تلزم الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، التي صادقت عليها الجزائر في 8 سبتمبر الفارط، الدول الأطراف بوضع نظام داخلي شامل للرقابة والإشراف على المؤسسات المالية والأشخاص الطبيعيين الذين يقدمون خدمات في مجال تحويل الأموال وكل ما له قيمة، كما تلزمها بإنشاء وحدات للتحري تقوم بجمع وتحليل المعلومات المتعلقة بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وحث السلطات المختصة في مكافحة هذا النوع من الجرائم على التعاون وتبادل المعلومات على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، ضمن نطاق الشروط التي تفرضها القوانين والنظم الداخلية. وتشير أحكام هذه الاتفاقية العربية التي تم تحريرها بالقاهرة في 21 ديسمبر 2010، وتضمنها المرسوم الرئاسي رقم 14-250 الذي وقّعه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، في سبتمبر الماضي، إلى ضرورة أن يراعي النظام الداخلي الشامل للرقابة المتطلبات الخاصة بتحديد هوية العملاء والمستفيدين الحقيقيين عند الاقتضاء، وكذا حفظ السجلات والإبلاغ عن المعاملات المشبوهة، حيث تتخذ كل دولة طرف في الاتفاقية التدابير اللازمة لكشف ورصد حركة النقود والأدوات المالية القابلة للتداول عبر حدودها، وفق الضمانات التي تكفل استخدام المعلومات "استخداما سليما دون إعاقة حركة رأس المال المشروع بأية صورة من الصور". وإذ تعرف الاتفاقية غسل الأموال ب"ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه، يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة خلافا لما تنص عليه القوانين والنظم الداخلية لكل دولة طرف، وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر"، فهي تهدف بالأساس إلى تدعيم التدابير الرامية إلى مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز التعاون العربي في هذا المجال، مع صون سيادة كل دولة طرف فيها، وضمان السلامة الإقليمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، حيث لا تبيح لدولة طرف القيام في إقليم دولة طرف أخرى بممارسة الولاية القضائية، وأداء الوظائف التي يناط أداؤها حصرا بسلطاتها. التزام بوضع التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة الجريمة وتفرض هذه الآلية القانونية على كل دولة طرف في إطار وضع التدابير الوقائية من جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلزام المؤسسات المالية والجهات المعنية بتحويل الأموال، بتضمين استمارات التحويل الإلكتروني للأموال والرسائل ذات الصلة معلومات دقيقة ومفيدة عن المصدر، مع الاحتفاظ بتلك المعلومات وحمايتها بواسطة برامج متخصصة، وفرض مراقبة دقيقة على تحويل الأموال التي لا تحتوي على معلومات كاملة عن المصدر. وتنص على إنشاء وحدة للتحريات المالية، ومنحها كل الصلاحيات التي تمكنها من المكافحة الفعالة للجرائم المذكورة. ولتسهيل التعاون بين الدول الأطراف في مكافحة هذه الجرائم، تلزم الوثيقة كل دولة طرف وفقا للمبادىء الأساسية لنظامها القانوني بإعداد قائمة المؤسسات المالية التي تتعامل في النقد، مع حث هذه المؤسسات على اتخاذ الإجراءات المرتبطة بأعمال المكافحة، ومنها التحقق من هوية العملاء، وضعياتهم القانونية وإخطار وحدات التحريات المالية بالعمليات المالية التي يشتبه فيها ومسك سجلات ومستندات لقيد ما تجريه من العمليات المالية المحلية أو الدولية ووضعها تحت تصرف السلطات القضائية والجهات المختصة. وفضلا عن التزامها بتجريم كل الممارسات المتصلة بجريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أو المشاركة فيها، وذلك بالتنصيص على ذلك في منظومتها التشريعية والقانونية، توصي الاتفاقية الدول الأطراف باتخاذ ما يلزم من تدابير تشريعية لكي تخضع لولايتها القضائية جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب أو الاشتراك فيها أو التحريض عليها أو محاولة القيام بها والشروع في ارتكابها، وذلك عندما تسبب هذه الأفعال إذا ارتكبت خارج إقليمها إضرارا بمصالحها وعندما يكون الجاني موجودا على إقليمها ولا تقوم بتسليمه لكونه أحد مواطنيها، وتتخذ في نفس السياق التدابير اللازمة لتمكين الجهة المختصة من مصادرة العائدات الإجرامية المحصلة من جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والأموال التي استخدمت أو كانت معدّة للاستخدام في ارتكاب هذه الجرائم. تأطير التعاون في مجال مكافحة الجريمة ومصادرة الأموال المشبوهة وتتيح الاتفاقية لكل دولة إبرام اتفاقات مع غيرها من الدول الأطراف لتنظيم التصرف في حصيلة الأموال المحكوم نهائيا بمصادرتها، كما يجوز لدولتين طرفين وفق اتفاقيات مبرمة بينهما تسهيل الاستفادة من مساعدة يقدمها أشخاص متورطون في هذه الجرائم، قد تشمل معلومات مفيدة لأغراض التحقيق والإثبات، مع إمكانية الإعفاء أو التخفيف من العقوبات الأصلية المقررة في حق أحد الجناة الذي يقوم بإبلاغ السلطات المختصة، ويساعد على ضبط باقي الجناة أو بعضهم أو ضبط الأموال محل الجريمة. وتكفل كل دولة طرف في مجال القيام بتحقيقات في المسائل الجزائية للأفعال المجرمة آليات مناسبة لتذليل العقبات التي قد تنشأ عن تطبيق قوانين السرية المصرفية، وتعمل على تطوير أنظمة الكشف عن الجرائم، ودعم قدرة الأجهزة الأمنية والإدارية والرقابية، وأجهزة إنفاذ القانون وسائر الأجهزة المعنية بمكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتعاون وتبادل المعلومات فيما بينها، فضلا عن إنشاء وتحسين برامج التكوين للعاملين في الأجهزة المعنية بمنع ومكافحة الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية. كما تقوم كل دولة بإنشاء قاعدة بيانات لجمع وتحليل المعلومات الخاصة بالجرائم، تتضمن أيضا المعلومات المقدمة من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، وتلتزم بتبادل المعلومات مع الدول الأطراف، وتعزيز أنشطة الإعلام الأمني وتنسيقها مع الأنشطة الإعلامية في كل دولة وفقا لسياستها الإعلامية، مع التعهد بالمحافظة على سرية المعلومات المتبادلة، وعدم تزويد أية دولة غير طرف أو جهة أخرى بها دون أخذ الموافقة المسبقة للدولة مصدر المعلومات. كما يشمل التعاون، مجال التحري والقبض على الهاربين من المتهمين أو المحكوم عليهم في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكفالة تقديم أي شخص يشارك في هذه الجرائم إلى العدالة وفقا للنظم والقوانين الداخلية لكل دولة، فضلا عن مجالات التكوين والمساعدة التقنية وتبادل الخبرات والدراسات والبحوث في مجال الوقاية ومكافحة الجرائم المعنية. ويشمل سعي كل دولة إلى تعزيز التعاون العربي الدولي والإقليمي في مجال منع ومكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، دعم التنسيق والتعاون المشترك بين الدول والمنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة، تبادل المعلومات والخبرات مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية والإقليمية بشأن المستجدات في مجال جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وكيفية الوقاية منها ومكافحتها وكذا المشاركة في المؤتمرات والندوات والحلقات العلمية التي تعقدها المنظمات الدولية والإقليمية في مجال جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما يتضمن التعاون بين أطراف الاتفاقية الجانب القضائي والمساعدة القانونية المتبادلة لأغراض مرتبطة بضبط الأموال والممتلكات المحصلة من الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية، القيام بإجراءات التفتيش وفحص الأشياء ومعاينة المواقع وكذا الحصول على أدلة أو أقوال من الأشخاص، وتلقي تقارير الخبراء والاطلاع على صحف الحالة الجنائية وتسهيل مثول الأشخاص في الدولة الطرف التي تطلب ذلك من أجل سماع شهادتهم أو أقوالهم. ويتعين على كل دولة طرف تحديد سلطة مركزية تسند إليها مسؤولية وصلاحية تلقي طلبات المساعدة القانونية المتبادلة وإحالتها للسلطات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها، غير أنه يمكن لها رفض المساعدة القانونية في حالات محددة، منها إذا كان تنفيذ طلب المساعدة يمس سيادتها أو أمنها أو يتعارض مع نظامها القانوني، أو كان تنفيذها يتعارض مع التحقيقات أو الإجراءات القائمة على أرضها أو مع حكم قضائي صادر في إقليمها. تسليم المجرمين والمحكوم عليهم.. ويتم تسليم المجرمين والمحكوم عليهم بالجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية وفقا للنظام القانوني للدولة متلقية الطلب، إذا كان الشخص موضوع طلب التسليم موجودا في إقليم الدولة المطلوب منها، بشرط أن يكون الفعل الذي يطلب بشأنه التسليم مجرّما بمقتضى القانون الداخلي لكل من الدولة الطالبة والدولة المطلوب منها. وتعتبر هذه الاتفاقية مرجعا قانونيا للتسليم، ويمكن بالتالي أن تعوض معاهدة طلب تسليم في حال لم تكن هذه المعاهدة مبرمة بين دولتين طرفين فيها، على أن تعد الدول المعنية التي لا تجعل التسليم مشروطا بوجود معاهدة، الجرائم التي تسري عليها أحكام هذه الاتفاقية لتجعلها خاضعة للتسليم فيما بينها. وفي حال تعددت طلبات التسليم عن جريمة واحدة أو عدة جرائم مختلفة، فيقدم طلب الدولة التي أضرت الجريمة بأمنها أو مصالحها الجوهرية أولا، ثم الدولة التي وقعت الجريمة على إقليمها وبعدها الدولة التي يكون الشخص المطلوب من رعاياها، أما في حال اتحدت كل هذه الظروف فيتم تقديم الدولة الأسبق في طلب التسليم، وتمنع الاتفاقية أي دولة طرف من تسليم شخص مسلّم إليها من دولة أخرى إلى دولة غير طرف إلا بموافقة الدولة التي قامت بتسليمه. حماية الشهود والخبراء كما تكفل الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حصانة الشهود والخبراء وحمايتهم وتكفل لهم كل الحقوق المرتبطة بتنقلاتهم بين الدول الأطراف، وتمنع من إكراه الشاهد أو الخبير الذي لم يمتثل للتكليف بالحضور إلى دولة طرف أخرى أو محاكمته أو حبسه أو إخضاعه لأي قيد على حريته في إقليم الدولة الطالبة، غير أن هذه الحصانة المكفولة بموجب الاتفاقية تنقضي في حال بقي الشاهد أو الخبير المطلوب في إقليم الدولة الطالبة 30 يوما متعاقبة أو المدة التي يتفق عليها الطرفان. وتتعهد الدولة الطالبة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لكفالة حماية الشاهد أو الخبير من أية علانية تؤدي إلى تعريضه أو أسرته أو أملاكه للخطر الناتج عن الإدلاء بشهادته أو بخبرته، حيث تكفل في هذا الصدد سرية تاريخ ومكان وصوله إلى الدولة الطالبة، وسرية محل إقامته وتنقلاته وأماكن تواجده، مع التزامها بتوفير الحماية الأمنية اللازمة له ولأسرته، وكذا نفقات السفر والإقامة. وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن مصادقة الجزائر على الاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تنم عن إدراكها لخطورة ما ينتج عن هذه الأفعال الإجرامية، من مخاطر تعيق مخططات التنمية الاقتصادية وتعرقل جهود الاستثمار، وتهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني لأية دولة، كما يبرز توقيعها على هذه الآلية القانونية وفاءها الدائم بدعم التعاون العربي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والتزامها بميثاق الأممالمتحدة وميثاق جامعة الدول العربية، وجميع المعاهدات والمواثيق العربية والدولية الأخرى ذات الصلة.