بدأت حكومات عدد من الدول الأوروبية تدفع ثمن ذريعة "حرية التعبير" التي رفعتها للدفاع عن قرار صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة بمواصلة تطاولها على نبي الإسلام عليه السلام بعد أن ألّبت ضدها الرأي العام الإسلامي. وعرفت مختلف العواصم العربية والإسلامية تنظيم مسيرات احتجاجية انتهت جميعها إلى أمام مقار السفارات والقنصليات الفرنسية في رسالة شديدة اللهجة تجاه باريس التي فضلت الانحياز إلى جانب "شارلي إيبدو" وتحديها لشعوب الدول الإسلامية بمبرر أن ما قامت به مبدأ مقدس في الدول الغربية. وإذا كان المسلمون قد أدانوا عملية الهجوم المسلح على الصحيفة ومقتل طاقم تحريرها من منطلق احترام حرية التعبير، فإنهم انقلبوا عليها بمجرد أن تمادت في تحديها لأكثر من 1,5 مليار مسلم وعادت لتنشر إساءة أفظع للرسول محمد عليه السلام على صدر صفحتها الأولى وهو يبكي ويعتذر. فذلك هو الإصرار بعينه في الاستهتار بمشاعر هؤلاء في موقف أثار الإدانة حتى من المسيحيين أنفسهم الذين عرفوا الإسلام والمسلمين وقيمة نبيهم كشخصية لم يعرف العالم ولن يعرف مثيلا لها لا لسبب إلا لأنه رسول الله وخاتم أنبيائه. وحتى الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند الذي وجد نفسه في موقف المدافع عن هذه الجريدة رغم تمادي طاقمها في الدوس على مشاعر المسلمين بعد أن أدرج ذلك في خانة حرية التعبير، فإنه كان يجب أن يقتنع في المقابل أن ربع سكان الأرض لا يقبلون هذه الحرية التي تتعامل وفق الكيل بمكيالين وتسيء لنبي مرسل. والمؤكد أن المسيحيين ومعهم المسلمين ما كانوا ليقبلوا أن يهان نبي الله عيسى بن مريم مهما كانت المبررات حتى ولو كان ذلك تحت ذريعة حرية التعبير التي يبقى مفهومها مطاطيا في تعاملات الدول الغربية التي تستعملها وفق مصالحها. ويحدث ذلك عادة ليس عند التطاول على الأنبياء ولكن لمجرد التشكيك في المحرقة اليهودية التي اتخذتها الصهيونية العالمية سجلا تجاريا لابتزاز الغرب المسيحي وتعرض صاحبها لحملات تشويه بدعوى معاداة السامية، وهو ما يعانيه الفكاهي الفرنسي ديودوني المتابع قضائيا بتهمة الإشادة بالإرهاب وقبلها بمعاداته للسامية. والمؤكد أن المواقف الرسمية الغربية زادت في درجة الشحناء ضد دولها وسيجعل الأوروبيين يدفعون ثمن ذلك وخاصة أولئك الذين يكتسبون أرزاقهم في البلدان الإسلامية. ولم تكن أحداث العاصمة النيجيرية نيامي أمس إلا عينة عن المعاناة التي تنتظر هؤلاء بعد أن طالبتهم حكومة بلادهم بعدم مغادرة منازلهم مع أنها هي السبب المباشر فيما يتعرضون له. كما أن قرار السلطات البريطانية أمس برفع مستوى التهديد الذي يواجه قوات الشرطة إلى درجة "خطيرة" ما هو إلا نتيجة حتمية أيضا لدرجة الشحن الإعلامي التي تعيشها أوروبا هذه الأيام على خلفية الحذر المتوخى من المسلمين في تصرف يعادي أبناء هذه الجاليات وينم أيضا عن جهل واضح لطبع هؤلاء المستمد أصلا من دينهم الذي يرمز قبل أي شيء آخر إلى التسامح. و جاء القرار البريطاني في سياق ما عرفته الجاليات المسلمة في كل من بلجيكا وإسبانيا وألمانيا ضمن سيادة الخيار الأمني في التعاطي مع تطورات ما بعد عملية "شارلي إيبدو" ويؤكد أيضا أن قرارات أشد وطأ ستنزل على المسلمين وكان اغتيال مهاجر مغربي في فرنسا من طرف فرنسي شحن إعلاميا حد الانفجار إلا مجرد حادثة في مسلسل سيحمل كثيرا من المفاجآت والمآسي.