عرفت العلاقة بين السلطات المغربية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان المحلية والدولية في المدة الأخيرة، تشنّجا جديدا على خلفية التدهور الخطير الذي عرفته وضعية حقوق الإنسان في هذا البلد؛ بسبب المضايقات المتواصلة على حرية التعبير والتجمع والتظاهر الحر. ويأتي توقيت هذا الشرخ الجديد في علاقة الرباط ومختلف المنظمات الحقوقية في وقت تستعد السلطات المغربية لاحتضان فعاليات المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان؛ حتى تستغله لتبييض سواد وجهها فيما يخص أساليب تعاملها مع وضعية حقوق الإنسان. وشكّل قرار السلطات المغربية، نهاية الأسبوع، بمنع تنظيم تجمّع شباني لمنتسبي حركة منظمة العفو الدولية "أمنيستي"، كان مقررا ما بين يومي الفاتح سبتمبر والسابع منه، بمثابة أول شرخ في علاقة هذه المنظمات مع السلطات المغربية، التي تكشف عن وجهها الحقيقي كلما تعلّق الأمر بمحاولة هذه المنظمات النبش في وضعية حقوق الإنسان، بناء على تقارير محلية تؤكد عادة وقوع تجاوزات ضد نشطاء حقوقيين مغربيين وصحراويين. وقال محمد سقطاوي مدير الفرع المحلي لمنظمة "أمنيتسي"، إن هذا المنع يُعد سابقة في المغرب، تؤسس لممارسات اعتقد المغربيون أنها قد ولّت. ولكن القرار جعل مختلف المنظمات الحقوقية تشكك في حقيقة النوايا المغربية ومزاعمها بتحسين وضعية حقوق الإنسان والممارسة الديمقراطية في مملكة مازال يحكمها نظام مخزني لا يريد التفريط في مصالحه؛ إذعانا لمطالب منظمات حقوقية تريد كسر عصا الطاعة التي فرضتها مختلف الأجهزة الأمنية المغربية، ضد كل من يحاول الجهر بتذمره من أوضاع لم تعد تطاق. واعتادت السلطات المغربية في كل مرة التغطية على انتهاكاتها بالتأكيد على أن التقارير التي تفضح ممارساتها سواء تعلّق الأمر بحرية الصحافة أو وضعية حقوق الإنسان، جاءت بإملاءات أجنبية. إلا أن المواقف المتعنتة لحكومة الوزير الأول الإسلامي عبد الإله بنكيران، تجاوزت الحدود إلى درجة لم يعد بالإمكان السكوت عن خروقاتها المتواصلة لأدنى حقوق الإنسان في المغرب. ولم تجد الحكومة المغربية من شيء للدفاع عن نفسها أمام سيل الانتقادات التي تطالها سوى القول إن المغرب لا يتهجم ضد منظمات حقوق الإنسان، بل إنه يعمل بالعكس على إقامة تعاون إيجابي معها. وهو ما فضحته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المقربة من حركة 20 فيفري، المطالَبة بإصلاحات سياسية جذرية، ما انفكت تندد بحملة مضايقات أمنية وتشويه إعلامي مقصود تجاه مناضليها لتبرير الأحكام القضائية الجائرة المسلطة؛ سواء بسجن العشرات منهم أو وضع مئات آخرين تحت طائل المراقبة القضائية، بالإضافة إلى منع السلطات المغربية كل التجمعات التكوينية التي كانت تعتزم تنظيمها لمناضليها بمناسبة العطلة الصيفية. ولم تجد السلطات المغربية للدفاع عن موقفها سوى اتهام هذه المنظمة على لسان وزيرها للداخلية محمد حصاد، بالعمل لصالح قوى أجنبية لضرب استقرار المملكة. وتذهب مثل هذه الاتهامات في سياق مواقف الأنظمة الشمولية، التي لا تجد سوى الخارج لجعله المشجب الذي تعلق عليه كل الأخطاء الداخلية والسياسات القمعية الداخلية، ضد كل المنظمات الحقوقية؛ سواء كانت محلية أو دولية. وهو ما دحضه رئيس اللجنة المغربية لحقوق الإنسان أحمد الحايج، الذي قال إننا لسنا هنا من أجل الانضمام لجوق الثناء ومدح "إنجازات" الحكومة؛ لأن ذلك ليس دورنا. وهو ما جعله يطرح التساؤل حول التناقض الموجود بين ممارسات الرباط وبين دعوتها لعقد منتدى دولي لحقوق الإنسان، وزيف تصريحاتها أنها تعمل من أجل ترقية وضعية حقوق الإنسان وتحسينها؟ ويُنتظر أن يشارك مئات المدعوين الحقوقيين شهر نوفمبر القادم، في المنتدى الدولي الثاني لحقوق الإنسان بمدينة مراكش؛ حيث تسعى السلطات المغربية للتظاهر عبره أنها دولة حقوق الإنسان؛ في محاولة منها لطي صفحة صورة التعذيب والقتل خارج إطار العدالة، الذي وصمت صورتها طيلة عقود ضمن ما يُعرف بسنوات "الرصاص والدم" التي طبعت فترة تربّع الملك الراحل الحسن الثاني على عرش المملكة، وتواصلت بطريقة أكثر دبلوماسية في عهد نجله محمد السادس.