تحت شعار "تواصل بين أجيال الدبلوماسية الجزائرية"، احتفلت الجزائر أمس، باليوم الوطني للدبلوماسية الذي يصادف الثامن من أكتوبر من كل سنة، و هي المناسبة التي تم خلالها استحضار إنجازات السياسة الخارجية للبلاد قبل وبعد الاستقلال، والتي تميزت كما أكد وزير الشؤون الخارجية السيد رمطان لعمامرة، ب"الاحترافية والاستمرارية" في كنف المبادئ والقيم التي ترتكز عليها. وأشار السيد لعمامرة، في كلمة له بمناسبة هذا الاحتفال الذي احتضنته وزارة الخارجية، أن إحياء الذكرى يعد فرصة "للوقوف عند إنجازات العمل الدبلوماسي الجزائري انطلاقا من ثورة أول نوفمبر 1954، مرورا بانضمام الجزائر إلى منظمة الأممالمتحدة في 8 أكتوبر 1962، وصولا إلى المرحلة الحالية". وفي هذا الصدد ذكّر الوزير بالشخصيات اللامعة التي صنعت مجد الدبلوماسية الجزائرية، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، سواء لما كان وزيرا للخارجية أو عندما أصبح رئيسا للبلاد، إلى جانب أسماء أخرى على غرار الدبلوماسي ووزير الخارجية الأسبق لخضر الإبراهيمي، الذي شارك الحضور هذا الاحتفال، مضيفا أنه تولى المهمات المستحيلة سواء في لبنان أو أفغانستان أو العراق أو سوريا. من جانبه أعرب السيد الإبراهيمي، عن اعتزازه بالجهود التي تقوم بها الجزائر عن طريق الوساطة لحل أزمتي ليبيا و مالي بحكم الأخوة والجيرة، قائلا في هذا الصدد "أنا سعيد جدا لأن الجزائر لها مشاركة أساسية مع الآخرين في محاولة مساعدة إخواننا في مالي على حل مشاكلهم". وإذ هنّأ السيد الإبراهيمي، الجزائر والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لحرصه على تولي هذا الدور من أجل التوصل إلى حل للوضع في مالي، فقد جدد التأكيد على انتماء الجزائر لهذه القارة، مبرزا في هذا السياق دور ثورة أول نوفمبر 1954، في ظهور الحركات التحريرية وكذا مساعدة الجزائر المستقلة لها وللدول الإفريقية عامة، مضيفا أنه يعلق آمالا كبيرة لإعطاء دفع جديد للدبلوماسية الجزائرية خاصة بعد انتهاء العشرية السوداء و التي أثرت على عملها الخارجي، قبل أن يردف في هذا السياق "إن الدبلوماسية الجزائرية اليوم بين أيد آمنة وواعدة". وأن الجيل الجديد من الدبلوماسيين مؤهل لأداء هذه المهام باقتدار في ظل تسلحه بالعلم وبخبرة الرعيل الأول من الدبلوماسيين الجزائريين. وعرّج الدبلوماسي الدولي على المسار التاريخي للدبلوماسية الجزائرية منذ اندلاع الثورة التحريرية المظفرة، مؤكدا أن نشاط المناضلين في الخارج كان بمثابة استكمال للكفاح في الداخل. و نوّه بقدراتهم على غرار لمين دباغين و فرحات عباس. وتوقف السيد الإبراهيمي، عند المحطات التي شكلت مرتكزات ومكاسب للدبلوماسية الجزائرية، كما هو الشأن مع مؤتمر باندونغ 1955، و مؤتمر حركة عدم الانحياز ببلغراد (يوغسلافيا سابقا) لسنة 1961، إلى جانب مؤتمر الحركة الذي احتضنته الجزائر سنة 1973. كما تطرق السيد الإبراهيمي، إلى المشاركة المتميزة للجزائر في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974، حيث يعود لها فضل تمكين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، من إلقاء كلمة باسم منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، وفي طرد نظام الميز العنصري لجنوب إفريقيا من جهة أخرى. وعن مدى تأقلم الدبلوماسية في العصر الحالي مع الظواهر الجديدة التي عرفتها الساحة الدولية مثل ظاهرة الإرهاب، أوضح السيد الإبراهيمي، أن الدبلوماسية الدولية "تأقلمت مع الأوضاع الجديدة لا سيما بعد سقوط حائط برلين"، غير أنه أشار إلى أن موضوعا كالإرهاب يحتاج النظر إليه عن قرب. ومن جهة أخرى قلل السيد الإبراهيمي، من أهمية وجدوى العقوبات الاقتصادية كسبيل لمحاصرة الإرهاب، مضيفا أنها أضرت كثيرا بالشعوب كما حصل في العراق، حيث تضرر العديد من الأطفال بشهادة منظمة الأممالمتحدة و المنظمات غير الحكومية. ومن باب تشجيع الجيل الجديد من الدبلوماسيين، فقد تم تخصيص حيز من برنامج الاحتفال للدبلوماسي نسيم مقراني، الذي قدم كتابه الصادر سنة 2009 بعنوان "الدبلوماسيات الجديدة"، حيث استعرض أهم التحديات التي تحكم العلاقات الدولية في شقها السياسي والأمني والاقتصادي. برنامج "مرحبا" لفائدة الدبلوماسيين الأجانب بالجزائر من جهة أخرى تميّز الاحتفال بيوم الدبلوماسية بالجزائر، بإطلاق برنامج "مرحبا" الموجه للدبلوماسيين الأجانب المعينين مؤخرا بالجزائر، حيث أشار المدير العام للمعهد الدبلوماسي و العلاقات الدولية، محمد عبد العزيز بوقطاية، إلى أنه يهدف إلى تسهيل اندماج الدبلوماسيين الأجانب الجدد باقتراح نشاطات متنوعة تخص اكتشاف التراث الجزائري وتاريخه و ثقافته وجوانبه الاقتصادية والتجارية. وقال السيد بوقطاية، أن هذه المبادرة التي ستنطلق ما بين 9 و25 أكتوبر الجاري، تسعى إلى أن تكون فضاء للتلاقي والتبادل، وإرساء مناخ تفاهم للعمل في ظل الثقة والطمأنينة والود، مضيفاأن "وزارة الشؤون الخارجية ترغب في ضمان استمرارية هذا الإطار بغية تكريس ديناميكية الصداقة والتفاعل بين الجزائر والديبلوماسيين الأجانب، وأنها مقتنعة بأنه سيكون لهذه المبادرة صدى كبير ومع مر الزمن ستصبح إحدى العلامات المميزة للحياة الدبلوماسية في الجزائر". وسطرت مبادرة "مرحبا" عدة نشاطات من شأنها السماح للدبلوماسيين الأجانب باكتشاف مختلف الجوانب الجغرافية و الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الجزائرية. وتتضمن النشاطات المبرمجة تنظيم ندوات حول ثوابت السياسة الخارجية للجزائر، ومبادئها وتاريخها وثقافتها وحضارتها وكذا سياستها الطاقوية، كما تعمل على جمع السفراء الجدد بنواب البرلمان و أعضاء من المؤسسات الاقتصادية الهامة في البلاد. وقد استجابت 30 سفارة للدعوات التي وجهها لها المعهد الدبلوماسي. وقد تم في مستهل الاحتفاء بالذكرى الترحم على شهداء الجزائر عامة وشهداء الدبلوماسية الجزائرية على وجه الخصوص من بينهم القنصل بوعلام سايس، والدبلوماسي طاهر تواتي، اللذين اغتالتهما أيدي الإرهاب الهمجي في مالي.