أخلط الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني بيترو بوروشنكو، حسابات العواصم الغربية بعد إعلانهما عن التوصل الى اتفاق مفاجئ لوقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا. وكان لهذا الإعلان وقع المفاجأة كونه جاء في سياق مغاير تماما للتطورات التي عرفها الموقف العسكري، وكذا تصعيد لهجة المواقف بين موسكو وكييف، وبعلاقة متعدية مع العواصم الغربية عبر حلف شمال الأطلسي في اليومين الأخيرين. والأكثر من ذلك فقد كشف الرئيس الروسي، الذي اتهمه رئيس اللجنة الأوروبية خوسي مانويل باروسو بتأكيد له على قدرته في احتلال أوكرانيا خلال أسبوعين، عن خطة من سبع نقاط لإنهاء المواجهات بين الجيش النظامي الأوكراني والمتمردين الموالين لروسيا في شرق البلاد. وحسب تسريبات إعلامية فإن الخطة الروسية تضمنت بالأساس وقف الجيش الأوكراني والمتمردين عملياتهما العسكرية، وتبادل الأسرى بين الجانبين دون شروط وفتح ممرات لإيصال المساعدات الإنسانية للسكان المحاصرين. والمفارقة أن هذا الاتفاق جاء بعد مكالمة هاتفية تمت بين الرئيسين الروسي والأوكراني ليلة الثلاثاء الى الأربعاء، والتي حسم خلالها أمر الوضع العسكري الذي تجند له الحلف الأطلسي وتعهد بإرسال قوات عسكرية كبيرة الى الدول المجاورة لروسيا، ضمن عملية ردع للطموحات "التوسعية" الروسية. وقال بوتين أن اتفاقا نهائيا بين السلطات الأوكرانية ومتمردي جنوب شرق البلاد، سيتم توقيعه يوم غد الجمعة، بمناسبة اجتماع مجموعة دول الاتصال المكلفة بإنهاء الأزمة الأوكرانية. ويبقى التوقيع على هذا الاتفاق في هذا اليوم بالذات دلالة ورسالة باتجاه دول حلف "الناتو" الذين سيعقدون اليوم اجتماعا ببلاد الغال، لبحث الموقف في أوكرانيا واتخاذ القرار النهائي بإرسال وحدات عسكرية الى بلغارياورومانيا ودول البلطيق. ويمكن القول أن السرعة التي تم التوصل فيها الى هذا الاتفاق، والسياق الذي جاءت فيه أخلطت حسابات الدول الغربية الى درجة جعلت الرئيس الامريكي باراك اوباما، الذي شرع في جولة أوروبية أمس، بمحطة العاصمة الاستونية تالين على خلفية التأزم القائم في أوكرانيا يتلقى الخبر بكثير من التحفّظ، بما يعني انه لم يهضم التوصل الى هذا الاتفاق المفاجئ. وقال انه من السابق لأوانه الحكم على هذا الاتفاق وتقدير أهمية آثاره المباشرة على ارض الواقع. ولكن الرئاسة الأوكرانية قطعت الشك باليقين عندما أكدت في بيان أصدرته أن الرئيس بوروشنكو، تباحث مع الرئيس بوتين واتفقا على وقف لإطلاق النار في شرق البلاد. ويمكن القول أن هذا الاتفاق سيفقد قمة الأطلسي دواعي انعقادها على الأقل بخصوص الشق الأوكراني، وخاصة ما تعلق بإرسال قوات أطلسية الى دول مثل رومانياوبلغاريا ودول البلطيق الثلاثة بعد أن نزع اتفاق بوتين بوروشنكو فتيل الحرب فيها لصالح مصالحة أمنية وسياسية. ويكون الرئيس الأوكراني بذلك قد اخلط أوراق حلفائه الغربيين عندما خاض مفاوضات يمكن وصفها ب«السرية" وإعلان التوصل الى الاتفاق في وقت كانت مختلف العواصم الأوروبية تحضر لرد حاسم ودون مواربة تجاه روسيا، التي أصبحت تشكل في نظرها خطرا قادما على المصالح الغربية في دول المعسكر الشيوعي السابقة. ولكن السؤال المطروح لماذا أجرى الرئيس الأوكراني هذه المفاوضات بطريقة انفرادية ودون علم العواصم الأوروبية، والتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب الأهلية في بلاده في وقت قياسي وهو الأمر الذي كان يبدو أمرا مستحيلا ساعات قبل ذلك؟ والمؤكد أن قادة الدول الغربية سوف لن يغفروا مثل هذا التصرف الذي حدث "وراء ظهورهم"، وهم الذين كانوا يمهدون لتسهيل انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي حتى تكون تحت المظلة الأطلسية، وقاعدة أمامية على جبهة المواجهة القادمة مع موسكو.