حيّت الفيدراليات الوطنية للاتحاد العام للعمال الجزائريين "القرار التاريخي" المتضمن إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل، مشيرة إلى أنها استقبلت هذا الإلغاء باسم كل العمال "بكل ارتياح وابتهاج". واعتبرت أن رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة اتخذ قرارا شجاعا يجسّد الوعد الذي قطعه عليهم، و«الذي سيكتب له ضمن قائمة طويلة من التزاماته لصالح الطبقة الشغّيلة". وأكدت الفيدراليات في بيان لها، تجنّدها "بدون هوادة" لتطبيق كل التوجيهات والالتزامات لمساندة مجهودات الرئيس "الجبارة"؛ من أجل تطوير وإنعاش الاقتصاد في كل القطاعات، معتبرة أن الحوار الاجتماعي يبقى هو "المفتاح" لحل كل القضايا المتعلقة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية. وجاء في البيان أن "هذا الالتزام لرئيس الدولة تجاه العاملات والعمال، لهو وقفة تاريخية تبقى راسخة في ضمائرهم". وتم توزيع الوثيقة أمس خلال الاجتماع الذي شاركت فيه 30 فيدرالية وطنية تابعة للاتحاد العام للعمال الجزائريين، ممثلة لكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وتحت رئاسة الأمين الوطني المكلف بالنزاعات الاجتماعية عاشور تلي؛ بغية مناقشة مشروع قانون العمل الجديد، وتقديم مقترحاتها بشأن كل المواد التي يتضمنها. في هذا الصدد، أكد السيد تلي فرحة العمال بإلغاء المادة 87 مكرر، مشيرا إلى أن انعكاساته ستمس كل "الطبقة الشغّيلة البسيطة لأول وهلة"، وأنه مع الوقت وبتغيير قاعدة حساب الأجور، سيكون هناك تغيير في كل الأجور. وأوضح في تصريحات صحفية أن المادة 87 مكرر "تعيد النظر في تعريف الحد الأدنى من الأجور، الذي كان يتكون من الأجر القاعدي زائد بعض العلاوات... وبقرار الرئيس إلغاء المادة فإن تعريف الحد الأدنى للأجر سيتغير، وهو ما يعني أن العلاوات لن تُحسب مع الأجر القاعدي، ولأن عدد العلاوات يختلف من قطاع لآخر فإن الزيادات في الأجور ستختلف من مؤسسة لأخرى ومن قطاع لآخر ومن عامل لآخر... وهذا هو لب تغيير المادة". إلغاء المادة 87 مكرر يكلّف 2400 مليار دج وأكد المتحدث أن إلغاء المادة 87 مكرر سيكلّف خزينة الدولة 2400 مليار دج، مضيفا أن كتلة الأجور وليست الأجور التي ستعرف ارتفاعا أكبر سترتفع بفعل الإلغاء بنسب تتفاوت بين 5 و15 بالمائة، وهي "نسبة كبيرة جدا"، كما قال، لكنها، بالمقابل، ستسمح بإنعاش الاستهلاك وهو ما ينعكس إيجابا على المؤسسات الجزائرية، ويعطي دفعا للاقتصاد الوطني كما قال لاسيما بعد العودة إلى القروض الاستهلاكية؛ فإلغاء المادة يعني "النهوض بالمؤسسة والعامل في نفس الوقت"، كما أضاف. من جانبه، أكد الأمين العام لفيدرالية التجارة والسياحة والصناعات التقليدية محمد عزيرة في تصريح ل "المساء"، أن القرار "رفع معنويات كل العمال وأثلج صدورهم، وهم ينتظرون تطبيقه بفارغ الصبر؛ لأن العامل أصبح الآن متأكدا أن حقوقه مضمونة؛ لهذا نثمّن القرار الذي كان مطلبا للنقابة منذ 20 سنة، واليوم ستستفيد كل شرائح وفئات العمال من القرار، خاصة ذوي الأجور الدنيا". وإذا كان الإجماع على تثمين إلغاء المادة 87 مكرر واضحا ولا يعتريه أي لبس لدى اتحاديات المركزية النقابية، فإن التحفظ من باقي مواد مشروع قانون العمل الجديد المطروح حاليا للنقاش، كان السمة البارزة في تدخلات كل الأمناء العامين في هذا الاجتماع الخامس من نوعه؛ إذ تكررت نفس العبارات على ألسنتهم، واصفين ما تضمّنه بكونه "تراجعا" عن المكتسبات في عالم الشغل، لاسيما في حقوق العمال عموما والحقوق النقابية خاصة. وقال الأمين العام للفيدرالية الوطنية لعمال التربية شابخ فرحاني في السياق: "لقد لاحظنا عدة اختلالات في المشروع تمس حقوق العمال والحقوق النقابية"، معتبرا أن بعض مواد المشروع تعرقل عمل النقابيين بصفة ملحوظة. وفي نفس الاتجاه تحدّث الأمين العام لفيدرالية عمال الري؛ إذ قال إن مضمون القانون يشير إلى أن "العامل لن تكون له أية كلمة داخل المؤسسة"، فيما لم يتردد الأمين العام لفيدرالية الموانئ في القول بأن 50 بالمائة من محتوى مشروع قانون العمل "جاء لتكسير النقابات". وبدوره، قال الأمين العام لفيدرالية النسيج والجلود عمار تقجوت، إن المشروع فيه "تراجع اجتماعي" يظهر في عدد من المواد، خاصا بالذكر تعميم عقود العمل محدودة المدة، التي أوضح أنها تعني "إلغاء حق الممارسة النقابية من جهة، وحرمان العمال من القروض الاستهلاكية من جهة أخرى". كما أبدى تحفّظه من إدراج عمل الأطفال في المشروع الجديد ضمنيا. أما الأمين العام لفيدرالية عمال الشباب والرياضة فاعتبر أن القانون الجديد "منحاز لأرباب العمل"، مشيرا، خاصة، إلى وجود إمكانية عدم تطبيق الأحكام القضائية من طرف هؤلاء، وطالب بصلاحيات أكبر لمفتشيات العمل. وبالنسبة لممثل فيدرالية الكهرباء والغاز فإن مساوئ مشروع القانون أكثر من مزاياه؛ فبغضّ النظر عن إلغاء المادة 87 مكرر، فإن "جل مواد القانون ليست لفائدة العمال"، حسب رأيه، وهو ما عبّر عنه ممثلو فيدراليات عمال التكوين المهني ومواد البناء والأشغال العمومية والسكن والبنوك والتأمينات والتعليم العالي والاتصال والثقافة وكذا البترول والغاز والبتروكيمياء. وقدّم مسؤولو الفيدراليات الحاضرة، بالمناسبة، جملة من الاقتراحات التي توّجت النقاشات التي تمت على مستوى 48 ولاية عبر اللجان التي تم تكوينها لهذا الغرض، والتي ضمت نقابيين وجامعيين وقانونيين. ومن بين الاقتراحات المقدَّمة بالمناسبة، تنصيب المجلس الأعلى للوظيف العمومي، الذي طالب به الأمين العام لفيدرالية عمال الجماعات المحلية رضا زعلاني، الذي وإن ثمّن بعض ما جاء في مشروع قانون العمل فإنه اعتبر أن من الضروري إعطاء أهمية خاصة لعمال هذا القطاع الذي وصفه ب "السيادي". وردا على هذه الملاحظات ذكر الأمين الوطني المكلف بالنزاعات الاجتماعية، أن القانون مازال محل نقاش إلى حد الآن، وأن الدولة أعطت أهمية لرأي الاتحاد العام للعمال الجزائريين من خلال الحوار المفتوح بهذا الشأن، إلا أنه نبّه إلى ضرورة توافق القانون الجديد مع المعاهدات الدولية الخاصة بالعمل، سواء التي صادقت عليها الجزائر أو التي لم تصادق عليها، مشيرا إلى أن القانون سيمتد على سنوات طويلة مقبلة، وهو ما يحتّم الحرص على احترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.