرف التقليدية والتي كان من بينها المحبس، وأهم ما ميز المحبس آنذاك هي تلك الزخارف الإسلامية العربية، التي كانت تزينه. وحسب محدثنا فمحبس قسنطينة كان يختلف عن محبس تلمسان، وهذا الأخير يختلف عن محبس الجزائر من حيث الزخرفة والشكل. أما عن وظائف المحبس، فقد ميز بلمدور بين وظيفتين، الأولى ربطها بالنساء، حيث كن يأخذن المحابس وبداخلها لوازم الاستحمام إلى الحمام.. والثاني يتمثل في ملء المحبس بمقروط العسل، على اعتبار أن المقروط كان أحد أهم الحلويات التي تأخذها العروس إلى بيتها. أما عن الشكل فهناك محابس عرفت بدون زخرفة وبها يدان، في حين كانت أخرى بيد واحدة وعليها زخرفة.لنصل في آخر المطاف إلى القول، أنه رغم اختلاف الآراء حول أصل المحبس التاريخي، إلا أن الاتفاق دار حول وظيفة المحبس، التي ظلت واحدة بين الحمام والمقروط. وللإشارة، فقد كان المحبس ولا يزال عادة من العادات المرتبطة بتجهيزات العروس، التي تسعى بعض العائلات إلى الإبقاء عليها رغم عزوف بعض عرائس اليوم عن أخذه.