تحولت الأقواس العتيقة لساحة الشهداء إلى فضاء لممارسة التجارة النسوية ومرادف للأفراح لدرجة أنها أصبحت تسمى ب''زنقة العرايس''. فلا يمكن لأحد أن ينكر بأنها صارت الوجهة المفضلة لمعظم الفتيات المقبلات على الزواج أو الراغبات في شراء الجهاز. فبالنظر للسلع المختلفة المعروضة في تلك المحلات التي تتنوع بين ملابس التصديرة، مستلزمات الحمام والحناء وأغطية وغيرها مما تحتاجه العروس لتزف إلى بيت زوجها بأسعار معقولة وفي متناول الجميع، تتوافد أعداد كبيرة من الزبونات من كل مكان يوميا، حيث يجدن راحتهن في التجول بكل حرية وتوظيف حاستهن في اقتناء ما برع الباعة في تسويقه عبر واجهاتهم. تعد الخطوبة أجمل مرحلة تمر بها الفتاة في حياتها، وهي تتطلب منها خلال هذه الفترة أن تجهز نفسها بكل ما تحتاجه أوكما يعرف بجهاز العروس. فمن العادات الجزائرية المتوارثة مند قديم الزمان وماتزال سارية المفعول إلى وقتنا هذا أن الفتاة المقبلة على الزواج تقوم باقتناء كل ما يلزمها من ملابس يومية، أثاث منزلي، أغطية وزرابي وهذا حتى لا ينقصها شيء عند زوجها، والأهم من هذا أزياء التصديرة التي سترتديها ليلة زفافها فهي لا تريد أن تفوت أية فرصة في الظفر بلقب العروس الحسناء والأنيقة التي ستحظى باهتمام المدعوين. فبين الفرڤاني، الكراكو والقفطان تختلف التصاميم وتتعدد حسب إمكانيات كل عروس لتقف حائرة في الوجهة التي ستقصدها أوالأسواق ذات الخيار الواسع التي يمكنها أن تجد فيها كل هذه المتطلبات. ساحة الشهداء. . الوجهة المفضلة لكل العرائس تنصح النساء في العائلة الواحدة بعضهن البعض مباشرة بعد إعلان الخطوبة لإحدى القريبات بالتوجه إلى ساحة الشهداء، حيث تتوفر أجمل التصاميم وتتنوع الاختيارات من مستلزمات العرائس. فمن الملفت للنظر أنه بمجرد أن تطأ قدماك المكان تلاحظ ذلك الإقبال المتزايد لدرجة أنه لا يبقى متسع للمرور خاصة أيام العطل ونهاية الأسبوع، حيث تتوافد الشابات الباحثات عن أبهى الموديلات المستحدثة والتي دخت السوق الجزائرية عن طريق الاستيراد، فعندما تدخل إلى زنقة العرائس تجد في طريقك سلسلة من المحلات التي تختص ببيع أزياء الفرڤاني والمجبود التي يضفي لونه الذهبي لمعانا وبريقا يزيد من حسن العروس، حيث يتنافس الباعة في جلب الزبونات عبر التخفيض في الأسعار كما يلجأون إلى تقديم هدايا إضافية من اجل الترويج لسلعهم، وهو سلوك ينتهجه معظم الباعة الذين قصدناهم في جولتنا الاستطلاعية، حيث يهرعون إلى الزبونات بمجرد أن تدخلن إلى المحل ليقوموا بعرض السلع الموجودة في محلاتهم، فباستعمال عبارات المجاملة والمزاح، يحاول الباعة كسب ثقة السيدات والشابات واستدراجهن بالكلام المعسول حتى يشترين من ذلك الدكان دون غيره، وهو ما حدث لنا بالفعل. فعندما توجهنا إلى محل للألبسة التقليدية المتواجد تحت أقواس ساحة الشهداء، مع أول خطوة قمنا بها قبل الدخول، لاقانا البائع هناك بابتسامة عريضة وطلب منا التقدم ومشاهدة مختلف الأزياء الموجودة بالداخل، فمن كثرة التصاميم، وقفنا عاجزين عن الاختيار والتفضيل بين نوع وغيره أو بين لون وآخر، فكلها مصنوعة بطريقة متقونة برعت فيها أنامل جزائرية استطاعت أن تنجز من قماش وخيط رفيع تحفا تجعلل العروس في حلة أنيقة يوم زفافها، كما يشهد النشاط التجاري بزنيقة العرائس، بالإضافة إلى أيام الأسبوع ازديادا كبيرا خاصة مع انطلاق موسم الاصطياف، وهي الفترة التي تعرف بكثرة الأفراح والأعراس، حيث تفضل معظم الشابات تحديد موعد الزفاف تزامنا مع عطلة الصيف، وبالتالي فإن هذه الأقواس تتحول إلى مظلة يجتمع تحتها عدد معتبر من الزبونات اللواتي يأتين من كل مكان ويعدن محملات بشتى أصناف اللوازم الضرورية لجهاز العروس. الكراكو.. جبة الفر قاني والقفطان ما تحتاجه العروس موجود تحت الأقواس يعتبر ارتداء الأزياء التقليدية أهم شيء ترغب العروس في القيام به يوم زفافها، ولذلك فإنها تتوجه إلى ''زنقة العرايس'' بساحة الشهداء نظرا لكثرة المحلات المتخصصة في ذلك، حيث يصطف الواحد وراء الآخر وكل واحد شاهر سلعه في الواجهة، فعندما ترى التصاميم المعروضة عند الثاني تنسى السابقة التي شاهدتها، فمن الأزياء التي ألفت العرائس ارتداءها في هذا اليوم المميز من حياتها، نجد ''الكراكو''، ''جبة الفرڤاني'' المشهورة في شرق الجزائر وبالتحديد مدينة الجسور المعلقة قسنطينة، ''البدرون العاصمي'' والقفطان، فلا مجال لتجاهل أي منها، ففي هذا المكان نجد أحدث التصاميم والأشكال، وفي جولتنا الاستطلاعية التي قمنا بها، التقينا بالسيدة ''فاطمة'' رفقة ابنتها ''سمية'' المقبلة على الزواج، حيث أخذت تروي لنا أهمية الأزياء التقليدية التي كانت تميز العروس منذ زمان، وخاصة في عهد القصبة العتيقة حيث لم تكن أية شابة مقبلة على الزواج تجرؤ على الخروج من بيت أهلها دون أن ترتدي ''سروال الشلقة'' و''محرمة الفتول'' مع ''الحايك''، حيث يعكس الزي التقليدي أصالة المجتمع الجزائري وعمق تراثه ويرمز إلى المرأة المحافظة على عاداتها وتقاليدها، وبالنسبة إلى قدومها إلى ''زنقة العرايس''، أجابتنا السيدة ''فاطمة'' بأنها منذ أن خطبت ابنتها وهما تأتيان إلى هذا المكان حتى تجهزها بكل ما يلزمها، وبالأخص ملابس التصديرة، حيث أكدت لنا بأنها تفضل أن تحضرها إلى هذه الزنيقة نظرا لكثرة السلع المعروضة بها، وبالنسبة لهما فقد قامتا بشراء زي ''الكراكو'' وذلك مقابل مبلغ 25 ألف دينار بالإضافة إلى الطقم الخاص ببداية التصديرة الذي قدر ثمنه ب 10 آلاف دينار. أما الآنسة ''نوال'' فهي الأخرى شابة لم يبق على دخولها القفص الذهبي إلا حوالي 15 يوما وهي تجد في هذه الزنيقة أفضل مكان يمكن أن تقصده كل فتاة في طريق الزواج، وهي معتادة على التسوق بهذا المكان في عدة مناسبات عائلية رفقة قريباتها اللواتي تزوجن قبلها، كما تضيف أيضا أنها تمكنت بصعوبة من اختيار جبة الفرڤاني المناسبة لها بسبب تنوع الموديلات والتصاميم وقد صنعت في قسنطينة، وهي من نوع ''المجبود'' ودفعت ثمنها حوالي 45 ألف دينار، ولا تجد في الأمر ندامة طالما أن الزي التقليدي لا يمل منه ويلبس في كل الأوقات. وفي محل آخر التقينا ب ''فريال'' رفقة شقيقتها قدمتا خصيصا إلى أن هناك بحثا عن الخيار الواسع ولأنها مخطوبة أيضا وتم مؤخرا تحديد موعد زفافها في نهاية شهر جويلية القادم، فقد جاءت إلى زنيقة العرائس لاستكمال آخر لباس للتصديرة، وتقول في هذا الشأن بأنها معجبة بالأزياء الموجودة في المحلات لدرجة أنها لا تستطيع التفضيل بينها، وفيما يتعلق باللباس الذي جاءت من اجله، صرحت لنا بأنها اقتنت القفطان المغربي لأنها تميل إلى هذا الزي وقد كلفها حوالي 30 ألف دينار. طبق الحنة.. مستلزمات الحمام لها نصيب من زنيقة العرائس إلى جانب أزياء التصديرة التي تشكل جزءا هاما من التجارة تحت أقواس زنيقة العرائس بساحة الشهداء، تتوجه العائلات التي ستدق الأفراح أبوابها إلى هذا المكان من أجل اقتناء اللوازم الثانوية التي تعطي للعرس نكهة إضافية لا يكتمل إلا بوجودها. فأثناء تجولك هناك لا شك أنك شاهدت على طاولات الباعة أدوات الاستحمام الخاصة بالعروس، حيث كانت ومازالت كل شابة عشية زفافها تتوجه إلى الحمام رفقة عدد من أقاربها ويشترط أن تكون مجهزة بكل أدوات الاستحمام الخاصة بالعروس وتتمثل في الفوطة، المنشفة، الطاسة وتكون كلها ملفوفة بحاشية من لون وردي. وقد دفعنا الفضول إلى الاستفسار عن أسعارها، حيث وقفنا عند بائع تغطي طاولته كل ما تحتاج إليه العروس عند ذهابها إلى الحمام، ففيما يتعلق بحقيبة معبأة بكل لوازمها فإن ثمنها يصل إلى 1400 دج وهي مزخرفة بشكل جميل، أما سعرها فارغة فيقدر ب 900 دج. وفي حديثنا مع السيدة ''خديجة''، صرحت لنا بأنه من العادات الراسخة في العائلات الجزائرية أن ترفق العروس عند ذهابها إلى الحمام بكل ما يتطلبه ذلك المكان، حيث تقوم باصطحاب والدتها معها ودعوة بعض القريبات غير المتزوجات كفال لهن، وهي تجد في زنيقة العرائس كل هذه الأشياء. أما بالنسبة للوازم الحناء، فهي الأخرى لها حظ من قائمة المبيعات، فتجدها مزينة أوكما يطلق عليها اسم ''الطبق''، فهذا الأخير يعتبر ضروريا عندما يتوجه أهل العريس إلى بيت العروس من أجل ربط الحناء لها، فلا يتم ذلك دونه، حيث يتكون من شموع طويلة مزخرفة، علبة حناء، ماء الزهر، بعض الهدايا التي تقدم للعروس، نقود وطقم من الذهب، عطور ويغلف بقماش جميل وألوان زاهية، وأما بالنسبة لسعره فهو يختلف من محل لآخر ويتراوح بين 4 آلاف و6 آلاف دينار. عروض تحفيزية لجلب الزبونات في أغلب المرات التي قصدنا فيها محلات ملابس العرائس بساحة الشهداء، لم يتوان الباعة أبدا في تقديم العروض الترويجية لسلعهم وهذا من أجل استمالة عدد اكبر من الزبونات وتحفيزهن على المزيد من الشراء سواء من حيث التلاعب بالأسعار أو تقديم هدايا رمزية، فالمهم هو أن يصلوا في نهاية الأمر إلى إقناعهن وترك أثر إيجابي في نفسيتهن. فإذا كانت أية فتاة مقبلة على الزواج وترغب في التجهيز، فما عليها سوى التوجه إلى هناك، لتجد الباعة في انتظارها، ولا يعد كلامنا هذا خاليا من أي دليل وإنما مبني على أساس التجربة التي مررنا بها عند قيامنا بهذا الروبورتاج، حيث لاحظنا ذلك التنافس من محل لآخر في منح أحسن العروض. فمثلا في محل للألبسة التقليدية، أخبرنا صاحبه بأنه يمكنه مساعدتنا في سعر ''كراكو'' يقدر ثمنه ب 28 ألف دينار عن طريق دفع المبلغ بالتقسيط وعلى مراحل، بينما في محل آخر أوضح لنا البائع أنه مع شرائنا لطقم لباس العروس الذي تفتتح به التصديرة بسعر 12 ألف دينار، يمكننا الحصول في المقابل ومجانا على حقيبة يد وحذاء، ونفس الأمر حدث لنا في محل للأقمشة، حيث حاول إشعارنا بالارتياح واقتناء القماش الذي يعجبنا كما يمكننا الاستعانة بالخياطة التابعة للمحل وإنجاز مختلف التصاميم التي نرغب بها. ر. ع